السيمر / الخميس 21 . 06 . 2018
صالح الطائي
يعتقد البعض أن تحالف بعض الدول العربية اليوم مع أعداء الأمة، ضد دول عربية أخرى أمرا طارئا لم يعرفه العرب والعالم الإسلامي من قبل، وهذا خطأ شائع سببه الجهل في التاريخ، والصحيح أن السياسيين العرب منذ فجر وجودهم وطدوا لأركان ملكهم بمثل هذه الأعمال والتحالفات المشبوهة التي سكت التاريخ عن بعضها، وأشار لبعضها الآخر همسا، وسيتحدث عن الأخرى بصراخ وزعيق يصم الأذان، لأن الأولى منها حدثت في عصور لم تكن الحضارة فيها قد نضجت، وكان العالم منغلقا على نفسه، أما الحديثة فهي وقعت في أكثر عصور التاريخ تحضرا وتقدما وانفتاحا.
ومن تلك التي سكتوا، كان تحالف قبائل عربية مع الفرس والروم لحماية حدود الدولتين ضد هجمات وتهديد العرب الآخرين، وقد خاضت القبائل المنضوية تحت أجنحة الفرس والروم معارك ضارية مع أبناء جلدتها وأولاد عمومتها، كالمناذرة الذين تحالفوا مع الفرس ضد أبناء عمومتهم الغساسنة حلفاء الروم قتل فيها الكثير من العرب على يد العرب.
وفي فتوح العراق، ومع تقدم خالد بن الوليد باتجاه الحدود الشامية العراقية، اتحدت القبائل العربية المتنصرة مثل إياد وتغلب والنمر وبكر وتنوخ مع الروم، لمحاربة العرب الفاتحين.
أما تلك التي همسوا بشأنها همسا، وحاولوا طمس آثارها، فمنها أخبار تعاون والي الشام معاوية بن أبي سفيان مع الروم الذين كانوا على تخوم دمشق، ومن ثم التحالف معهم ضد خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، هذا الأمر الذي دفع من أجله معاوية ملايين الدنانير الذهبية إلى الروم، قيل: إنها كانت مائة ألف دينار سنويا لتثبيته في الحكم أثناء انشغاله بالحرب مع علي، وتشير كتب الفقه والتاريخ إلى مفاوضات جرت بين معاوية والروم على دفع جزية مالية لهم مقابل موادعتهم أثناء انشغاله بالمواجهة مع خليفة المسلمين الشرعي علي بن أبي طالب.
ومنها أيضا قيام الخليفة عبد الملك بن مروان بالتفاوض مع الروم لدفع مبالغ مالية لهم مقابل امتناعهم عن مهاجمة دولته بسبب انشغاله بقتال الثائرين في العراق، وقد أشار للواقعتين الثانية والثالثة (المعاويية والمروانية) كل من: الدكتور أحمد عبد الونيس شتا، الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام؛ دراسة في تحليل أهم أدوات العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية، المعهد العالي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1417هـ ـ 1996م، ص17، ووهبة الزحيلي، المفاوضات في الإسلام بين الأصالة والمعاصرة، دار المكتبى، دمشق، ص17ـ20، ودكتور مجيد خدوري، الحرب والسلم في شرعة الإسلام، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1973، ص288.
أما التي سيشير لها التاريخ صارخا، فهي لا تحصى ولا تعد، وتكاد تحالفاتهم المعاصرة أن تكون نموذجا واضحا للإرث التاريخي للأمة. فالتحالفات اليوم قسمت الأمة إلى معسكرات تابعة خانعة ذليلة لهذه القوة أو تلك، لمجرد أن تحصل الأطراف على حماية من دولة قوية توفر للحكام البقاء في كراسيهم، أو التنفيس عن عقد النقص في شخصيتهم.
إن مناقشة وتحليل الوضع العربي الراهن، بمعزل عن عوامل السلطة الزمكانية، لا يمكن أن تعطي تصورا واضحا تُستقرأ من خلاله نتائج تخدم الحقيقة، لكن من ينجح في متابعة الحركة السوسيوتاريخية لتطور العرب من قبائل متناحرة إلى أمة، ومن ثم انكفائهم وتشرذمهم، سيلحظ أن ولاءات الأمة العربية غير الثابتة هي التي دفعتها إلى التشرذم والتشظي وعدم الحفاظ على كينونتها، فالأمة كانت تتخلى عن تجمعها، لتعود إلى قبائليتها كلما سنحت لها الفرصة، أو كلما تعرضت إلى امتحان حقيقي، فالعرب على مر تاريخهم كانوا يفضلون الهروب إلى الأمام والتخلي عن المواجهة الحقيقية، لأن العقلية المناذرية والغساسنية، عقلية التحالف مع الأجنبي ضد الأخ والقريب هي التي كانت تطغى على طرائق تفكيرهم، فالأمة كانت ولا زالت إذا استشعرت خطرا ما لا تتصدى له ولا تعمل على التعاون فيما بين مجاميعها لمجابهته، بينما نجدها تملك إرادة الاتكاء على هذا الجانب أو ذاك، لتكتفي بالعواء وتترك لهم العض. والظاهر أن مرجعية العرب التاريخية بخصائصها وموروثهم التاريخي بخصوصيته جعلهم على استعداد للتحالف مع الشيطان ضد أبناء جلدتهم. وقد بات هذا النكوص سمة بارزة للواقع العربي المتهرئ وبصورة لا تخفى على نبيه مثلما كان في أزمانهم القديمة، فهو ليس ولادة الراهن المتهرئ.
ولذا لا أستغرب من تحالفات العرب المعاصرة مع القوى الأخرى ضد القوى العربية، لكني أستغرب كثيرا من ارتمائهم في حضن إسرائيل بهذا الشكل المهين في الوقت الذي تحارب فيه حكوماتهم شعوبا عربية في سوريا واليمن وليبيا علنا، وشعوبا أخرى في العراق والجزائر وتونس ومصر في الخفاء بسبب عقدة النقص والدونية التي يشعرون بها.