الرئيسية / ثقافة وادب / فرح عتيق ، أنثى من ورق الحب(2)

فرح عتيق ، أنثى من ورق الحب(2)

السيمر / الثلاثاء 22 . 01 . 2019

هاتف بشبوش *

(الحب هو الثورة الوحيدة التي لاتخون الإنسان …   جان بول الثاني) ..

في البوح أعلاه نجد تواجدا عظيما للمرأة الأم . في أقوى حالات النساء والرجال لامفر من الإلتجاء الى الأم التي لايكاد أي شاعر وشاعرة لم يكتب عنها مهما كان حجمه في عالم الابداع ، فهي النصوحة المدارية لنا في أغلب مصائبنا وما نلقاه من وشائج عصية على الحلول . الكاتب المصري الراحل إحسان عبدالقدوس كان في اوربا حين كتبت له أمه التي هي الأخرى مبدعة كبيرة إشتهرت بتأسيسها لصحيفة روز اليوسف كتبت لولدها إحسان ( والآن وقبل أن أضعك أمامي لأواجه بك الناس ، دعني أهمس في أذنك بوصية أم إلى ابنها ووصية جيل إلى جيل : حافظ على صحتك ، فبغير الصحة لن تكون شيئاً. مهما كبرت ونالتك الشهرة ، لا تدع الغرور يداخل نفسك ، فالغرور قاتل ، فكتب لها ( أراكِ أنت وحدك ، أراكِ في قلبي ، وأراك في عيني .. أراكِ جميلة وعظيمة .. أجمل وأعظم من كل ما في أوروبا والمنافي البعيدة . المنافي التي نجدها في النص أدناه ( منفى) :

لا يمكنك

أن ترى صورتك في الماء

و هو يغلي

و بالمثل

لا يمكنكَ أن ترى الحقائق

و أنت غاضب

قد تسكن قصراً و تضيق بك الحياة

و قد تسكن كـوخـاً و يشرح الله صدرك

قد ترى أغنياء يرتشون !!

و فقراء يتصدقون !!

لهذا سميت دنيا ..

هذا هو الخبل النبيل الذي تحمله فرح ، صادقة في عشقها لغاية الوله والاخلاص . لكن هناك وفي معترك الحياة مهما كنتَ مثاليا ستجد من لايحبك / حتى الملائكة تكرهها الشياطين /فكن كما انت . فهاهي فرح الشاعرة والطبيبة نراها كما هي على الدوام ، طبيعية خالصة ، تتصرف وكأن المرايا لاتتواجد في قواميس حياتها . هكذا تنظر فرح الى الحياة بفقرائها وأثريائها بكل هدوءٍ وأخلاق ، فهي الطبيبة التي يمكن لها جراحة ومداواة أي عطبٍ لدى زبائنها عدا أخلاقهم كما يقول أحد الكبار (كل جراحةٍ فلها دواءٌ … وسوء الخلق ليس له دواء) . البشر مختلفون في كل شيء وكل له لونه الذي يتميز به ، لنرى فرح في الثيمة أدناه بعنوان (بشرُّ وطيور) :

مٌخَطْئٌ منْ يَظنَ

أنّ البَشِرّ كِاٌلطِـَيوُر

إن جاْعـَتّ تُغـَرِدً

فُجـَوعُ الْمشاْعر يُعِلْمَنا الْصَمتّ

حْتَىْ نَنسِىّ مَذِهَـب الْكَلُام

و هِـَيئْةَ الْكَلِماَتٍ

شذرة بسيطة لكنني استطعت أن ادخل الفصول الأربعة من خلالها ، أن اشم الرياحين وعبق الأزهار الحقيقي ، سحر الطبيعة الخلابة في طيورها وتغريدها . شذرة حين اقرؤها استطيع أن اشعر بما قاله كزانتزكيس (الشعر هو الملح الذي يحمي عظام العالم من التفسخ )…وها انا اقرأ لفرح عاتك فتقوى عظامي وبدني ووجيب قلبي . كما وإننا حين ننسى الكلمات كما قالت فرح في الثيمة أعلاه نتيجة حب عارم يلجم لساننا عن البوح والقريحة نستطيع أن نلجأ لعالم التهجي كما في نص( حروف الهجاء) :

لنخذل قلوبنا و نهرب من ضعفنا

لا بدّ ..

لا بد من بطاقة إعتذار

للتنهيدة

التي خرجت من قلوبنا

للدمعة

التي سقطتْ على الكتاب الذي نقرؤه

بعد الرسالة الأخيرة

و قبل أن ننطق عبارةَ ” لكنّي أحببته

لا بدّ ..

من بطاقة إعتذار للحب

لم نكن ضعفاء بما يكفي

لنحتفظ بك ..!!

فالحب كالموت ليس له موعد

اخترتُ له بقلبي مكانا جيدا

أسميتهُ سلة المهملات!!!!!!

في هذه المقطوعة السمفونية أرى فرح قوية رغم الحب الذي تحمله ويجعلها ترتكن الى التأني أحيانا والضعف نتيجة إحترامها لهذا الحب الذي له سلطان علينا جميعا ، لكنني أراها تلك المرأة المودرن في أرجاء العالم الغربي وإحترامه لها بشكل كبير وليس كما أيام (نيتشة )الكاتب الألماني الشهير في القرن التاسع عشر حين قال (اذا أردتَ ألذهاب الى النساء عليك أن لاتنسى السوط ) . حتى جاء الأديب الكبير (برتراند راسل) بعده بسنين وقال ( عن أي سوط تتكلم يانيتشة ، فاليوم اذا ذهبت الى المرأة ومعك السوط ، تأخذه منك وتضربك به ضربا مبرحا) . أضف الى ذلك في هذه الثيمة أعلاه أبهجني تشريح الشاعرة فرح للإيروتيك ذلك الأدب الرفيع ، والقديم قِدَم اكتشاف الإنسان لقيمته العاطفية ، إنه وجه من وجوه فلسفة الجمال، الإيروتيك ليس الخلاعة أو ” الستربتيز ” … إنه صلاة الجسد في أسمى تجلياته وتماهيه .انه الجمال وحده الذي لايلتقي مع القبح أبدا ، وهذه الموضوعة لها شأن في نظر الشاعرة حين تقول في ( الضدان لايلتقيان) :

الجمال و الغواية ..

هي أضداد ..

أحدهما يبرر الآخر ..

تماما كالفناء و الحياة ..

فهل وجدتُ روحي

أم أنني كليا فقدتها ؟..!!

 فلا تغتروا بالسعادة

هي أحيانا تظهر ..

لإنعدام الحزن لا أكثر ..!!

 

فرح لها القابلية في أن تخلق كلماتا راقصة على أنغام النثر التي تمشي وئيدة في أوراق حبها وعشقها الأبدي (الرقص هو شِعر الجسد في حين المشي نثره…. بول فاليري) . ولهذا حين اقرأ النثر الخواطري لفرح بشكل عام يستفزني أيما إستفزاز ويجعلني أقول : لاتسلني عن السعادة ان كانت سندريلا في غاية الحزن والقلق .

ثم تستمر الشاعرة من نفس الخاطرة الحزينة المؤثرة فتقول :

خذ من الأسماء حروفي ..

من الأوراق حبرا يسكب نبضا ..

و أترك لي

من الزمن بوابة القلب

القانون لا يحمي العاشقين

أنت وطني

وغربتي في الآن ذاته

 

المرأة كالمحيط لايمكنك سبر أغوارها ، بإمكانها أن تتأقلم مع الحدث في سبيل كرامتها والسير نحو حياة أفضل في أوطانها أو غربتها البعيدة كل البعد عن الأهل والخلان وحتى عن الروح ذاتها . ولذلك قال أدونيس الشاعر السوري الشهير في منفاه الباريسي (بعد أربعين عاماً أصبحت دمشق زمانا لامكانا بالنسبة لي ) .

كلمة أخيرة بحق الشاعرة :

فرح عتيق شاعرة وطبيبة إيطالية وعربية متحضرة إستطاعت أن تبني لها كيانا ثقافيا يختلف عن النمطية السائدة ولكنها ظلت قوية بإنتمائها الى المرأة السوبر في آنٍ واحد . إستطاعت أن تدق أسفينا لها في إيطاليا وأسفيناً آخراً في وطنها الأم المغرب العربي الجميل ، إستطاعت أن تكتب في لوحها الأدبي بما يدهشنا وكإنها تقول : يا أيها الوهم المقنع بأثير الإشتهاء ، نحب أن نراك تنفخ عبر أوار الرغبة بلسمك ، فتجعل من الحس خدرا ومن الجسد راحة وصوتا خافتاَ ، ومن اليراع حروفا من الولهِ والوجدانِ لاتُمحى .

هاتف بشبوش/شاعروناقدعراقي/دنمارك

اترك تعليقاً