السيمر / فيينا / الثلاثاء 17 . 12 . 2019
مصطفى منيغ / المغرب
سبقونا في كل شيء حتى في التَحَدُّث بأدب عن فكرة تَخدمُنا قبلهم ، وسبقناهم في كل شيء عاشوه قبلنا من قرن على الأقل فلم يعد الأمر (مهما تأدَّبنا في سرده) يهمُّهُم ، ما دام حاضِرُنا ماضي ماضيهم ، ومستقبلُنا يشفقون علينا منه لبُعده الكبير عن مستقبلهم ، سياساتنا العامة تدبير لشؤوننا الخاصة كسُباتنا العميق كالتَّصفيق لخُطَبٍ لا نفهَمُ مَغزاها كَضَياعِ الوقت في انتظار “وغداً تُشرق الشمس” وكلَّما أشرقت انتظرنا الغد الموالي لتشرق بما يُحقِّق مضمون ما اتخذناه شِعاراً يُلحِقنا مسرعين في ركوضنا بهم ، فنكتشف أن أمْسَنا (الغائبة فيه الشمس) كان أفضل من يومنا على الأقل ظلامه يُخفي مهزلتنا دون أن نحرجهم . بالتوسُّل في تسولنا العون منهم ، وكلما تلقينا زِِدْنا طَلَباً حتى ألِفْنَا ما ظَهَرَ على البعض من مظاهر استبدال الحياء بالانسلاخ عن الكرامة فلم نجد غير النضال سبيلاً يُبعِدنا عمَّن كانوا منا حيال استغرابهم ، وهنا وجَب الفهم لنجيب عن السؤال الصعب: “متى نصل ولو لرُبعهم؟؟؟” فنسمع مَن يصارحنا انطلاقاً من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط : “إن وصلتُم إلينا معناه أننا تأخَّرنا فالأفضل لكم التفكير في تطوير أساليب انتظاراتكم حتى لا تغرقوا في أوهام تقليدنا تنميةً وقواعدَ حياة وحقوقاً لم تصلوا سِنَّ الرشد للمطالبة بها كما فعلنا نحن من زمان لن تنعموا بعيشه أبدا”.
أدركت “كارمين”بفراستها أنني سابح في فضاء الخيال مع الفرق الشاسع بين الحياة في مدينة العرائش المغربية وبرشلونة الاسبانية فأرادت بدبلوماسية أن تخفِّف علىَّ وطأة الشعور بالإحباط قائلة : ” لم يمر على استقلال المغرب غير بضع أعوام إن كنا في منتصف الستينيات ، البناء يحتاج لمجهود سنين يشارك فيه الجميع وليس أطرافا دون طرف ، ليس عيباً البدء من الصِّفْرِ بل العيب في ابقاء ما يتقدمه من رقم صحيح رغم تواضعه على حاله ، شيء جميل ما ترَكته اسبانيا قبل رحيلها، في هذه المدينة الساحلية الجميلة ، من أرقام صحيحة بمثابة مباني لا تُعَوض بثمن ، إضافة لبعض المنشآت المنعشة للأقتصاد المحلي، ومقرات إدارية عمومية في المستوى، وبنية تحتية قابلة للتوسع، وأشياء عديدة لا تقل أهمية ،العرائش أراها مزدهرة بعد عشر سنوات قادمة، لها ما يؤهلها لذلك كالميناء البحري وسهول مغطاة بثروة غابوية كفيلة بخلق صناعة مشتقات الخشب كالأثاث المنزلي المُدِرٍّ للربح الكفيل باستيعاب الكثير من مناصب الشغل ، وأيضا أراضي زراعية خصبة محققة (لا ريب في ذلك) الاكتفاء الذاتي الغذائي ، إذن الأمل موجود فلا تجعل من التجهُّم سِتاراً يخفي وجهكَ من متعة وجودي بجانبك في هذا المقام الرائع المبشِّر بصحوة مباركة يستفيد منها المغرب برمته على الأمد المتوسط”، أنهت كلامها بتوقُّفنا فوق شُرْفَة الأطلسي المطلة مباشرة على المحيط والجو منعش ينقل لصدرينا رائحة بحر يفصلنا عن ارض الازدهار الأمريكي الكندي الجاذبة اهتمامي لأزورها في يوم تمنيتُ أن لا يتخطى سنة 1970 ، وحتى لا أترك الحديث الوردِيّ لعزيزتي كارمين يمر دون تعليق أردتُ أن أسجل معها وللتاريخ كلمة سألوم نفسي إن لم يتحقق مجملها ذات سنة لاحقة من عمر مدينة العرائش التي أكِنُّ لها وأهلها الحب الكبير المسترسل المتواصل مهما عشتُ في هذه الفانية، حيث صارحتها بما يلي: “المغرب في الوقت الراهن مُنشغِل بما يكبر حجما من أي انشغال آخر مهما ارتبط بتخطيط هادف لنماء مدينة العرائش أو غيرها من المدن الشمالية، المحتلة سابقا من اسبانيا، منشغل بترسيخ نظام وفق أولويات خَصَّ بها الملك الحسن الثاني عهد حكمه بسبب ما نشأ في الساحة السياسية من معارضة جد قوية لم تكن مقبولة من طرفه بل أحدثت شرخاً مؤثرا كان على التسيير العام للبلاد لدرجة وقوع أحداث لم ينصفها التاريخ حينما يتطرق لتلك المرحلة . لقد فهمتُ خلال تحملي مسؤولية كاتب إداري بمقر عمالة (محافظة) تطوان التابعة لوزارة الداخلية ، أن الشمال مُعرَّضٌ لسلسلة من الموانع تُؤخِّر التفكير في تنميته التنمية الموسعة الشاملة كل المجالات المرتبطة ارتباطاُ وثيقاً بالمواطنين داخل إقليم يضم مدن: تطوان وشِفْشَاوِنْ و أَصِيلَةْ والعرائش والقصر الكبير. نسي من اعتمد النسيان عن قصد أن المدن المذكورة أنجبت من العقول النيِّرة ما تستطيع بأصحابها إناثا كُنَّ أو ذكورا كانوا تأطير كل الاختصاصات لتنطلق مشيدة بالعلم والتقوى وحب الوطن عوالم المستقبل على أرضية المتوفر من إمكانات مادية وفق برامج ممتدة مفعولها على سنوات خمس قابلة للتجديد فالتوسع لاستيعاب كل الحاجيات المتبوعة مباشرة بتغطية ما سبق وتمويل ما يلحق ، لكن التوجُّه الجديد صدَم الكل حينما ظهر عامل الزجّ بالإقليم في متاهات غريبة ، منها تعاطي الأخذ بأسباب ساهمت لحد بعيد في تخريب العقول على يد مروجي المخدرات ، و التضحية العلنية بالكرامة حينما شجَّعَ مَن شجَّع التهريب ليتولى دون سواه تمكين الأفراد المتعاطين حقله من توفير ميزانيات تكفي لاستمرار حياتهم على نمط لا علاقة له البتة بأخلاقياتهم ولا طموحاتهم داخل تلك المدن إطلاقاً. (يتبع)