السيمر / الجمعة 18 . 05 . 2018
البروفيسور كمال مجيد
قبل المباشرة بالانتخابات العراقية قام الرئيس ترامب بمجموعة من الخطوات التي تنذر بأن الحرب القائمة في سوريا سيوسعها الى ايران. اذ قرر تعيين مايك بومبيو وزيرا ً للخارجية وجون بولتن مستشارا ً للامن القومي. والرجلان معروفان بتطرفهما فأوضحا أن سياستهما المفضلة تجاه إيران هي “تغيير النظام”. وبدفع منهما قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 8/5/2018 وذلكبالاعتماد على نتنياهو الذي ادعى بأن (( ايران خرقت الاتفاقية .)) وفي يوم الانتخابات العراقية في 12/5/2018 تم نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس مما انتهى بمقتل اكثر من 60 فلسطينيا ً استنكرت ايران على الجريمة بشدة .
في 13/5/2018 كشف جون كرياكو، الضابط السابق في الاستخبارات الامريكية، عن سيناريو ” غزو العراق يتكرر مع ايران” وعن (( خطة واشنطن لبناء أكبر قاعدة عسكرية جنوب العراق والذرائع التي استغلت لغزو العراق، مشيرا إلى أن ذات السيناريو يتكرر الآن مع إيران. )) (راجع رأي اليوم في 13/5/2018، نقلا ً عن عدد من وكالات الانباء الغربية.)
لا تستطيع امريكا استخدام جيشها في ايران دون تدخل الحكومة الروسية. ذلك لأن هنالك اربع اتفاقيات عسكرية بين البلدين، الاولى موروثة، دون الغاء، من ايام القيصر الروسي. والاخيرة تم التوقيع عليها يوم الثلاثاء 20/1/2015، كما اعلنتها وكالة تاس الروسية الحكومية، في مفاوضات قام بها (( سيرغي شويغو، وزير الدفاع في طهران مع نظيره الايراني حسين ديغان.))
والمعروف أن الحملة القديمة ضد ايران قد اشتدت حين اختارها جورج بوش (الابن) سنة 2002 كجزء من ((محور الشر)) وخصص 300 مليون دولار للدعاية ضدها. وقام بوش بتأجيج الشرخ الطائفي، لا في العراق وحده بل في كل المنطقة الاسلامية. لقد بلغت الدعاية اقصاها حين لمحت المحطات التلفزيونية بأن ايران، لا امريكا، هي التي تحتل العراق وكأن الحملة التي قامت بها امريكا سنة 2003 بدأ ً من الاراضي السعودية لاحتلال بغداد لم تحدث. فما هي حقيقة الوضع؟
الحقيقة الاولى هي ان امريكا هي التي تحتل بلادنا باكثر من 6000 عسكري. لقد اعلن وزير الدفاع الامريكي، ماتيس، وهو في بغداد بأن (( امريكا سوف لن تترك العراق هذه المرة)) بحجة محاربة فلول داعش. ثم هناك لأمريكا عدد كبير من القواعد العسكرية بل اعلنت عن بناء خمس قواعد جديدة في المنطقة الكردية في سنجار وحرير (قرب الحدود الايرانية ) واتروش واربيل والتون كوبري. وبالاضافة للجنود الامريكان هناك ايضا ً جنود من حلف الاطلسي، منهم 200 جندي بريطاني في قاعدة مطار بغداد و170 أخرين في قاعدة الشعيبة في الجنوب..
والحقيقة الثانية هي ان الجيوش التركية احتلت مدينة بعشيقة، بالرغم من احتجاج الحكومة العراقية، ولها عدة قواعد عسكرية في المنطقة الكردية، اكبرها في بامرني. لكن الدعاية المعادية لايران ترفض الاشارة الى الاحتلال الامريكي اوالتركي.
لقد اعلنت سابقا ً بأنني لا اؤمن بالشيعة ولا بالسنة (راجع كمال مجيد، النظريات الداعشية، اسبابها ونتائجها، رأي اليوم الغراء في 22/4/2015 ) وارفض التمييز الطائفي والعرقي. ولكن هناك الكثيرون من شيعة العراق يرفضون عداء ايران ولهم علاقات اقتصادية وعائلية ومذهبية مع الشعب الايراني منذ قرون. وهم يعتبرون الهجوم على ايران بمثابة العداء المبطن ضدهم.
ليس هناك اي شعور عند الاكراد ضد ايران وان الفيلية والكاكئية منهم يعتنقون المذهب الشيعي. ثم ان المنطقة الكردية تستورد مختلف المواد الاستهلاكية من ايران وتصدر اليها عشرات المنتجات، قسم منها بالتهريب، كالنفط والمشروبات الكحولية والسجاير، ولا يعترف الاكراد بأي حدود بين البلدين اذ انتقل الى ايران مئات الالوف منهم منذ سنة 1960 حين بدأت الحرب بين الحزبين الكرديين والحكومات المختلفة في بغداد. هذه هي الحالة ايضا ً مع التركمان واكثرية هؤلاء هم ايضا ً من الشيعة. من الضروري احترام رأي كل هؤلاء.
هناك من يلح على ان ايران مسيطرة على اقتصاد العراق. ولكن الحقيقة الدامغة هي ان قطاع النفط الذي يشكل اكثر من 90% من الدخل الاجمالي ويسيطر المحتلون الامريكان، وليس ايران، على هذا القطاع. والمعروف ايضا ً ان حكومة الاحتلال، العميلة لأمريكا، استلمت حوالي ترليون دولار من عائدات النفط وتمكنت، هي وبرلمانها، من تبذيرها بل سرقتها دون انجاز مشروع ضروري واحد في البلاد. ثم أن الفعاليات الاقتصادية التركية، وخاصة ً في الشمال، هي اكثر بكثير من الايرانية منها. وعبر السنين، منذ الاحتلال الامريكي للعراق، تمكن حزب مسعود البارزاني، بمفرده او بالتعاون مع داعش، بتهريب الملايين من براميل النفط الى تركيا تقدر قيمتها بمليارات الدولارات المخزونة حاليا ًفي امريكا واسرائيل. فالحرص الكاذب على حماية مصالحنا الوطنية من الذئب الايراني يقع ضمن الدعاية الامريكية والسعودية والاسرائيلية ليس الا. ان هؤلاء لا يشيرون ولو مرة الى ((مخطط اسرائيل التوسعي الاستيطاني في العراق)) تحقيقا ً لحلم ((اسرائيل الكبرى)) الذي كشفه الصحافي الامريكي وين مادسن في تقريره الموجود بحوزة الكاتب والذي يلفت النظر الى (( ان اليهود الاكراد قد غزوا العراق منذ 2003 … واشتروا الاراضي الواسعة في محافضتي نينوى ودهوك .)) و ثم ((تعمل اسرائيل على توطين اليهود الاكراد محل الكلدان والآشوريين .. وذلك بقيادة الموساد وبعلم من الحزبين الكرديين.)) ويؤكد التقرير على(( وجود 185 شخصية اسرائيلية او يهودية امريكية يشرفون، من مقر السفارة الامريكية في بغداد، على عمل الوزارات والمؤسسات العراقية- العسكرية منها والامنية …)) لا شك ان الكثيرين من القراء شاهدوأ تصوير مسعود البارزاني وهوشيار الزيباري مع الفيلسوف الصهيوني هنري بيرنارد ليفي يوم قام مسعود باستفتائه الفاشل حول الانفصال. لقد كان الاجدر ان يتم التركيزعلى المنافع الاسرائيلية في عراقنا العزيز بدل زرع الحقد ضد جارتنا ايران.
يلتصق العراق بأطول حدود مع ايران. وتبقى الحالة هكذا الى الابد لعدم امكانية نقل ايران الى مكان بعيد عن العراق. علينا ان ندرك هذه الحقيقة البسيطة ونعمل على بناء علاقة ودية مع جارتنا الكبيرة اسوة ً بباقي الجيران. لقد لعب الامريكان، منذ ايام الشاه، بتأجيج العنعنات الطائفية الموجودة عند القلة من الشعبين العراقي والايراني بغية السيطرة على البلدين. لقد نجحت امريكا في اشعال الحرب العراقية – الايرانية ( لانقاذ رهائنها الدبلوماسيين من ايران ) وجهزت الطرفين بالاسلحة الضرورية لاستمرار الحرب. واثناء الحرب لعب حزب الدعوة والاحزاب الكردية دوراً مؤثرا ً في توسيع الخلاف الطائفي والعرقي، مما حث حكومة البعث على جريمة تسفير مئات الالوف من الشيعة العراقيين الى ايران من جهة واعلان حرب الانفال واستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد شعبنا الكردي المسكين. هناك الضرورة القصوى لاستنكار كل ذلك لتوطيد العلاقات الودية بين الجارتين .
في 13/5/2018 بينت النتائج الاولية للانتخابات العراقية حصول قائمتا ((السائرون )) بقيادة مقتدى الصدر و((الفتح)) بقيادة هادي العامري على عدد كبيرمن الاصوات. فاسرع بريت ماكغورك، ممثل الرئيس ترامب، الى العراق للاتصال بمسعود البارزاني وحثه على التعاون مع حيدر العبادي واياد علاوي والنجيفي لتأليف كتلة برلمانية ، قد تشمل السائرون والحكيم ايضا ً، لكي تشكل حكومة ” محاصصة ” جديدة تمتاز بمعاداة ايران.
من الجهة الاخرى نشرت جريدة الاخبار اللبنانية في 15/5/2018 خبر تدخل الجنرال الايراني قاسم سليماني لتشكيل كتلة من العبادي والمالكي والفتح ، وايضا ً قد تشمل السائرون والحكيم، موالية لايران. كل هذا يؤكد على أن الحكومة العراقية الجديدة ستكون معرضة منذ اليوم الاول للخلافات العويصة القائمة بين امريكا وايران.
من الضروري الاشارة هنا الى ان نسبة المشاركة في الانتخابات الاخيرة لم تتعدى 45% من الناخبين. فحتى اكبر الاحزاب ( السائرون مثلا ً ) لم ينل اكثر من 7% من اصوات مجموع الناخبين. وبالاعتماد على هذه الحقيقة طالب اياد علاوي بالغاء النتائج بحجة انها غير شرعية ولا تمثل رأي الناخبين. فالحكومة التي ستتشكل بالاعتماد على هذه النتائج لا تملك الشرعية لحشر الشعب العراقي في الحملة الامريكية الشرسة لاخال ايران في حرب مشابهة بما فعلت في سوريا.
لقد لعب جيش المهدي، بقيادة مقتدى الصدر، دورا ً بطوليا ً في محاربة الاحتلال الامريكي في المعارك التي خاضها في مدينة الثورة في بغداد وفي حربي النجف والبصرة ، حين اشتركت حكومات العلاوي والجعفري والمالكي الطائفية الى جانب الجيش الامريكي دون خجل. فمن المغبة ان يقوم نفس العملاء بجر كتلة ((السائرون)) الصدرية الى الحملة القذرة التي تخططها امريكا لتحطيم شعوب المنطقة كما فعلت عند احتلال العراق وكما فعلت في الصومال والسودان وليبيا وسوريا واليمن. نعم ستكون حربا ً استعمارية، القصد منها لا تحطيم ايران بل ايضا ً لاستخدام اراضيها للهجوم على روسيا. هذا هو الهدف الامريكي الحقيقي اولا ً واخيرا ً.
من الجدير بالتشديد هنا ان الحرب القائمة في المنطقة ، من ليبيا عبر سوريا واليمن، هي ليست بين السنة والشيعة ولا بين شعوب المنطقة المساكين، بل انها في جوهرها بداية الحرب بين امريكا وروسيا، عبر المنطقة وعبر ايران وحتى جورجيا واوكرانيا وبولندة. فلا غرابة ان يكشف مجلس الاتحاد الروسي (لجنة سيادة الدولة) في 14/5/2018 أن (( الولايات المتحدة وضعت هدفا ً لانهاء الحياة السياسية للرئيس فلادمير بوتين منذ سنة 2011. )) وذلك حسب وكالة انباء نيوفستي الروسية. فاخضاع ايران، مستخدما ً نفس الطريقة التي نفذت في ليبيا وسوريا، ضرورة عسكرية لبدء حملة جديدة ضد روسيا من الجنوب. فتحليل الخبير السياسي الاسترالي المشهور جون بيلجر حول كون ((الحرب العالمية الثالثة قد بدأت فعلا ً)) على الاقل منذ احتلال العراق تحليل لا يمكن اهماله ببساطة.
قبل اكثر من سنة احتجت الحكومة الايرانية ضد مسعود البارزاني لقيامه ، بالاعتماد على اموال سعودية، على تدريب بعض اكراد ايران داخل منطقة اقليمه وتوجيههم نحو الداخل الايراني لارهاب الحكومة. كما ان الحكومة السعودية سبق واعلنت في مناسبات عديدة بأنها تعمل لاحداث حركات مسلحة مستخدمة الاكراد في الشمال وعرب الاحواز في الجنوب والبلوجيين في الشرق بعية اسقاط الحكومة الايرانية، على الطريقة التي استخدمت في سوريا. من الجهة الاخرى اصدر عزة الدوري، الرئيس الحالي لحزب البعث، بيانا ً يهاجم فيه ايران وكأنها العدو المحتل للعراق.
كل هذه الحقائق تشير بوضوح بأن الحرب القادمة ضد ايران ستشمل استخدام العراقيين وخاصة الاكراد منهم وبالاخص اتباع مسعود البارزاني. لكن علينا ان نتذكر دخول نصف مليون ايراني، قبل اشهر، الى العراق بدون جوازات سفر او سمات الدخول، وذلك للسفر الى كربلاء بمناسبة اربعينية الحسين. يتمكن هؤلاء، وكثيرون غيرهم من الايرانيين، دخول العراق ثانية وبسهولة وهم مدججون بالاسلحة الفتاكة لقطع دابر تسلل المرتزقة من العراقيين ومن الاجانب الذين تجلبهم امريكا وشركة بلاك ووتر حتى من امريكا اللاتينية. عند ذلك سيبتلي شعبنا العراقي بملايين اخرى من الضحايا خدمة ً للحملة الامريكية. فلنتحد لمنع امريكا من الاستمرار في قهرنا والى الامام.
كاتب عراقي