السيمر / فيينا / الاربعاء 27 . 11 . 2019
* رواء الجصانــي
ليست منّةً، ولا هو فضلُ من احدٍ ان يتضامن النبلاء مع مطاليب الناس في العيش الكريم والمساواة، وعدم التمييز، ويقدمون الدعم – بما يستطيعون- لتلك الاهداف السامية.. وان كانت تلك هي الحال العامة، فكيف بالعراقي الذي يرى مواطناته ومواطنيه يتظاهرون منذ نحو شهرين مطالبين برفع الحيّف، ومن اجل بلد خال من العنف والفساد، طموحٍ للأمن والازدهار..
وبذلك المنحى راح الكثير من العراقيين داخل بلادهم وخارجها يشاركون- وبأوسط الايمان على الاقل- في اعلاء روح التضامن الحريص، والواعي، مع الحراك الشعبي المشروع، وخاصة بعد استشهاد اكثر من ثلاثمئة وخمسين من الضحايا الابرياء، والالاف من الجرحى والمصابين، بسبب مواجهة بعض الاجهزة الامنية، وغيرها، للمتظاهرين والمحتجين، وخاصة السلميين..
ولا شك فأن أشكال التضامن والدعم تتعدد وتتنوع بحسب الظروف والمواقع ، وكذلك الدوافع والقناعات التي تتباين بحسب المدارك والقدرة على الفهم الاستيعاب، وغير ذلك من اهداف معلنة وغيرها .. ولكن تبقى الحقيقة قائمة بأن اختلاف اشكال التعبير، عبر ذلك الدعم والفعل التضامني، لا تتيح لوحدها ترتيب من هو الأكثر تضامناً وحرصاً من غيره.. وهكذا يعبّر شاعر هنا، وفنان وكاتب هناك، وغيرهم، بقصيدة او لوحة او كتابة او رأي، او بمساعدات ما او تجمعات وسواها كثير ومتنوع ..
وبمثل سابقاتها السبع، بشأن الحراك الشعبي (الهبة/ الانتفاضة/ الحركة الاحتجاجية…) تأتي هذه المساهمة لتتحدث عن تصورات ورؤى تظنّ بأن مما تشمله متطلبات الدعم والتضامن المنتج، والحريص: التوعية والتنوير والتحذير والتوجيه والمشورة، وخاصة المستقاة من تجارب ووقائع حياتية، ومن سعة أفق ونظر، ودوافع انسانية، ووضعها امام ذوي الشأن، ولا سيما طلائعهم، ونشطائهم ومنها:
1- التأكيد على اهمية الحفاظ على سلمية التظاهرات، ومنع محاولات تصعيدها، وبهدف الحفاظ بكل ما هو متاح، على حياة المحتجين السلميين، ومنع وقوع المزيد من الضحايا العزيزة والدماء الغالية، وخاصة ان هناك من يريد “تـثويـر” الاحداث بسبب قناعات ما، أو لأسباب ودوافع أخرى ..
2- دعم المحتجين عبر دعوتهم لمزيد من الانتباه الى موازين القوى، عددا وعدة، وفي ضوء ذلك الوصول للاختيار الانجح والانجع، لأشكال التظاهر ومواقعها، وسبل ديمومتها الايجابية وكيفية ذلك..
3- تقديم المشورة لأصحاب الأمر بضرورة اختيار المطالب وترتيبها، وتحديد سقوفها، بعيدا عن العاطفة، وبعيدا عن المؤججين، وخاصة المترفين منهم، ممن لم يذقْ المرارات الحقيقية .. كما بعيدا عن وسائل الاعلام غير المهنية، والجهات ذات المصلحة في اشاعة الفوضى والدمار في البلاد العراقية. وهنا يجدر الحديث ايضا عن اهمية التنبيه الى ما يُراد من وقوع الدولة كلها – وليس السلطة فقط – في فراغ دستوري، مما “قـد” يودي الى مزيد من الانقسام والتشظي المجتمعي، وحتى الاقتتال الداخلي/ الاهلي، وتلكم هي حالات سوريا وليبيا واليمن أمام أعين الجميع..
4- ولا شك فأن النقطة السالفة تحتاج من المتضامنين، والداعمين للحراك الشعبي السلمي، المشروع، تأكيد الدعوة للمعنيين للأسراع بأعلان اداراتهم / تنسيقياتهم/ قياداتهم للتظاهرات، لكي تتولى من جهتها تحديد اولويات الاهداف، والتفاوض حولها، خاصة وقد باتت المقولات والمبررات بشأن ذلك مثل “عفوية التظاهرات” غير منطقية ولا مقبولة بأية حال من الأحوال..
5- كما ان على الداعمين والمتضامنين، المخلصين، التنبيه الى ان كل الاحتمالات قائمة، والتحذير من اولئك الذين تحيّنوا – ويتحينون – الفرص، لدفع الاحتجاجات الى نوايا واهداف اخرى بعيدة كل البعد عما خرجت به الالوف المؤلفة من المتظاهرين، وخاصة الفقراء والمهمشين، وذوي المطالب المشروعة في الحياة الحرة الكريمة..
6- وهنا وارتباطا بالفقرة اعلاه، يظهر كم هو مهم بأن يسعى المتضامنون النجباء لبذل جهود اكبر في مجال التوعية بأهمية الظروف الاقليمية والدولية التي تحيط بالبلاد، والتي تؤثر بشكل مهم جدا على ما تطمح اليه الجماهير الشعبية – اولاً- من أصلاحات وتغيير في مجالات النظام السياسي والاجتماعي والمعيشي، وضد المحاصصة غير المشروعة، والفساد المتجذر، والممارسات العنفية من كل الاطراف..
7- ومما هو مهمٌ التوكيد عليه هنا، ضرورة التشاور مع الشخصيات والاحزاب والقوى والتيارات الوطنية، الوطنية، النزهاء، والاستفادة من تجاربهم، وخاصة ان لهم قوى وجماهير، وتأثيرا في الواقع الشعبي، سواء رضيّنا بذلك أم لم نرضَ به..
8- كما من المهم ايضا تنوير المتظاهرين بأن لا ينقادوا أويتأثروا بما يطرحه الطائفيون والعنصريون وذوو المصالح الخاصة السياسية وغيرها، ولو تزيّوا بلبوسات الحرص، ومن بين ذلك نسيان أو تناسي النظام الدكتاتوري البعثي، حتى عام 2003 وحروبه الداخلية والخارجية، والمقابر الجماعية، وعسفه وأضطهاده الذي شمل مختلف فئات المجتمع …
9- ومن المفيد ايضا، بل والضروري، ان يسعى الداعمون والمتضامنون مع الحراك الشعبي المشروع، والسلمي، ان يواصلوا الدعوة والتنوير بأهمية عدم الانجرار وراء اولئك الذي يسعون بالقول والفعل، لاشاعة المزيد من الدمار والدموية، والانشقاقات الداخلية، مثل محاولات التجاوز بالانتقادات والتحريض والتضليل، على المرجعية الشيعية العليا، ناسين عمدا الالاف، بل والملايين الموالين والمؤيدين لتلك المؤسسة الجليلة، بحسب قناعاتهم ومداركههم ورؤاهم، وواقع الحال عموما..
10- وارتباطا بما تقدم ايضا، تبرز اهمية الدعوة والتوجيه الى ان منتسبي القوات المسلحة والحشد الشعبي والتشكيلات الامنية الاخرى، هم من ابناء الشعب، وقد قدموا ما قدموا من تضحيات جلى للحفاظ على الاستقرار وخاصة في سنين سيطرة (داعش) وما قبلها ضد مجموعات الارهاب والعنف والتي كادت ان تقود لحرب داخلية شاملة..
11- وعلى ذلك النهج، تظهر اهمية التنبيه الى تدارس ومعرفة الاسباب والدوافع التي حالت – وتحول الى اليوم- في امتناع عدد من محافظات البلاد، وحتى عدد من مناطق العاصمة بغداد، دعوا عنكم محافظات ومدن اقليم كردستان، من المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية المشروعة، ضد الهيمنة والتمييز والفساد..
12- وفي اطار كل هذا وذلك من متطلبات الدعم والتضامن الحريص والمنتج للحراك الشعبي الكبير، تبرز اهمية استثنائية للتأكيد مراتٍ ومرات، على الامتناع– بل ومنع- القيام بأعمال حرق البيوت والمقرات والمؤسسات الرسمية وغيرها، وكلك قطع الجسور والشوارع، و”فرض” الاضراب هنا وهناك، بالقوة، والعنف والتهديد، مما أفقد – ويفقد – المتظاهرين السلميين مصداقيتهم واهدافهم النبيلة للعيش في وطن آمن مستقر يحقق المساواة المشروعة للجميع بالرفاه والاستقرار..
… أخيرا لا أجد خيرا من خاتمة تقول بأن المخلص الحقيقي هو من “صدقكَ” القول، لا من “صدّقك وتعاطف معك، أو ناحَ عليك” حقا وباطلاً.. وأضيف ان من ابرز دوافع هذه الكتابة القناعة بأن ارواح الناس هي الاغلى دائما، مما ينبغي ان يستمر الحرص عليها، ودون خسائر مضاعفة، خاصة وقد عاشت البلاد وطوال عقود طويلة مآسي مريرة: حروبا وعنفا وارهابا ودمارا ..
27 . 11 . 2019