السيمر / الاثنين 30 . 04 . 2018
وداد عبد الزهرة فاخر*
عموما لا قداسة لأي احد ، وحتى القرآن نفى القداسة عنه أمير الفقراء والمعدمين علي المرتضى عندما رفع الثنائي المتآمر عمرو بن العاص ومعاوية بن ابي سفيان بمعركة صفين المصاحف بعد أن أحسا بهزيمة لاحقة . حيث قال المرتضى علي ” القرآن كلام الله يحفظه الرجال في قلوبهم ” ، أي لا قدسية للكتاب الذي يحوي تلكم الكلمات إن كتب على الرق أو الورق ..
وما خرج من قول عن المرجعية الدينية الشيعية التي نحترم علمها ، ونجل مقامهم كرجال علم ، كأي رجال دين أو مذهب آخر لا فرق ، بعد شرح مفهوم القدسية ، القول الذي شاع ” المجرب لا يجرب ” ، يجب ان لا يدخل ضمن المناكفات السياسية ، او التعاليم الكهنوتية التي يستخدمها البعض من أجل مقاصد سياسية خاصة .. فقد جاء هذا القول وقتها والشارع السياسي العراقي مختلف بين قبول ترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزراء للمرة الثالثة أو عدمه . ولأننا نقف عند نقطة التحليل السياسي ولسنا مع إي طرف سياسي إسلامي أو غير إسلامي الآن ، كوننا نعتنق الماركسية منذ يفاعتنا وصبانا ولا زلنا للآن نفتخر ونعتز بها كنظرية من اجل إسعاد البشرية ، وليس كما البعض الآن من طلاب السلطة ، من أجل المتاجرة بالاسم والتفتيش عن المناصب والمراكز الحساسة في عراق متخم بالجروح واللآلام ..
فقد كان من مصلحة النظام الإيراني إرضاء الجانب الأمريكي من اجل إزاحة المالكي الغير مقبول أمريكيا واقليميا ، وخاصة بالنسبة لمملكة آل سعود عدوة كل شعوب المنطقة برمتها . والدليل الخطة الأمريكية لاحتلال مدن عراقية من قبل التنظيم الإرهابي الأمريكي التصنيع والعلامة الفارقة داعش، بخطط مرسومة أمريكيا آخر أيام ولاية المالكي ، لغرضين في نفس أمريكا . الأول هو إزاحة شخص رغم انه لم يكن غير أحسن السيئين ، والثاني عودة أمريكا عسكريا من شباك احتلال داعش بعد أن خرجت وفق الاتفاقية الستراتيجية التي لم تنفذ أي من بنودها عند الحاجة إليها .. وعندما سأل الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما : كيف مرت ارتال سيارات داعش واصلة للموصل أمام أنظار الأقمار الصناعية الأمريكية ؟ ، رد مبتسما : كيف إذن نجبر المالكي على التنحي ؟.
لذلك كان من مصلحة أمريكا إزاحة ذلك المجرب كما يصمه أعداءه من مختلف القوى السياسية الوليدة على الساحة العراقية . فلجأت بموجب الطرق الدبلوماسية وعن طريق إيران التي تطمح لتوقيع الاتفاق النووي، أو اتفاق خمسة زائد واحد مع أمريكا وتعزيز دورها من جديد في الإقليم والعالم لإزاحة المالكي .. وجاء فجأة للعراق الأدميرال البحري علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ، العربي الأصل والإيراني الجنسية ، ومن منطقة عامري بالأهواز .. وزار رأسا المراجع الشيعية ، دون ان يلتقي رئيس الوزراء نوري المالكي ، كما كانت خطة أمريكا بالضبط عندما جاء رئيس أركان الجيوش الأمريكية المشتركة لإيران ، وتعمد متجاهلا مقابلة الشاه والتقى قادة الجيوش الإيرانية الذين اتفقوا على القيام بانقلاب قصر يعيد الهيبة للسلطة بإيران وبعدها يعيدوا الشاه ، لإقناعهم بسفر مؤقت للشاه لخارج إيران ، بغية تهدئة الوضع ، وعدم القيام بانقلابهم الذي خططوا له ..وخرج علي شمخاني من لقاءه بالمرجعية الشيعية بعد أن أقنعها بعدم أهلية نوري المالكي لرئاسة ثالثة للعراق ، وضمن مقدمات وصلت للمرجعية من خلال من يحيطون بها ، مرددا العبارة التي أصبحت علكا على كل لسان دون أن يفقهوا قصة صدورها ” المجرب لا يجرب ” .. وما خرج من تكهنات وأحاديث عما حصل داخل إطار من هم حول المرجعية الشيعية بان تم صرف 80 مليون دولار من اجل التهيئة لهذه الزيارة ، حيث تم رشوة العديد ممن هم خارج الإطار الرسمي للمرجعية ولكن ضمن الحاشية ، أي القشرة المحيطة بها بغية نشر الأقاويل والشائعات ، وترويج المصطلح الجديد ” المجرب لا يجرب ” من بعد ذلك .
وألا والسؤال واضح وصريح لم تم إجراء الانتخابات وبهذا القدر والضجيج والخسائر المالية الضخمة ، وإضفاء قدسية من الديمقراطية العرجاء على العملية الانتخابية إذا كانوا ينوون اختيار شخصية أخرى وبالتعيين لقيادة الدولة وفق تقديرات مسبقة سلفا ؟ .
لذلك ففي عرف كل سياسي حصيف ، بان ضرب الأمثال يجب أن لا يعتد به في قيادة الدول ، وتحديد مصير الشعوب . بل إن السياسة كما يقال ” فن الممكن ” ، وليست ضرب أمثال ، وترديد أقاويل وحكم وعبر ، في بلد تعصف فيه رياح المتحاصصين الذين لم يشبعوا من نهب وتبديد خيرات بلد جريح خرج من أتون حروب مدمرة ثلاثة ، وقاسى ظلم الحصار ، والفاشية المجرمة لمدة ثلاث عقود ونصف .
بقي أن نقول اتركوا هذه المقولة التي أصبحت غير ذي فائدة وممجوجه بعد أن جرب العراقيون كل المتحاصصين اجمع من عرب وأكراد وتركمان ، وباقي المكونات العراقية الأخرى ممن شارك بالسلطة منذ يوم سقوط هبل العرب يوم 9 نيسان 2003 ، ولحد يومنا هذا ، ولم يسقط بيد شعبه كعادة الثورات الشعبية ، بل سقط بفعل احتلال أجنبي مقيت ، احرق متعمدا الأخضر واليابس ودمر كل شئ ، ولم يقدم للعراقيين شيئا ، ومن قدم شيئا منهم أية مكاسب ، أي المتحاصصين ، ليقدم لنا اجمع كعراقيين كشف حساب . ثم الم تكن نفس هذه الكتل وهذه المجاميع السياسية مشاركة وفق المحاصصة ضمن الحكومات العراقية السابقة؟ .. وهل حكم أي رئيس وزراء منذ سلطة مجلس الحكم حتى الآن منفردا ؟ ، ام ضمن الهيكيلية السياسية وشخوصها وفق مفهوم المحاصصة التي شاركت فيها الكتل السياسية التي تغير أسمائها من انتخابات لأخرى بحجة التغيير ؟ .. كذلك لو عدنا لحزب الدعوة الحاكم ومن كان حول رئيس الوزراء السابق وهو المالكي ، الم يكونوا نفس هذه الشخوص التي كانت تحيط وتمجد به ليل نهار ، والتي تحولت بعد تحول السلطة للعبادي وأصبحت بين عشية وضحاها من حوارييه؟ ، ثم الم تكن نفس الكتل هي من تجلس على مقاعد مجلس النواب بكل دوراته السابقة ؟ .. وكذلك جميع من ذكرنا بمن فيهم من سنة وشيعة ومختلف المذاهب والأديان ، والتقدميين ممن جربهم العراقيون اجمع الذين هرعوا مع المتحاصصين لجني ” المكاسب ” بحجة التغيير .. إذن فتشوا عن غير هذه المقولة كون الجميع يقع تحت طائلة مقولة ” المجرب لا يجرب ” ، فقد جربناهم جميعا كوزراء ومسئولين ونواب لا فرق بين احد وآخر بكل شئ ومن ضمنه الفساد المالي والإداري والرشاوي الذين اخذوا كل شئ ولم يقدموا للشعب أي شئ …
آخر المطاف :
وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» / انجيل يوحنا 8: 7
* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
28 . 04 . 2018