السيمر / السبت 04 . 08 . 2018
رواء الجصاني
بعد تداخل الاوراق والاراء، واختلاطها، صار الامر عسيراً، بل وأكثر، على المراقبين – وأحسب أني منهم – لفهم ما جرى ويجري في البلاد، ومحاولة التوصل لما قد يفيد في منع المزيد من الارتباك والتعقيد الاجتماعي والسياسي السائد، وأولاً وقبل كل شئ: الحد من الغلواء والعنف والتشدد، وما يتسبب جراء ذلك من تضحيات وضحايا في الارواح والممتلكات وغيرها.. وبرغم كل هذا وذلك، فها هي بضعة خلاصات علّها تساهم وإن قليلاً في ما يهدف اليه المخلصون، من كل الجهات والمشارب:
1/ لم يعد هناك من يستطيع أن يبرر الرواهن المريعة في المشهد العراقي على صعيد السياسة والاقتصاد، وما يليها، ويترتب بسببها من قساوة بالغة في مجالات الخدمات والاوضاع المعيشية للمواطنين، التي راحت تتفجر غضباً في الاحتجاجات المطلبية الراهنة ..
2/ أن الموضوعية تقتضي تحميل الظروف الخارجية، وحرب الارهاب، والقوة المتضررة من التغييـر عام 2003 ( مثل غلاة البعثيين، والطائفيين والمناطقيين، وعداهم) قسما من المسؤولية كبرت أم ضؤلت- عما ساد ويسود في البلاد، وبمستويات متباينة طبعا. ذلكم الى جانب المسؤولية المباشرة للاحزاب والتيارات السياسية الصغيرة والكبيرة، الحاكمة وغيرها، مع الاخذ بعين الاعتبار – وطبعاً مرة أخرى- تفاوت تلك المسؤولية وحجمها وتأثيرها، ولكن دون اعفاء احد! .
3/ ومن المفهوم جدا، كما نرى، ان تستفيد القوى والتيارات السياسية – أو تحاول الاستفادة- من كل ما جرى ويجري من احداث وتشابكات. ولكن ذلك يجب ألا يكون بالتأليب والمبالغات ومحاولات اشاعة العنف والكراهية المجتمعية، وبما يقود الى الصدامات العنفية، والتسبب بتضحيات غالية، أذ تبقى الارواح والدماء أثمن وأسمى من كل هذا وذلك. وعسى ان يرتدع ثوريو المنابر الاعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتعظون، فيخففوا- وإن قليلاً – من غلوائهم، ومراميهم الشخصية، وانعكاسات إنكفائاتهم الحزبية والسياسية!.
4/ وحين لا يوجد معيار منطقي آخر غير الانتخابات – برغم ما عندنا من آراء ومواقف بشأنها- إلا ان الالتزام بنتائجها، هو الموقف المسؤول .. ونعني اساساً: الالتزام بما هو سائد في الدستور النافذ، ما دام نافذا، وإلا فستكون هناك بداية، ولكن دون نهاية للفوضى والعنف والدماء.
5/ وأذا ما سادت الحال في ما تمت الاشارة اليه في النقطة السابقة، فستكون الاحتجاجات المطلبية الراهنة مبررات ضرورية ومطلوبة، ولكن دون نتائج حاسمة. بمعنى انها تبقى معياراُ جزئياً ومحدوداً من حالة عامة، ونقصد بذلك الانتخابات، وما افرزته من نتائج، وان كانت نسبية. فذلك هو واقع حال، ولن تحل التعقيدات والتشابكات بالأماني، كما لن يوقف التدهور ما يتصاعد من مزايدات كلامية .
6/ ومع صواب العديد من الاجتهادات والقناعات لحزب وتيار، وأكثر، كحلول مبتغاة، ألا ان الامر لا يكفي لأحتسابها حلولاً متكاملة، دون ان تسود قناعات الاغلبية بها. وما عليّنا اذا ما رأى، أو أتهم البعض – وخاصة: نخب الفنادق، و”العرابين” وكذلك عراقيي الخارج – تلك الاغلبية بالجهل وعدم المعرفة، وما الى ذلك من قناعات وآراء، معلنة أو مستترة، وبنظرة استعلاء ذميمة.
7/ ومما لا جدال عليه، ولا مبرر له في اية حال من الاحوال، استخدام القوة المفرطة عند التشابك الاضطراري بين منتسبي القوات الامنية والمشاركين في الاحتجاجات، دعوا عنكم اصلاً استخدام الرصاص الحي المدان بكل قوة.. مع اهمية التأكيد هنا ايضاُ على اهمية الامتناع عن التجاوز على الممتلكات العامة، والخاصة، وتخريبها تحت اية ذرائع كانت. وخلاف ذلك فهي مسؤولية يحاسب عليها القانون في كل بقاع الدنيا على ما نعتقد، وذلكم معروف للمتبصرين الطامحين بأخلاص للتحضر والقضاء على الاستئثار، والتسلط، والاضطهاد، وكذلك النازعين للكفاخ ضد جرائم الفساد، واصحابها المفسدين، من الحاكمين، ومعارضيهم حتى.
8/ ولعل من المنطقي، وعند الحريصين حقاً، ان يجري السعي لمنع المزيد من التأزيم غير المجدي- ونؤكد هنا على غير المجدي- بهدف أغتنام الاحتجاجات الشعبية المشروعة من الجهات السياسية، في الحكومة والمعارضة على حد سواء، لاهداف ضيقة، والابتعاد عن التصريح، أو التبطين، بأمتلاك كامل الحقيقة، ومن ثم الدفع بأتجاه العنف، وزيادة الانقسامات المجتمعية، فوق ما هي عليه أصلاً : طائفياً ومناطقياُ وعشائرياً وتحزبا.
9/ وفي ضوء ما تقدم، وارتباطا به، فليس من الجائز على ما ندعي، وبأي منطق كان، التطاول على المرجعيات الدينية، وخاصة من لدن دعاة الطائفية المقيتة، ولو تلبست برداءات قشيبة. وخاصة من اولئك الذين يشاركون عن عمد، أو بدونه، برفع وتيرة الاحتقانات القائمة، وتأجيجها، بعد ان شهدت الفترات السابقة نوعاً ومستوى أهدأ نسبياً مما كانت علية في اوقات سابقة .
————————————————–
* من مساهمة (معدلة وموسعة) للكاتب، في أمسية سياسية حوارية، لنائب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، مفيد الجزائري، نُظمت في براغ، بتاريخ الخميس 2018.8.2.