السيمر / الاثنين 09 . 04 . 2018
صالح الطائي
عقدت البيت الثقافي الواسطي التابع لوزارة الثقافة العراقية يوم الاثنين 9/4/2018 ندوة بحثية تحت عنوان “التعايش السلمي وتأثيره على مؤسساتنا العلمية” استضافوا فيها باحثين، الأول أكاديمي من جامعة واسط، والآخر مدير دائرة الهجرة والمهجرين في واسط، وأوكلت إلي إدارتها، فافتتحتها بالكلمة التالية:
إن الحديث عن (أهمية التعايش السلمي وتأثيره على مؤسساتنا العلمية) يستوجب منا العودة إلى تواريخ بداياته، ويقودنا إلى الحديث عن التغيير الذي تعرض له الإسلام على يد المدارس الإسلامية؛ التي تأثرت بالحراك السياسي أكثر من تأثرها بروح العقيدة، إذ يبدو من خلال النص المقدس أن الإسلام منح الآخر مساحة محترمة، فيها الكثير من النفس الإنساني والاحترام العقدي، وعلى سبيل المثال، جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وهي دعوة سمحة، فتحت الباب على مصراعيه لقبول الآخر وفق هوية الإيمان الوحداني المشترك.
لكن السياسة وجدت في هذا التقارب عارضا يعرقل مسعاها الدنيوي في الحصول على الجاه والمال والسبايا والغلمان والذهب والعطور، فجاء وعاظها من الموظفين الرسميين لديها، ووضعوا نظريات حجرت على النص المقدس، وقدمت الرأي السياسي عليه، فقالوا عن الكتابي أي اليهودي والمسيحي: ” لا بد من قتاله حتى يذعن للإسلام. وهو حلال المال والدم العرض”. وفي وقت متأخر انسحب هذا الحكم ليشمل أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، فبدأت المذاهب تكفِّر بعضها وتستحل عرضه وماله، وبذلك زرعوا روح الفرقة والكراهية بين الديانات والمذاهب والمكونات دون أن يكون لها أصل في روح العقيدة.
إن الذي يتجاوز النص المقدس الذي دعا إلى احترام الآخر من أتباع الأديان الأخرى، واحترام الإنسان لأنه إنسان؛ لا يُعدم وسيلة للنيل من الآخر أيا كان موقعه حتى لو كان مسلما يشترك معه في أغلب كليات العقيدة، لمجرد أنهما يختلفان ببعض مباني الفقه والاعتقاد.
لقد زرعت هذه الثقافة في نفوس أتباعها والمتضررين منها على حد سواء كما من الكراهية للآخر، تسبب في سفك الدماء وخراب البلاد، وقد أسهمت في تنمية هذه الرؤى المحرفة المساجد ودور العلم والجامعات والتكيات ومراكز الإفتاء، فانفصمت عرى الألفة والتقارب بين المكونات، وصار ما يحدث بين الأديان والفرق أنموذجا على عدوانية ودموية الإسلام، أباح لصموئيل هنتنغتن وغيره من المفكرين الغربيين الطعن بكل ما يمت إلى الإسلام بصلة، ومن ثم انتقاد الإسلام كنهج دموي إكراهي لا يقبل الآخر ويرفض الشراكة الإنسانية.
وفي الآونة الأخيرة، مع ازدياد حدة الصراع مع الغرب من جهة، وازدياد الصراعات الداخلية بين التيارات الفكرية والإيديولوجية الإسلاموية المختلفة من جهة أخرى، وأخذ الكثير من هذه الصراعات منحى عنفيا إقصائيا، أصبح من الضرورة بمكان الحديث عن مفاهيم: التعددية، والاختلاف، والحوار، والتعايش، بالرغم مما قيل ويقال في محاولات إبراز جوانب الحرية والتعددية وحق الاختلاف في الإسلام. وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحا للدعوة إلى تطبيق عملي واقعي لمفاهيم الحوار والتعايش وتقبل الآخر، بصفتها تجربة حياتية غنية ومُلهِمة، فالقول بدون فعل لا يترك الأثر المطلوب والمقبول.
ونحن العراقيين لا يمكن أن نرقى إلى مستوى إنسانيتنا، إلا إذا ما آمنا أن ما حدث بيننا منذ 2006 وصاعدا كان حلقة مشينة في تاريخ الإنسانية كلها وليس في تاريخنا الإسلامي فحسب. ولأننا نؤمن أن ما حدث ويحدث ترك أثرا كبيرا على مؤسساتنا العلمية التي كان المفروض بها أن تنأى بنفسها عن هذا الصراع، وتشارك في تكبيته وتحجيمه. ولكوننا نعتقد أن عملية التصحيح تحتاج إلى تعاون واشتراك المؤسسات العلمية والرسمية، من هنا ارتأينا عقد الندوات التخصصية التي تسعى إلى توضيح مقاصدنا في الدعوة إلى التعايش بعيدا عن التكتلات الطائفية والفئوية؛ التي تسعى تحت غطاء ديني مهلهل للنيل من الآخر، الذي ربما يملك اكثر مما نملك في العراق، واقصد بذلك أتباع الأديان الأخرى: اليهودية والمسيحية والصابئية الذين كانوا موجودين على أرض العراق قبل دخول الإسلام إليه، فضلا عن المذهب الإسلامية المختلفة التي دخلت إلى العراق سوية وأسست كل منها مدرسة فقهية من أبجديتها السعي للتعايش دون النظر إلى الفوارق التي يسعى بعض المتشددين والمتعصبين تسويقها.