الرئيسية / مقالات / عراقيون من هذا الزمان (*) 19/ ناظـم الجواهـري

عراقيون من هذا الزمان (*) 19/ ناظـم الجواهـري

السيمر / الاثنين 11 . 03 . 2019

رواء الجصاني

   والحديث في هذه الحلقة يأتي عن نجفي الاصل، بغدادي الدراسة والنشاط الطلابي والسياسي، هو ناظم باقر الجواهري، سليل الأسرة الجواهرية العريقة في العلم والادب والشعـر. والابن الاوسط بين اربعة بنات واربعة اولاد، كان اغلبهم معني بالهـمِّ الوطني، مثلهم مثل والدهم المربي المعروف، الذي عمل في سلك التعليم لأزيد من نصف قرن كما أعلم ..

   بدأ التعارف مع ناظم منذ نحو ستين عاما، عبر الزيارات العائلية لبيتهم في “الكريعات” البغدادية، وقد تقاربنا برغم فرق العمر بيننا (ويقول انه أكبر بثلاثة فقط، وليس اربعة!).. ثم وفي اوائل السبعينات الماضية يجمعنا العمل في الاتحاد العام لطلبة العراق، وكان هو من جماعة “اليميـن!” وأنا، وفريق محيط، من جماعة “اليساريين الثوريين !” وقد عدنا “تائبين” بعد انهيار انشقاق القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.. وهكذا راحت العلاقات تتوطد وخاصة حين جمعتنا هيئة واحدة في بغداد تمثل سكرتارية الاتحاد، لفترة من الوقت، وكان هو على رأسها، وأتذكر ان الناشط الطلابي والسياسي، مهند البراك، كان من ضمن تلكم الهيئة، ثم تولى مسؤوليتها بعد ذلــك، بينما كنتُ مكلفاً حينها بشؤون العلاقات مع فروع الاتحادات الطلابية العربية في العراق، وكذلك مع مركز اتحاد طلبة كردستان، فضلا عن مهمات تنظيمية اخرى. وأوثق للتاريخ هنا ان السياسي والمسؤول الحزبي البارز في وقتها، ماجد عبد الرضا، كان (حين كان!!) مشرفا ومتابعا للعمل، واتحدث هنا عن الفترة ما بين عامي 1971- 1972 تحديدا..

وفي النصف الثاني من عام 1972 يترك ناظم الدراسة في كلية العلوم بجامعة بغداد، ليلتحق بزمالة دراسية في موسكو، التي وصلها بعد ان مثل سكرتارية الاتحاد في مؤتمر طلابي عام عقد في الكويت.. وقد وصلتها– موسكو- بعده بأيام، للدراسة ايضا، ولننتخب سوية بعد ذلك بشهور في اللجنة التنفيذية لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفياتي، وكان رئيسها لتلك الدورة، السياسي- الشيوعي سعدون صادق .. كما لنعمل معا في هيئة حزبية شيوعية واحدة، عَنت بمتابعة تنظيمات المدن في الاتحاد السوفياتي ومنها: كييف ولينينغراد وخاركوف وكراسندار .. وغيرها. اما مسؤولنا في تلك الهيئة فكان السياسي الشيوعي جميــل منيــر العاني.

   ولا بـدّ والامور هكذا ان تتوثق العلاقات الشخصية والصداقية والعائلية مع ناظم، ثم تنقطع بعد عام، حين “هربتُ” من الدراسة وموسكو وبردها، وسخونة احداثها ( العراقية!) فقفلتُ عائدا الى بغداد، اواسط عام 1973 . اما ناظم فأستمر في دراسته ومهماته السياسية الحزبية، والطلابية الديمقراطية، ويتخرج طبيبا اخصائياً مشهودا له، وذلك اوائل الثمانينات الماضية، ويكون من أوائل المتطوعين الى مقرات فصائل الانصار الشيوعية في كردستان العراق، وليشغل العديد من المسؤوليات السياسية وغيرها، ولسنوات، وقد أشتهر طوال فترة وجوده هناك بأسم “دكتور دلشاد”.. ومما ينقل عنه انه حاز خلال فترة وجوده بتقدير ومحبة جميع من حوله، مع الاستثناءات التقليدية، االمعتاد عليها .

وفي اواخر الثمانينات نلتقي مجددا في دمشق حيث بقي فيها ناظم فترة من الوقت، وكنت أجوبها بين مهام وزيارات خاصة وغيرها. ونتواصل، وننقطع ليستقر هو، وعائلته الجديدة في فيينا بعد جهد جهيد كما تحدث لي، ونلتقي هناك، كما في براغ حيث مستقري الاضطراري، ولكنه الجميل برغم كل شئ. ويجتهد ناظم في اختصاصه الطبي في النمسا، مستمرا في نشاطاته الوطنية والاجتماعية حيثما تمكن واستطاع، محاطا بأصدقاء واعزاء، وليغدو محطة وصل حميمة بحكم طبيعته، ووسع علاقاته، وحرصه على إدامتها بما يقدر عليه..

   ومن اللقاءات الجميلة مع ناظم في السنوات الاخيرة، حين حلّ وزوجته الطبيبة الكردية الألقة سوزان الدباغ، وابنتهما الجميلة المثابرة، ديانا، في براغ لايام قليلة، صيف عام 2016 .. فنستعيد الماضي، ونغمز ونلمز ونستغيب، ونتابع اخبار الاصدقاء، من قطعوا ومن وصلوا. وكالعادة كان الحديث عن اهمية كتابة الذكريات، موضوعاً رئيسا في احاديثنا، ليس بهدف السيرة الذاتية وحسب، بل ولتوثيق شؤون عديدة كان فيها الرجل شاهد عيان، وطيد الصلة على ما اعرف بالكثير الكثير منها، وطوال ازيد من نصف قرن في القليل، ومنها طلابية وسياسية، الى جانب علاقاته الواسعة مع مسؤولين ومقررين – حينها- في الاهم من القضايا التنظيمية والسياسية، الحزبية والعامة، وتجارب ووقائع تستحق- بل تتطلب- التوثيق للأجيال الجديدة الصاعدة على طريق النضال الوطني ..

     .. وارتباطا مع السطور السابقة، اقول: يقيناً ان موضوع تسجيل الذكريات وخاصة عن المواقف والاحداث البارزة ليس بالأمر الهيّن، ولكنه اكثر من مهمٍ للتوثيق وللتاريخ، وبهدف التدقيق والتأرخة، كما التوضيح لشؤون عامة. وندري مسبقا بأن ذلك قد لا يعجب البعض، بل وقد يغضب بعضا آخر، ولكن تلكم ضريبة لا بـدّ ان يدفعها المتصدون للشأن العام، ومهما كانت نتائجها، فهي من الضرورات كما نزعم، خاصة وان الكثير من الوقائع قد جرى – ويجري- تشويهها، بعمدٍ او عدم اطلاع ومعرفة.. وعسايّ نجحت في تحريض الصديق العتيد ناظم، وتحفيزه على التوجه بذلك المنحى …

   —————————————————— بــراغ / آذار 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، والحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي… وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، ونشرت كلها على حلقات في العديد من وسائل الاعلام..

 

ناظم الجواهري

اترك تعليقاً