السيمر / فيينا / الاثنين 02 . 12 . 2019
مصطفى منيغ / المغرب
للحقيقة صُورة لها مطابقة،التشابه الكُلِّي لبعضهما البعض عملية مُطلقة، كلما امتدَّ بها الزمان كشهادة خططها ضمير حي على ورقة ، طالما امتدَّت أيادي غاشمة لتَضْحَى ممزَّقة ، كي لا تتَّخذ وجهة تُقَدَّرُ بالعميقة ، لدى تصريفها حجة مدقَّّقة ، قد تُغيِّر في تاريخ الحاضر عقولاً اندمجَ أصحابها مع مظاهر (أقلّ ما يُقال عنها) مُنافقة ، اقتصر عرضها من طرفهم للاستئناس هروباً من خلفية قد يتحول اشعاعها لأنوار مُشرقة ، على كل متجاهل مُساهِمٍ في تلوين الحاضر بصبغة غير لائقة ، لإخفاء معالم نضال كانت وقتها سابقة، ليفهمَ مَن استغَلَّ تلك البدايات لمصالح ذاتية ومنافع خاصة لها شَرَّعَ وبالعصا طَبَّقَ، أن التقادم ليس في صالحه إن سُئِل من أين لك هذا يا مَن تُتْقِنُ تصريف فعل سَرَقَ، ساد بين أركان تطوان و لوحدة أبنائها (في عنصرية عقيمة) فرّق ، لينكمش الأصليون داخل دورهم في المدينة العتيقة، بالتدريج تاركين الوافدين عليها يؤسسون لمرحلة الاعتماد على التهريب وفسح المجال لتجارة المخدرات التي ترَعْرَعَ في كنفها مَن أجْرَمَ أو فقد عقله فعاد أحمق مقذوف عارياً داخل حديقة ، لتتحول المدينة الحسناء ملهمة الشعراء ومتتبعي الفن الرفيع المشبعة بالذوق النبيل المرحبة بزوار الدول الشقيقة والصديقة ، إلى سجن مفتوح سَجّانه مدمن مغَيِّبِ العقل، وسجناؤه من إناث وذكور شَغَلَهم التهريب من مدينة سبته لكل شيء وفي المقدمة الخمور المتباينة الأصناف والأسعار، لتجدها الدولة حلاَّ لمشكلة اقتصادية إقليمية في الظاهر، وهي تعلم يقيناً أن العملية تخريب صريح للاقتصاد الوطني من جهة، وإلحاق أكبر ضرر بمدينة لا تستحق التداوي بالكي و لتراثها الحضاري المُعرَّض بتلك الطريقة ، لأبشع حريقة. كنتُ من الأوائل الرافعين أصواتهم تنديداً بالفاعل وشجباً لتلك التحركات السريعة لإفساد الذوق التطواني العام وفرض تحوُّل فظيع في التركيبة الاجتماعية ليجتاحها الانحلال الخلقي والفساد الجاعل منها مدينة فاقدة لهويتها ،ويعود فيها كل شيء قابل للبيع بما فيها الضمائر لترويج اللاَّشرعي والحرام والفساد (مهما كان المجال) ورَمْيِ الشرف على حيد أوسخ طريق نتيجة تلك الهجمات التعسفية المارقة .
نظرت إليَّ “السيدة” كأنها تترجَّاني أنْ أدَعَ تلك الذكريات المُوجعة جانباً ، بل أنساها وقد خرَجْتُ من ويلاتها سالماً، وحتى توضّحَ لي رُؤيتها أكثر قالت ويدها ممسِكة بيدي :” سأجعلُ و كارمين حياتك كلها مقتصرة على تحصيل العِلم والتخطيط الجيد لمستقبلك معنا ، طبعا المغرب وطنكَ ، قدِّم له ما استطعتَ ما دُمتَ به تُحِس أن لكَ ما تعيشُ من أجل خدمته وإن كان لا يسعى لخدمتكَ وآلاف الشباب المغاربة مثلك المغادرين حيث الفرصة سانحة تنسيهم مثلك المعانات الرهيبة التي لا تُنسي بسهولة ، أنت إنسان متعلِّم وموهوب ، أوروبا ستحتضنك وبها ومعها ستُدركُ شأناً يجعلكَ تفخر بصبرك ومواجهتك التحديات بقلب سليم وإرادة مَن تَمسَّك بها لا ولن تخذله ،عن نفسي سيدي الغالي كنتُ جد محظوظة حالما وضعكَ القدر أمامي، ومن تلك اللحظة السعيدة وحبي لكَ يكبر يوماً عن يوم ، ولو خُيِّرتُ بين فقدان ما املك إن أردتُ الحفاظ بك لنفسي لفعلتُ غير نادمة على الإطلاق” ، تدخَّلت العزيزة كارمين مُظْهِرَة إزعاجها ممَّا سَمِعَت سائلة : “متى يحضر شقيقك لقد تأخر ألستَ متَّفقاً معي؟ “، فما كادت تُنهي كلامها حتى وَصَلَ ، بعد التعارف على السيدتين المرافقتين لي ، طلب منا الذهاب للبيت لمشاركته المناسبة السعيدة ، حيث يقيم تلك الليلة حفلة لابنته الثانية المولودة مند أسبوع . في مدينة “مرتيل” استقبلتنا الآسرة استقبالا يليق بالسيدتين الاسبانيتين التي أحست والدتي أن لي علاقة وطيدة بواحدة منهما ، فطلبت مني الإشارة إليها لتتيقن أن حدسها كان في محله، ولما تبيَّن لها أنني مؤجِّل لما ترغب في معرفته اتجهت صوب كرمين لتعانقها مؤكدة لي بعض لحظات حسن اختياري، لتتصرف مع الوضعية بأسلوب حضاري، يقارب تعامل عائلة كارمين معي أو يزيد لدرجة أن “السيدة” وهي تكاد تسقط من الضحك لتخاطبني بصوت مرتفع ناسية أن أفراد من نفس الأسرة يتقنون التحدث بالاسبانية ، بما فيهم شقيقي الضابط في جمارك باب سبته وزوجته المتعلِّمة اياها بأحدي مدارس مدينة “افني ” حينما كان ولي أمرها الضابط في الجيش الاسباني هناك قبل التحاقه بمدينة “شفشاون” درة المقاومة ، وإحدى المراكز المحافظة على التراث الجبلي الأصيل، المتشبثة بالقيم الرفيعة والأعراف النبيلة، التي ظلَّت رافضة لما اجتاح تطوان من فساد وانحلال خلقي يبحثان جنبا لجلب لتلويث المنطقة لولا صمود “شفشاون” الدافعة بهما صوب “القصر الكبير” ليجعلا من سوق الحبوب داخله مقراً تجارياً سِلَعه بالكامل مهربة من “سبتة”، وبعض الأزقة المتفرعة داخل بعض أحياء نفس المدينة ، ليستوطن الفساد دوراً بعينها بدءا من ممارسة الدعارة إلى ترويج الخمور 24 ساعة على 24 وأشياء أخرى لا مجال لذكرها الآن ، وقد علمتُ (فيما بعد) مَن المُسبِّب الحقيقي وأيضا الأسباب الحقيقية وراء ذاك التوجه الخطير. (يتبع)