السيمر / فيينا / الاربعاء 11 . 03 . 2020
رضوان العسكري
منذ 2003 وليومنا لم يظهر اهتمام من الساسة العراقيين بالدولة بقدر اهتمامهم بمصالحهم الشخصية والحزبية، والمكاسب المادية والمناصب الحكومية، وكيفية الحصول على المزيد من المقاعد النيابية لرفع عدد الوزارات، ومنافذ الكسب غير المشروع.
على مدى السنوات الماضية، لم يطرحوا مشروع وطني، سياسي او اقتصادي او اداري، مجرد صراعات حزبية ومعارك انتخابية، وجيوش إلكترونية معدة بأفضل المستويات التقنية لتسقيط اي مشروع وطني يطرح.
وقوع غالبيتنا تحت تأثير العقل الجمعي، جعلنا نرفض ونشكك في اي مشروع، قبل الاطلاع على تفاصيله ومدى قابلية تطبيقه على ارض الواقع.
طرح الحكيم جملة من المشاريع التي وأدت قبل ولادتها، والأسباب واضحة لا تحتاج لأدلة إقناعية إلا الخوف من نجاحها، لكيلا تحسب له او لتياره.
مشروع “انبارنا الصامدة” الذي قتل قبل ولادته، فلو كانت هناك آذان صاغية واستجابة حكومية لما وجدت داعش، ولما خسر العراق خيرة شبابه، أو هدمت المدن وثارت تغتصب النساء وتباع في أسواق النخاسة، أو يخسر العراق قرابة (الثلاثمئة مليار دينار).. في حين كان يمكن دفع كل ذلك بأربعة مليارات فقط.. وهي لا تساوي شيء قبال الدماء التي سالت لتحرير ارضنا.
تلاه مشروع “التسوية الوطنية” الذي اتفقت غالبية على اسقاطه، قبل طرحه بصفة رسمية، وكانت غايته سحب البساط من المخابرات الأجنبية، التي استغلت الخلافات السياسية لبناء احزاب جديدة وشراء ذمم أخرى، لتكون من أدواتهم للتحكم بالمشهد العراقي وقراره السياسي، وهي خطوة اراد منها اعادة الثقة بين الأطراف المختلفة وتخفيف حدة التوتر السياسي، وعزل الإرهاب عن السياسة الواقعية، وجمع الفرقاء لحل جميع الخلافات تحت الرعاية الأممية وتوثيقها باتفاقات مشتركة، لكن من يريد ان يكون هو المتسيد الوحيد على المشهد العراقي اسقط ذلك وأنهى اخر الآمال.
أخرها كان في الأول من رجب ذكرى شهادة الراحل محمد باقر الحكيم.. طرح مشروعا عراقيا وطنيا، وهو مشروع وحدوي يجمع الكل ويحطم مشاريع الاستتباع والانفصال، يحترم الانتماءات الفرعية ولا يقف عند حدودها، للنهوض بالعراق من حالة الضعف الى النجاح والبناء.
كان مشروعا يمنح الدولة القوة الحقيقية من خلال حصر السلاح بيدها, ليبدأ باستعادة السيادة وحدة واحدة غير مجزأة, واسترداد الديمقراطية من مخالب قوى اللادولة والفساد, وتعديل الدستور النافذ، بإعادة صياغة التشريعات السابقة وجديدة، على أساس المصلحة العامة للبلد، لا على أساس المصالح الفئوية والعنصرية والطائفية، للمحافظة على وحدة البلاد بأجمعه.
المشهد اليوم اصعب من ذي قبل، ففي السابق كان هناك طرفان يتحكمان بالقرار السياسي، الأحزاب السياسية والأيادي الخارجية، أما اليوم فهناك لاعب جديد وقوي وهم المتظاهرون.. لكن اليد الخارجية أصبحت اليد الطولى، حيث جعلت الاحزاب السياسية الطرف الأضعف، واصبح من الصعب عليها إقناع الشارع لأنه فقد ثقته بالسياسيين جميعهم على حدٍ سواء.
كالعادة ما ان يبدأ الحكيم بطرح المشروع الوطني، ستعلن الأحزاب السياسية والمخابرات الأجنبية حربها ضده، وسيموت المشروع خنقاً مع سبق الإصرار والترصد.
يحتاج الشارع الى وعي حقيقي، يدرك من خلاله المصلحة الحقيقية للبلد، ويميز بين الواقع والشعارات التي لا يمكن تطبيقها، فالاصلاح الحقيقي لا يأتي جملةً واحدة، بل يحتاج الى مراحل متعددة كي يتم تطبيقه على ارض الواقع.. هناك إرادات خارجية, ومافيات داخلية ومسلحة يصعب السيطرة عليها الا بتطبيق القوانين النافذة تدريجياً..
يجب للاستماع الى لغة العقل ومنطق الحكمة، والسير في البلاد بتروي وحذر شديد لكيلا يذهب في منزلق تصعب العودة منه، بفرض منطق اللادولة والهيمنة الفردية بالقوة، والا سيكون الثمن باهضاً.