الخميس 26 . 11 . 2015
حسين الديراني / لبنان
طائرتان حربيتان تركيتان من طراز اف 16 أسقطتا طائرة حربية روسية من طراز سوخوي 24 بواسطة صاروخ جو جو فوق الأراضي السورية كما أكدت ذلك القيادة الروسية, ومقتل الطيارين الروسيين على أيدي المقاتلين ” المعتدلين ” كما يحلو للولايات المتحدة الامريكية تسميتهما أثناء هبوطهما بمظلتيهما داخل الأراضي السورية حسب رواية المواقع الرسمية للجماعات الإرهابية المسلحة والقنوات الفضائية السعودية, وهذا ما يدل على وحشية هذه الجماعات التي تعتبرها أمريكا قوات معتدلة وتريد ان تسوقهم لادارة مستقبل سوريا, لكن وردت أنباء مؤكدة بأن وحدة من الكوماندوس الجوي السوري قامت بعملية إنزال خلف خطوط مواقع الإرهابيين وتم إنقاذ أحد الطيارين ونقله الى قاعدة حميميم العسكرية بسلام.
ما الذي دفع اوردغان لهذه المغامرة ؟.
أولاً: منذ بداية مشاركة روسيا في العمل العسكري ومساندة الجيش العربي السوري بطلعات جوية وتدمير المواقع العسكرية ل ” داعش ” و ” النصرة ” وغيرهما من الجماعات الارهابية وتمهيد الطريق لتقدم القوات السورية وحلفاؤها على الأرض كانت تركيا وحلفائها يعيشون حالة من التوتر والقلق من سرعة الإنجازات التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفائه في تحرير الأراضي السورية من رجس الإرهابيين المدعومين من منظومة أعداء سوريا.
ثانياً: إقتراب الجيش العربي السوري من مناطق في ريف اللاذقية وريف حلب الشمالي كانت الجماعات المسلحة الإرهابية تسيطر عليها منذ 3 سنوات بمساندة القوات المسلحة التركية, وإقتراب الجيش العربي السوري من جسر الشغور مما تسبب في حالة هلع لدى السلطات التركية التي سعت بكل إمكانياتها العسكرية لاحتلالها مع المناطق المحيطة قبل سنتين.
ثالثاً : بعد إنعقاد قمة العشرين في تركيا صرح الرئيس الروسي ” فلادمير بوتين ” قائلاً : ” هناك أكثر من أربعين دولة تدعم تنظيم “داعش” ومنها دولاً حضرت قمة العشرين “, وكان يقصد تركيا والسعودية وامريكا وغيرهما .
رابعاً : تلقي الدولة التركية ضربة إقتصادية من قبل روسيا حينما وجهت الطائرات الحربية ضربات جوية قاتلة لقافلة تضم مئات الصهاريج المحملة بالنفط المنهوب التابعة لدولة تنظيم ” داعش ” الارهابي من الأراضي السورية لتصل الى الأراضي التركية وبيعها بالسوق السوداء, وهذا ما حرم خزينة الدولة التركية أموال طائلة.
خامساً : وهو الأهم سعي تركيا منذ بداية الازمة السورية لإنشاء منطقة جوية عازلة امنة شمال سوريا مع الحدود التركية لتكون منطقة امنة للجماعات المسلحة الإرهابية المنضوية تحت السيطرة التركية تشبه الى حد ما الحزام الأمني الذي أنشأته إسرائيل إبان إحتلالها لجنوب لبنان, ويكون ” جيش الفتح ” أي جبهة النصرة كناية عن ” جيش لحد “, وبقي اوردغان مصمماً على تنفيذ هذا المشروع وزاد إصراراً بعد التدخل العسكري الروسي.
سادساً : إعطاء أمريكا الضوء الأخضر لتركيا للخوض في هذه المغامرة في رسالة واضحة للطرف الروسي بأن الحلف الأطلسي سيقف الى الجانب التركي في حال قررت روسيا الانتقام السريع, لأن التدخل الروسي فضح الادعاء الأمريكي في محاربة تنظيم ” داعش ” الذي كان في الحقيقة ينعم بحماية أمريكية إلا ما خلى من ضربات وهمية.
سابعاً : إعطاء جمهور الجماعات المسلحة الإرهابية جرعة من المعنويات بعد الهزائم الماحقة التي لحقت بها الجماعات الإرهابية التكفيرية, والمواقع التي خسرتها امام تقدم الجيش العربي السوري ورجال المقاومة, وهذه الضربة أعادت النشوة لجمهور الإرهابيين من خلال متابعة مواقعهم الإخبارية.
ثامناً : جاءت الضربة التركية يوماً بعد الزيارة التاريخية للرئيس الروسي ” بوتين ” الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولقائه قائد الثورة الإسلامية الامام السيد علي الخامنئي وتقديم نسخة نادرة مخطوطة من القرآن الكريم هدية تعبر عن التلاقي بين المسيحية السمحاء مع الإسلام المحمدي الرحيم الأصيل, وإعلانه من طهران ” لولا ايران لكان مستحيلاً تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا”.
تداعيات المغامرة الاوردغانية .
لم تكن إسقاط الطائرة الحربية الروسية الأولى من عدوانيات اوردغان, فإسقاط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء كانت هي الأولى وليست بعيدة عن مسؤولية الاستخبارات التركية والسعودية, وما بيانات تنظيم ” داعش ” وإعلان مسؤوليته عن كل الهجمات الارهابية إلا لرفع الشبهات عن الجاني الحقيقي, والذي يظن بإن تنظيم ” داعش ” له كل تلك القدرات التقنية والاستخباراتية والمعلوماتية بحيث يستطيع ان ينفذ عمليات إرهابية في بيروت وباريس والعريش وتونس خلال أسبوع واحد من دون ضلوع إستخبارات عالمية فهو واهم.
لقد عملت روسيا مع ايران منذ بداية تدخلها العسكري على الحرص بأن تكون الضربات الجوية موجهة ضد ” داعش ” و ” جبهة النصرة ” ومحاولة الحوار والتفاوض مع الجماعات التي ترعاها أمريكا وإقناعها في الدخول في حوار مع النظام لأجل تسوية سياسية للازمة السورية, لكن بعد مشاهدة هؤلاء الجماعات المصنفين ” معتدلين ” وهم يطلقون النار على الطيارين الروسيين أثناء هبوطهما بمظلتيهما, وحين حط أحدهما أرضاً كان قد فارق الحياة على اثر الإصابات واللكمات وصيحات ” التهليل والتكبير ” فوق جثمانه لا يمكن ان تقبل روسيا بعد اليوم التفاوض مع أي معارض يحمل سلاحاً بيده.
الرئيس الروسي ” بوتين ” الذي إعتبر إسقاط الطائرة الحربية طعناً في الظهر أماط اللثام عن الوجه الحقيقي لتركيا الداعم للإرهابيين وسوف تتعامل روسيا مع تركيا على أساس عدوٌ لها وليس شريكاً في محاربة الإرهاب.
بداية الرد الروسي سيكون عقوبات إقتصادية لا يمكن للولايات المتحدة الامريكية ولا دول الخليج تعويضها.
إسقاط الطائرة سيعزز من قناعة روسيا و حلفائها ويحفزهم على الاستمرار في مواجهة الإرهاب والدول الداعمة له والتي أصبحت واضحة ومن ضمنهم المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل, وعليه قد تتطور المواجهة لتصبح مع الدول الراعية نفسها.
الكيان التركي أساء التقديرات وبنى عدوانه على عنتريات أمريكا التي يمكن ان تتركه غارقاً في بحر لا يمكن النجاة من الغرق فيه, وتعودت أمريكا على ترك حلفائها في وسط الطريق حينما تشعر أن خسارتها ستكون جسيمة, فما يهم الإدارة الامريكية سلامة وامن الكيان الصهيوني ومصالحها الحيوية وما عدى ذلك لا إعتبار له في قاموس السياسة الامريكية الشيطانية.
مغامرة اوردغان لا يمكن وصفها إلا حينما غامر وركب جواداً أصيلاً فما إن إستقر على ظهره حتى قذف به الجواد وطرحه أرضاً أُصيب برضوض بسيطة ووجد من يحمله على حمالة الى المستشفى, لكن مغامرة إسقاط الطائرة الحربية الروسية وإغتيال أحد الطيارين سيسقطه أرضاً دون تمكنه من القيام ولن يجد من يحمل جثمانه العثماني الثقيل, وهو كمن صمم على الانتحار رغم إن الانتحار حرام في الشرع الإسلامي الذي يدعي اوردغان احد ملتزميه.
بانوراما الشرق الاوسط