أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / شهود عيان يروون لـ”سبوتنيك” اللحظات العصيبة في “ليلة سقوط الموصل”
يجب ان تجتث الأورام السرطانية من جذورها لكي لا تعود للنمو مرة أخرى

شهود عيان يروون لـ”سبوتنيك” اللحظات العصيبة في “ليلة سقوط الموصل”

السيمر / الثلاثاء 28 . 02 . 2017 — حياتي كانت طبيعية، وتجري وفق ما خططت له، كنت أحلم بلحظة التخرج من كلية علوم الحاسوب والرياضيات بجامعة الموصل، في السنة ما قبل الأخيرة، كل شيء بدا كعادته حتى ذلك الأربعاء الموافق الرابع من حزيران/يونيو 2014.
أكلمك عن هذا التاريخ — كنت امتحن نهاية السنة للمرحلة الثالثة، اجتزت امتحانين ووصلت إلى الثالث — في صباحه توجهت إلى الجامعة، وبعدما أديته وخرجت من القاعة بدا الوضع مربكا جداً، كان هناك انتشار أمني ونقاط أمنية وجنود في كل مكان، سمعت بأن حظرا للتجوال سيعلن خلال لحظات.
وأكملت الفتاة التي اختارت لنفسها اسماً وهميا هو “نور الهدى” من الموصل مركز نينوى شمال العراق، تبلغ من العمر 23 ربيعا، في شهادة أدلت بها لمراسلة “سبوتنيك” في العراق، عن ما حصل وجرحى عشية استيلاء “داعش” على المدينة، وجرائمه فيها وما فعل بالمدنيين منذ منتصف عام 2014 وحتى التحرير بتقدم القوات العراقية من محاور عدة.
“عدت للمنزل الذي أقطنه مع جدتي لأبي وأخي، لأدرس المادة الرابعة وهي ” Stochastic process” وأحضر لها جيدا لأنها كانت الأصعب تقريبا ً في المنهج — وفي مساء ذلك اليوم أعلن عن حظر للتجوال في عموم الموصل… لكني رغما عن ذلك واصلت القراءة ظنا مني أن الحظر سيرفع في صباح اليوم التالي.. وبدأت الاتصاﻻت الهاتفية تهطل علي من الصديقات يستفسرن مني ماذا يصنعن؟ يواصلن الدراسة أم ماذا؟ أخبرتهن أنني أدرس ولا أستعجل الأمور — كنت متأملة لكن الأمور بدأت تأخذ منحنى آخر.

ليلة سقوط الموصل
وقالت نور الهدى، في الجزء الأول من الحوار، بتنا نسمع عن ظهور مجاميع مسلحة في الجانب الأيمن من الموصل، وأن الأمور بدأت بالتدهور هناك…وحاﻻت نزوح تمت من أحياء الرفاعي ومشيرفة و17 تموز، وكذلك في الحي الذي أسكن فيه في الجهة الشرقية من المدينة لم يكن الوضع طبيعيا أيضا…نسمع أصوات إطلاق نار… واشتباكات تحدث في المساء… حتى أن بعض قذائف الهاون سقطت على الحي وأسفرت عن سقوط ضحايا.
ومر الوقت لتاسع من حزيران التاريخ المذكور، الأوضاع في الموصل نحو الأسوء، حينها علمنا أننا مقلبون على مرحلة صعبة — تركت دفتر المحاضرات الذي ﻻزمني طيلة تلك الأيام وأيقنت أن الامتحانات سوف لن تستكمل في الوقت الحالي.
وفي ليلة العاشر من حزيران “ليلة سقوط الموصل بيد تنظيم “داعش”، كان أفراد عائلتي نائمون إلا أنا كنت أدردش مع صديقتي على الفيسبوك، حتى الواحدة بعد منتصف الليل، وإذا بها تخبرني على عجل أن أشاهد قناة “الرافدين الفضائية”، قالت لي اتركي ما بيدك واقرأي الخبر العاجل… فذهبت مسرعة إلى التلفاز… وإذ بخبر بثته الفضائية يقول: “هروب جماعي لعناصر الفرقة الثانية والشرطة الاتحادية والمحلية من مدينة الموصل بفعل ضربات المقاومة!”.
بدء قلبي بالخفقان عن أي مقاومة يتحدثون؟ أدرت القناة إلى باقي المحطات علّني أجد ما يدحض الخبر لكن دون جدوى لم تظهر أي قناة ما قالته الرافدين، صرخت بأعلى صوت وجعلت جميع من في المنزل يستيقظون، وخرجنا إلى الشارع بفعل صياح الناس — تفاجئنا بالشارع كان مكتظا والجميع قد نوى الهرب — تساءلت في نفسي ما الذي يحصل ومن ماذا يهربون؟ قلت أهلي دعونا نذهب نحن أيضا، رد خالي إلى أين؟ الساعة الآن الثانية والنصف صباحاً ونحن ﻻ نملك سيارة حتى فأين وكيف نذهب؟.
أعادنا خالي إلى داخل الدار وقال لننتظر الصباح — بتنا ليلتنا تلك ونحن نفكر بما حصل وسيحصل، وقاربت الساعة الخامسة فجرا، حينها كانت الصدمة الكبرى — نادانا ابن خالي من سطح المنزل: تعالوا اصعدوا إلى هنا وانظروا إلى ما حصل.
صعدنا جميعنا وإذا بالسرية التي كان يقطنها بعض جنود عراقيين، مغطاة بالدخان — أخذنا نظرة دائرية “360 ْ” وأعمدة الدخان كانت تتصاعد من جميع الاتجاهات، حينها فقط علمنا أن الخبر الذي نشرته الرافدين كان صحيحا.
قضينا ستة أيام تقريبا في حظر التجوال ونفذ الخضار وأغلب الأساسيات لدينا، وفي صبيحة العاشر من حزيران (اسميه يوم النكسة) خرج أخي وخالي ليتفقدوا الأوضاع في المنطقة، وأخبرونا أن المدينة خالية من القوات العراقية — ولا جندي موجود، وأن هناك مسلحين قد حلوا مكانهم.
بعدها بيومين صار الوضع مستقرا بعض الشيء اصطحبني أخي في السيارة لنتسوق بعض المواد الغذائية التي نفذت، وصعقت لرؤية علم تنظيم القاعدة يعلو النقطة الأمنية في الحي، إنه علم القاعدة!! أين المقاومة والمجلس العسكري لثوار العشائر الذين كانت تتحدث عنهم قناتي التغيير والرافدين.. وقناة العربية الحدث أيضا؟.
في أول يومين — لازمت المنزل وقبعت خلف شاشة التلفاز أتابع الأخبار لم يرد اسم تنظيم “داعش” حتى، وبالأصل لم يكن التنظيم يعرف بـ”داعش” كل ما كنت أعلمه أن العلم الأسود للقاعدة الإرهابي.
بعدها توالت الأحداث وعلمنا أن من سيطر على الموصل هو تنظيم “داعش” الذي يسمي نفسه دولة الإسلام في العراق والشام، بدأ يستميل قلوب أهل المدينة وحاول جاهدا لكي يكسب رضاهم، قام برفع الحواجز الخرسانية التي كنا نشمئز منها وعمل على فتح جميع الطرق المغلقة، ورتب أموره على نار هادئة حتى وجد موطئ قدم له.
أنا عن نفسي لم أخرج من المنزل بعد خروجي الأول لخوفي من المجهول، مرت الأيام سريعا — حل شهر رمضان وفي يومه السادس على ما أظن ظهر زعيم التنظيم في جامع النوري الكبير “أحد مساجد العراق التاريخية” يقع في الساحل الأيمن للموصل، معلناً تنصيب نفسه خليفة للمسلمين حسب ادعاءه، ومن بعد الخطبة، بسط التنظيم نفوذه الكامل والتحكم بمجريات الأمور والحياة في المدينة.

إصدار القرارات
وتحدثت نور الهدى عن بدء تطبيق تنظيم “داعش” لخلافته المزعومة، في الموصل، بإعلانه قرارات أولها:
هو الاجتماع بالقساوسة المسيحيين، وإجبارهم على اختيار أحد أمرين، أما أن يبقون في ما أسماه التنظيم حينها بـ”أرض الخلافة”، ودفع الجزية “عبارة عن أموال” لقاء أمنهم، أو المغادرة وهجرة المدينة، مع مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة ضمن ما يُسمى “الغنائم”.
وطبعا تفنن تنظيم “داعش”، بإرهابه للمسيحيين في الموصل، وإعدام كل المسيحيين الذين يرفضون جميع الخيارات التي أتيحت لهم، ولكن لم نسمع هكذا حالات لأن الجميع غادروا المدينة — على ما أظن.
وتطرقت نور الهدى، إلى صديقتها التي كانت معها في الجامعة، من المكون المسيحي من سكان منطقة قرة قوش “بلدة سريانية تقع في محافظة نينوى، على بعد نحو 32 كم جنوب شرق مدينة الموصل”، بسبب الأزمة هاجرت إلى أستراليا وتابعت نور الهدى، المسيحيون الذين يرفضون الهجرة القسرية التي مارسها تنظيم “داعش” عليهم، خيروا ما بين الجزية، واعتناق الإسلام — في حي الحدباء سمعت عن عائلة مسيحية مكون من شخصين طاعنين بالسن زوج وزوجته، طرق عناصر تنظيم “داعش” الباب عليهما، خرجت إليهم المرأة العجوز وأخبروها بالقرار المذكور.
قالت المرأة المسيحية، للدواعش بعدما تلوا عليها فحوى القرار، وماذا تريدون مني الآن؟ قالوا لها أمامكِ فقط أن تدخلي الإسلام.
قالت: وكيف؟
قالوا: انطقي الشهادتين —
فنطقت وقالت: الآن أنا مسلمة؟؟
قالوا: نعم.
فدخلت المرأة وأغلقت الباب.
وغضب نور الهدى على ما حل بأبناء المكون المسيحي في نينوى التي تواجدهم فيها تاريخي ومنذ أقدم العصور، اتجهت إلى أحد عناصر تنظيم “داعش”، الذي فوجئت به عند قائمة الأصدقاء الخاصة بها في الفيسبوك، وتناقشت معه:
كيف تفعلون هكذا بالمسيحيين؟ وهم ذمة رسول الله، والرسول قد قال من آذى ذميا فقد أذاني؟ رد عليّ، وقال حكم الذمة انتهى!!!
قلت له كيف ينتهي والإسلام أحكامه تسر وفق كل العصور، تهرب من إجابتي واكتفى بالإجابة الأولى.

توالي الجرائم والقرارات
وبعدها تلقينا خبر مفجع وهو تفجير جامع ومرقد النبي يونس “أحد مساجد العراق الأثرية” في الموصل، ووصفت نور الهدى الخبر بالمحزن جداً لأن الجامع كان يمثل رمزية دينية لدى أهل المدينة.
وبعدها بدأ تنظيم “داعش” بفرض الحجاب الشرعي “الخمار” على النساء في الموصل، ونشر لافتات” في شوارع وأسواق المدينة، تحمل صورة امرأة برداء أسود من رأسها وحتى أخمص قدمها ولا يظهر منها أي شيء.
فرض الخمار علينا، واستعمل معمل الألبسة لأجل هذا الغرض — في البداية كان الخمار القصير هو الذي نزل للسوق، وحث تنظيم “داعش” الرجال على أمر نسائهم وبناتهم على لبس النقاب وإلا سيتعرضون لعقوبة الجلد.
اضطررنا ارتداء النقاب خوفا على رجالنا لأن تنظيم “داعش” هددنا بهم، وتعرضت الكثير من النساء للجلد والضرب بعصي ” نبات الخيزران” والإهانة لعدم التزامهن بالنقاب.
وفي أحيان كثيرة، يصادر عناصر ما يُسمى بـ”ديوان الحسبة” الخاص بتنظيم “داعش”، هويات أزواج وأبناء النساء اللواتي لا يلتزمن بحذافير الزي المفروض عليهن، ليتم جلده عندما يذهب إلى مقر الحسبة لاسترجاع بطاقة “هوية” الأحوال المدينة الخاصة به.
وعن عقوبة جلد “المحرم”، تشير نور الهدى، إلى تباين عدد الجلدات من شخص إلى آخر، لكن العقوبة لا تقل عن 25 جلدة فما فوق، واستذكرت حادثة حصلت لها ولعائلتها:
وفي بداية فرض الخمار… خرجنا لمدينة ألعاب الموصل، أننا مللنا الجلوس في المنزل، وبإلحاح من الأطفال — علينا ذهبنا لكي نستمتع نقضي وقتا جميلا ً بعيدا عن ما يحصل، دخلنا للمدينة مساءا بعد غروب الشمس، جلسنا في زاوية بعيدة عن الأنظار، واقترحنا أن نأكل طعام العشاء أوﻻ.
وبعد ذلك نقوم لنجعل الأطفال يلعبون بالألعاب، قمت أنا والبقية برفع الخمار عن وجوهنا لكي نستطيع تناول الطعام، وما هي إﻻ ثوان وعنصر الحسبة “اللعين” يقف فوق رؤوسنا، وبيده عصا “خيزران” وكأن نارا شديدة تخرج من عينيه غضبا، صرخ بوجهنا: كيف ترفعون الخمار؟ نهض زوج أختي إليه، وقال: هم يأكلون — كيف يأكلون والخمار على وجوههن؟؟ قال لنا: الفعل ليس صاروخا يحتاج إلى علم، ليأكلن من تحت الخمار — هيا قوموا اخرجوا من المدينة.
كان زوج أختي يشتاط غضبا، وقفزت من مكاني إليه وهدأت من روعه خوفا على روحه، وقلت له هيا نرجع للبيت، ولا أريد أحد يقول على فسحة “في عبارة موجهة إلى الأطفال”.
ونكمل في أجزاء أخرى تباعاً، نشر ما أخبرتنا به نور الهدى، من جرائم وانتهاكات ارتكبها تنظيم “داعش” بحق أهالي الموصل المدينة التي تشهد حاليا عمليات تحرير مستمرة ومتقدمة للقوات العراقية في معركة انطلقت منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.

سبوتنيك

اترك تعليقاً