الرئيسية / ثقافة وادب / فرح عتيق ، إمرأة من ورق الحب (1)…

فرح عتيق ، إمرأة من ورق الحب (1)…

السيمر / السبت 05 . 01 . 2019

هاتف بشبوش

)الحب هو الثورة الوحيدة التي لاتخون الإنسان … جان بول الثاني( .. فرح عتيق طبيبة وشاعرة مغربية استطاعت ان تتخطى التقليد السائد في نشر موضوعة إجتماعية في غاية الأهمية ، الا وهو الحب وكل ماينتمي اليه من اللواعج والفراق القسري الى الأيروتيك والجنسانية . أكملت كلية الطب ترادفاً مع حبها للشعر وخواطره . شاعرة لاتتخفى مثلما كانت تفعله جورج صاند التي وصلت الى عالم الشهرة ثم أعلنت ابداعها على الملأ وسط أعراف إجتماعية فرنسية متشددة للغاية . النساء حتى اليوم في عالمنا الشرقي يواجهن الكثير من المتاعب نتيجة النظرة الدونية من قبل الرجل وبعد مجيء داعش وما اراد فعله من سبي للنساء على الطريقة البالية القديمة لأسلافنا . ارى فرح هنا قد طفح الكيل بها نتيجة الصمت الذي يخلق حالة من الفوران الداخلي فلابد له ان يظهر بهذا الإبداع والبوح الذي يتحدى ويقول ها أنا موجودة ، انا افكر ، أنا احب ، أنا الشهيرة بالوفاء على طول الخط في عالم أراد لي أن اكون أقل شأنا من الرجل . فرح في بعض النصوص تحدثت بكل صدق عن ذكرى تشكلت لها في العقل الباطن والقلب معا ، تصورت فارسها الذي لم يخنها ولم يغدر بها لكن الأقدار أقوى فكان الذي كان وحل الفراق القسري الذي نجم عنه ألم ولوعة ولواعج لاتنتهي الاّ بفناء الروح لكلا الطرفين . فرح عتيق شاعرة لايمكن أن تكون موهبة مضيعة ، هي النهج الذي يحفر في ذاكرة الإبداع وفي الطرق الممتدة في أرجائنا ، هي ثمثال حي يزوره مئات المعجبين ، هي الكلمة الضاربة في البوح وفي الصورة وفي المخيال الذي بنى شهرته من دفقٍ صادق وعميق وجدانيا فلايمكن لها أن تذهب سدىً وإذا ذهبت فهي الليدي شاترلي التي ظلت تتمسك بحبها الحقيقي فكان لها المستَقَر. فرح عتيق رست سفينة مولدها في إيطاليا ميلانو حيث كبرعودها الثقافي وترعرع هناك لتصبح طبيبة ، لكنها بقيت تسعى في درب الكلمات العاثرِ والأليم حيث لاوصول أبدا ، حتى توّجت إبداعها بهذا الكتاب موضوعة قرائتنا ( إمرأة من ورق الحب) ولازالت تنشر في العديد من الصحف العربية والألكترونية إضافة الى المشاركة في المهرجات المحلية والعالمية . حين نقرأ فرح نستطيع أن نتخيل الحمائم فوق أغصانها مع إيقاعٍ في الروح والنفس العليلة وما تجود به الذكرى من طفولتنا وشوارعنا ونزقنا الخفيف والثقيل وأناقتنا أيام زمانٍ جميلٍ يهوى المغامرات مع إحداهن أو على مضضٍ يبلع الريق على حبها من طرف واحد أو على حسرةٍ تدق العظم حين تدفع الريح بفستانها فيلتصق بجسمها المكتنز فتبرز مفاتن العجيزة التفاحية المتناغمة والسيرعلى الأرض بهدوءٍ ينعش القلب . فرح من خلال النصوص تعترف انّ ماتعلّمته من رفيق دربها الذي ذهب مع الريح لكنها بقيت (فيفيان لي) تبحث عن (كلارك كيبل) ، أو مارشيللو ماستروياني ظل يبحث عن صوفيا لورين في زهرة عباد الشمس بعد سنين وسنين حتى حصل اللقاء المستحيل رغم استحالة الإرتباط ، لكن الحب ظل خالدا ينتظر حلول المعجزة . المرأة في العالم العربي حرمت منذ العصر العباسي، وقبرت في فترة الحكم العثماني لما أدخلت الحرملك، حيث غاب صوتها وضاع صيتها بينما هي الظل الذي لايفارق أجسادنا ، هي التي جئنا من مركبتها الفضائية ( المشيمة ) ونزلنا على كوكب الآرض ، هي أول شخص يسمع بكاءنا حينما نولد ،هي الآم التي تكون أول شخص يراني عاريا مجردا كما خلقني ربي ، هي ليلى وأنا قيس ، هي الحب وأنا الحرب . يقولون حتى الجسد له ثورته ، يثور على النمطية ، يريد الحرية كي يظهر المفاتن ، يريد حقوقه في التجلي وإبراز الحقيقة الجسدية ، لايمكن حبس الجسد ، فهو الثائر على طول التأريخ ، فكانت النساء في زمن الجاهلية يتمشين سافحات ، أي تظهر أثداءهنّ مع الريح من جراء إرتداء الثوب فقط ، فسابقا لم توجد حمالات الصدر ، وحتى السروايل الداخلية لم يكن لها محل من الإعراب ، يعني اذا ماوقعت المرأة من الجمل أو الناقة يتكشف كل شيء ، حتى جاءت السروايل من امرأة فارسية رآها النبي تسقط من الجمل فشاح بوجهه عنها حياءاً لكن مرافقيه قالوا له انها متسرولة ، يعني ترتدي السروال ، فأمر النبي النساء بأن تتسرول ، ومنها جاء السروال وبقي حتى اليوم . والحديث يطول عن الجسد ومايريده في حياتنا الجنسانية التي أبدع فيها الكاتب الفرنسي الشهير (ميشيل فوكو) . ولذلك نرى الشاعرة فرح من خلال جرأتها وكأنها تقول لنا لاتخفْ من الجسد وجمالاته ولاتخجل منه كما غالبية العرب الجهلاء وطمسهم لحقائق الجسد الكبيرة التي لابد لنا أن نقف عندها ونحترمها ونجعل لها كينونة خاصة ترفعها في مكانها الصحيح كما يفعل العالم المتمدن اليوم في غالبية أرجاء العمورة ، العالم الذي يتفق مع كازانوفا العاشق والكاتب الإيطالي الشهير وزير النساء المعروف الذي يصف جسد المرأة أخلاقيا ويقول من انها حديقة ، جنة بها أنهار من الملذات ، فيها ورود وتفاح وفواكه ، أحيانا محرمة لكنها في كل الأحوال صالحة للقطاف. وتقول لنا فرح أيضا لاتخف حين تقع في الحب ففي أسوأالأحوال سيطلقونَ عليك عاشقا نزقا ، وليس لصاً صائماً مصلّيا كما رجال السياسة في العراق اليوم ، فالفرقُ شتان بين أن تزيح قلادة فوق الزيق كي تحررَ العزلة في صدر إمرأة رقيقة وحانية أو تخلعَ قرطاً ثمينا عنوة لسرقة الذهب المصفى والدرر فيطلقون عليك الحرامي النذل مع سبق الإصرار والترصد . ديوان ( إمرأة من ورق الحب) أبهرني وجعلني أتمعن فيه كثيرا ، لأنه يشرح حالة معاشة قد مارسها الرجل الشرقي والمرأة على حد سواء . الرجل يحب بعينيه اما المرأة تحب باذنيها ولذلك لايكفي المرأة ان تقول لها أحبك مرة واحدة بل تستمر في أن تقول لها آلاف المرات بل يتوجب عليك أن تجعلها مدللة لكي تراك رجلاً بكل ماتعنيه الكلمة ( الحب هو تساؤل متواصل ….كونديرا) . والاّ فهي سيكون لها شأن آخر معك كما نقرأ أدناه في نص ( المطاف الأخير) : لن أتسكع في محطات انتظار باردة فصمتي يشبه الموت تحتضر معهُ ذاكرتي عد لعالمك الهش فأنت مجرد نقطة سوداء و إمبراطوريتي لا تقبل بأنصاف الرجال … آآآآآآهٍ منكِ وعليكِ يامدام بوفاري ، من حطمّ أسوار روحك ، هو عابر الليلِ والغبش ، من إمتص رحيقك البيلسان ثم إرتوى فناثرهُ في الآرض ، هو الطيرالمهاجر يابوفاري ، من ذاق الزمرّد في رصعة الخدين ، وابتلع الريق في شفتيك العقيق يابوفاري الشفيعة هو ذلك المفترس الذي لم يصدّق القولَ(انّ النساء فراشُّ رومانسيُّ وثير ، بينما الرجال ساحاتُ وغىً غبراء ) آهٍ منكِ والف آهٍ عليك يامدام بوفاري. يتوجب عليكِ أن ترتلي حزناً متحدياً كما في أدناه ( تراتيل) : لا تهدي قلبكِ مرة أخرى لعابري السبيل فهم مثل الطيور المهاجرة ليس لهم هوية وطن فأقسمت.. أنْ أجعل قلبي كالسماء دون أبوابٍ ولا أسوارٍ و لا حدود … رغم إني أرى التشاؤم لكنني رأيت فرح الحقيقية تنبض بالحلم وتتدفق حبا ، تشع ضياءً وسناءً ، رأيتها لحما ودما ذات يوم يصرخ بالتودد والإنشراح ومهما يكن من أمر خيبتها وفشلها عظيما لابد أن تنهض كي تعيش . الحب لايتوقف ، الحب يتجدد ، الحنين ليس عبئا ، الحنين خفة ونزق كما روح فرح المعطاءة بلا حساب . والحب ان تسرّب ذات مرة من بين الأصابع سيلتم في مرات كثيرة ، سيسطع ذات يوم بمعانيه الدالة مثلما سطع يوما على قلب روميو وهو يقول عن جوليت ( أن نجوم السماء أخذت من بريق عينيها ) ولم يقل عيونها أخذت من زرقة السماء ، فكان الوصف مدويا في عالمٍ أبديٍ لايمكننا نتخيله . فرح تمسك بالذاكرة التي جعلتها كراتبٍ تقاعدي للقلب الجريح ، الذاكرة التي تجعل منها لاتغيب أبدا عن كل مايمت بصلة للتراب الإيطالي والمغربي المترابط مع بقية الأنفس البشرية في العالم العربي . فرح لها سمتها المتميز في العديد من نصوصها الجريئة التي يطغي عليها الحب والحب ثم الحب ، فهي المرأة الأخت والأم والحبيبة فحتما يكون أغلب ماتكتبه معجونا بطراوة كلمات النساء المعهودة والمتسامحة كما يقول المثل الهندي (مهما تلقيت منك الألم ….فإنها مكافأة بالنسبة لي) . لنرى فرح وماتقوله بهذا الصدد في ( نسيان) : تَدوس على وجعك تَحت أقدامك و تَمشي مُبتسمآ أمام كُل من يَنتظر سقوطك فلابد من التريث حينما نكتشف أن هنالك خيانة خيانة ممن أعطيناهم أكثر مما يستحقون . خيانتك جعلتني أتذكر نصائح أمي لا تركضي وراء رجل فالرجل لا يستحق .. المرأة كما يقال هي القدر المحتوم الذي لابد لنا ان نقع في شراكه مهما توخينا الحذر ، هي الشباك الذي يبعدك عن فم الحوت وانت في أعماق الغرق . لكن إياك إياك أن تدنّس هذا القدر المحتوم بخنجرالخيانة التي لايمكن أن تغفرها لك بأية حالٍ من الأحوال فالخيانة تعتبرها النساء جرحاً داخلياً وخارجياً لايندمل مع الزمن ( رجل خانته إمرأة فهو وقواق ، إمرأة خانها زوجها هي إمرأة …البير بري ) . يتبـــــــــــــــــــــــــــــع في الجــــــــــــــــــــــــــــــــزء الثانــــــــــــــــــــــــــــــي شاعر وناقدعراقي/الدنمارك

اترك تعليقاً