الرئيسية / مقالات / لماذا “جيش المالكي الصفوي” أصبح “جيشنا” … بعد “الحشد الشعبي”؟2/1
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

لماذا “جيش المالكي الصفوي” أصبح “جيشنا” … بعد “الحشد الشعبي”؟2/1

محمد ضياء عيسى العقابي

نعم، بالأمس كان الإعلام الأمريكي والإعلام السعودي الأردوغاني القطري وإعلام الطغمويين(1) والبرزانيين وإعلام القيادات الفاشلة والمستثقفين يلهجون ليل نهار بأن الجيش العراقي هو جيش طائفي فاسد وله ولاء لدكتاتور طائفي صفوي هو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي. حتى أن السيد مسعود البرزاني كتب، قبيل سقوط الموصل، الى قائد عسكري في المدينة ممن يأتمرون بأمره قائلاً: داعش لا تستهدفكم بل تستهدف جيش المالكي والأمر لا يهمكم فانسحِبوا. (أدلى بهذه المعلومة النائب عن الموصل السيد عبد الرحمن اللويزي عضو لجنة التحقيق في سقوط الموصل الذي قال في فضائية الحرة – عراق إن هذه المعلومة وردت للجنة قبيل إنهاء عملها بقليل على هيئة رسالة محررة بالكردية وصادرة عن السيد البرزاني(2).)

بعد تماثله للشفاء من طلقة قناص داعشي أصابته في رجله في منطقة الحميرة على بعد (100) متراً من الرمادي، عاد نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار السيد فالح العيساوي الى الجبهة وصرح من هناك تصريحاً نقلته فضائية (الحرة – عراق) في نشرتها الإخبارية ليوم 11/9/2015 بأن “الجيش العراقي على الجبهة يقاتل بإستماتة وإخلاص وشرف وأن هناك بعض السياسيين وبعض شيوخ عشائر كانوا ينشرون الدعايات المسيئة لهذا الجيش.”

للعلم فإن السيد فالح العيساوي لم يكن من بين الوفد الذي ترأسه رئيس مجلس المحافظة صباح الكرحوت والمحافظ صهيب الراوي ومستشاره السياسي حكمت سليمان والذي ذهب الى واشنطن طلباً للسلاح بالإستفادة من مشروع القانون الأمريكي الذي أراد التعامل مع كردستان والمناطق السنية كدول مستقلة يمكن تجهيزها بالسلاح دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد!!!!

أشاع وردد أصحاب المصالح المشار اليهم في السطور الأولى ما قاله الأمريكيون وأعوانهم: هرب الجيش(3) واستسلم أمام (700) داعشياً أجنبياً لا يعرفون شيئاً عن جغرافية العراق والموصل فاحتلوها بلمح البصر واستولوا على كم هائل من الأسلحة وعلى خزينة المحافظة البالغة نصف مليار دولار(4)!!!

كان هذا يوم كان الجيش سنداً للحكومة، رغم كل عيوبه الحقيقية الجمة التي كانوا يعرفونها ويغفلونها تعمداً كي لا يجري اصلاحها بـ”التوافق” الذي فرضوه بالإبتزاز(5) وكي يبقى العراق دائم الحاجة الى الوجود الأمريكي الذي ينفع الطغمويين لإستعادة سلطتهم وينفع الفاشلين والمستثقفين لكسب معركة “الحريات أولاً” المفتعلة. من تلك العيوب أذكر التالية تحديداً:

– أسلوب تشكيله وفق مخططات أمريكا المكرِّسة للطائفية(6)،

– تعمّد أمريكا في جعله جيشاً ناقص التدريب والتسليح بحجة خوف الجيران من جيش عراقي قوي،

– وضع القادة غير المناسبين في المواقع غير المناسبة كفرض رئيس لأركان الجيش لمدة عشر سنوات وهو برتبة ملازم أول هارب من الخدمة فأصبح برتبة فريق بقدرة قادر(7)!! ،

– إعادة 80% من ضباط الجيش الطغموي السابق إليه من رتبة عقيد فما دون(8)،

– فتح باب الدخول للجيش لجميع الضباط السابقين دونما تقييد(9) بضغوط ابتزازية أمريكية طغموية بحجة المصالحة على المقاس الأمريكي – الطغموي الخادع الغادر الذي لم ينتج سوى الإرهاب ومآسيه التي حصدت أرواح أكثر من مائة ألف مواطناً وأكثر من نصف مليون جريح بسيارات مفخخة جرى تصنيعها في مصانع ضُبطت بعد التطهير في جرف الصخر وديالى وتكريت والضلوعية والعلم والدور وأطراف سامراء والصقلاوية وجزيرة الخالدية والكرمة وبعض مناطق الرمادي والموصل وكركوك وهي الأماكن التي ينحدر منها معظم أولئك الضباط ومعظم السياسيين الطغمويين الذين صاروا يُدعون بسياسيي داعش أو الذراع السياسي للإرهاب ومن بينهم كان (17) نائباً متهماً بالإرهاب طالب مجلس القضاء برئاسة القاضي مدحت المحمود رفع الحصانة عنهم تمهيداً لإستجوابهم لكن رئيس مجلس النواب آنذاك أسامة النجيفي لم يستجب للطلب علماً أنه طلب روتيني بحت حسب الإختصاص،

– عدم إحترام أمريكا عقد بيع طائرات (ف-16) رغم دفع أثمانها وعدم إيفائها بتجهيز الطائرات لسنين عديدة. ولحد الآن لم تجهز سوى (4) طائرات دخلت الخدمة يوم 2/9/2015 بعد أن ضمنت أمريكا سقوط الأنبار (بعد الموصل) بيد داعش وطائرات أمريكا تسيطر على أجواء المنطقة نيابة عن التحالف الدولي. للعلم فإن مصر، على سبيل المثال لا الحصر، تمتلك للإحتياط فقط (320) طائرة من النوع المذكور على ذمة الخبير العسكري الطيار السابق الدكتور أحمد الشريفي.

– تطوع بعض العراقيين (بعضهم عن خبث وآخرون بحسن نية لم تخلُ من السذاجة) وبرروا لأمريكا هذا الغدر بالقول أن أمريكا تخاف من وقوع الطائرات بيد إيران؛ وقالوا أيضاً: أمريكا ليست جمعية خيرية!!. هذا رغم أن أمريكا فرضت رئيس أركان الجيش المنوه عنه سلفاً وفرضت قائداً للقوة الجوية وكلاهما ليسا “صفويين” كما فرضت طيارين تدربوا في أمريكا بتشكيلة لا أقرأ فيها البراءة على الوجه التالي: 20 كردياً و7 شيعة و7 سنة و6 مسيحيين. أقول: رغم سخافة التبرير، دعونا نؤمن بصحته جدلاً. عندئذ، أما كان لزاماً أخلاقياً، إذا نسينا القانون الدولي، على أمريكا أن تكون صادقة وتلغي عقد البيع لا أن تنتظر، بتقديري، كي تهيمن على القرار السياسي العراقي لتؤجج حرباً مع إيران ويجري “تجهيز” العراق بالطائرات بلا حساب ربما بتمويل سعودي. المهم تدمير إيران وسوريا لصالح إسرائيل والهيمنة الإمبريالية.

كما لا يوجد ساذج في هذه الدنيا لا يعرف أن أمريكا أبعد من أن تكون جمعية خيرية؛ فهي، في واقع الحال، زعيمة الإمبريالية العالمية ومن خيراتها ما يجري في العراق قبيل وبعد داعش وما يجري في فلسطين وخاصة في قطاع غزة وسوريا وليبيا واليمن ولا أذكر أكثر فالقائمة تطول.
ولولا الأذى الذي ألحقته أمريكا ببلادنا وبالبلدان العربية مباشرة ، لما تطرقتُ الى هذه الحقائق وذلك لكي أكون “براغماتياً حباباً” أنسى الإمبريالية والأدلجة الرصينة والسيادة الوطنية والإستقلال وأركز على شعار “الحريات أولاً” في بلد متخم بالحريات وليس فيه سجين رأي واحد(10)، وهكذا ألحق بغيري من “غير الطائفيين”!!

– دار رئيس إقليم كردستان السيد مسعود برزاني على كافة الدول المصدرة للسلاح تقريباً محذراً إياها من تسليح العراق وطالباً السلاح لإقليم كردستان دون أن ينبس المذكورون في الهامش (18) ببنت شفة!!!!

– لما يئس رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي من إمكانية تجهيز العراق بالأسلحة النوعية والطائرات من أمريكا خاصة بعد ثباته على مواقف مبدئية شجاعة أثارت حنق الأمريكيين كما سآتي عليها لاحقاً – لما يئس إتجه نحو روسيا الإتحادية لتجهيز العراق بالسلاح. وهنا رأينا العجب العجاب من الطغمويين وغير الطغمويين داخل مجلس النواب وخارجه بهدف عرقلة الصفقة بشتى الوسائل الدنيئة(11).

– ومن ثم جاء دور التجريح والتأليب من مسؤولين داخل العملية السياسية أمثال الدكتور صالح المطلك(12)، نائب رئيس الوزراء، والسيد أسامة النجيفي(13)، رئيس مجلس النواب، وأثيل النجيفي، محافظ نينوى(14)، ورفاقهم من سياسيين ودينيين يوم كانوا يحقّرون الجيش ويحرضون عليه بكيفية وصورة تشعرانك وكأن عملهم مبرمج وممنهج.

– شارك في التعتيم على هذه الحملة الظالمة وساهم في التشويش إعلام هواة التسقيط التائهين الفاشلين الذين فقدوا بوصلتهم فاستحوذ عليهم الفكر الأمريكي ولعب بهم وأرعبهم ببعبع “ولاية الفقيه”، مثلما كان يفعل أيام الحرب الباردة بالتخويف من “بعبع الشيوعية والإتحاد السوفييتي”.

نعم، كان هذا النيل من الجيش معنوياً ومادياً يوم كان ذلك الجيش القوة الأساسية الثانية، بعد الشعب وتليهما مجالس الإسناد العشائرية المشَكَّلة من قبل المالكي إضطراراً لتلافي عيوب الجيش وضعفه ولو جزئياً، يوم إعتمدت عليه الحكومة التي قادها التحالف الوطني بزعامة إئتلاف دولة القانون ونوري المالكي في ضرب الإرهاب وتنفيذ حملة فرض القانون (التي سخر منها الدكتور أياد علاوي في حينها!!) وإدارة الصراع الخفي لعدم منح الأمريكيين قواعد عسكرية(15) والمحافظة على الثروات النفطية(16) وإخراج القوات الأمريكية وإستعادة الإستقلال الوطني والسيادة الوطنية والتخلص من طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومحاولة إعادة بناء الدولة على أسس مؤسساتية ديمقراطية ومقاومة الضغوط لزج العراق في حرب ضد إيران ورفض المشاركة في “الجهد الدولي” لتدمير الدولة والجيش السوري والمقاومتين الفلسطينية واللبنانية وتصفية القضية الفلسطينية؛ ومقاومة إبتزاز وتخريب وفساد وإفساد كمٍّ هائل من الأعداء في الداخل والمنطقة والخارج وهم من ذوي الإمكانيات المادية والإعلامية والتدميرية الإرهابية الهائلة وكان الطغمويون (ومازالوا) متواجدين حتى في قلب العملية السياسية. كانت دوافعهم جميعاً مصالح متنوعة غير شرعية ومنافية لمصالح العراق الجديد الطامح الى بناء مجتمع ديمقراطي مؤسساتي يحقق الكفاية والعدالة الاجتماعية.

لاحقوا الجيش بضراوة لأنه كان سند العراق الديمقراطي وكانوا سيفعلون ذلك حتى لو كان غير المالكي قائداً عاماً له، لأن المهم لديهم نزع أنياب الديمقراطية العراقية سواءً بإضعاف الجيش أو إضعاف الدولة سياسياً ومحاولة جعلها تخدم مصالحهم. ألم يحضر بعض السياسيين والبرلمانيين الطغمويين، كالنائب أحمد المساري رئيس المجموعة النيابية لكتلة “متحدون” التي يقودها أسامة النجيفي، آخر مؤتمر في الدوحة قبل أيام معدودة موجه ضد العراق وأمنه وسيادته؟ فأين التوافق وحكومة المقبولية؟ المهم ضرب الدولة كيفما وأينما توفرت الفرصة.

ماذا جرى، إذاً، حتى إنقلب “الجيش الصفوي” و “جيش المالكي” الى “جيشنا” حسب آخر تقليعة لفخري كريم صاحب مؤسسة المدى وعدنان حسين رئيس تحرير صحيفة المدى وصاحب مقال “جيشنا الجديد”(17)، وغيرهما من “الموالين” لمسعود البرزاني بشكل أعمى دون كلمة نقد واحدة توجه له وهو الذي حكم كردستان منذ عام 1992؟(18)

“نزع أنياب الديمقراطية العراقية”…. هو الجواب. ولكن كيف؟

شعر كارهو الطموح نحو ديمقراطية عراقية مكتملة المؤسسات، بعد فشل مؤامرة إدخال داعش الى العراق بهدف احتلاله بالكامل وإحداث تغيير ديموغرافي – شعروا أنه قد برز على الساحة العراقية ما هو أشد من الجيش اللملوم إبن التوازن والمصالحة المغشوشتين، حسماً وعزماً على حماية الطموح الديمقراطي ودفعه للأمام لإستكمال الثورة السيستانية الوطنية الديمقراطية(19) وحماية الدولة العراقية الجديدة الفتية ألا وهو الحشد الشعبي الذي تشكل بناءً على دعوة مرجعية السيد علي السيستاني للجهاد الكفائي الموجهة لكافة العراقيين.

فما الحيلة، إذاً، لنزع تلك الأنياب الصلبة الحادة من الحشد الشعبي؟

الجواب: محاولة تسقيط الحشد الشعبي مثلما حاولوا بالأمس تسقيط الجيش. ولكن كيف السبيل الى ذلك؟

لا تعوز التخريب الحيل؛ فالهدم سهل لا كما هو حال البناء، إضافة الى جهود غرف العمليات المنشغلة على طول الخط بالهم العراقي والعاملة في العواصم التي يعرفها العراقيون جيداً.

دعنا نضرب الجيش بالحشد الشعبي على قاعدة “فليكسِّر الفخار بعضه البعض” و “دع نارهم تاكل حطبهم”!!! – كان هذا لسان حالهم.

بالمناسبة، مثلما حاولوا تسقيط الجيش ثم عادوا و”منحوه” شهادة الوطنية عندما إقتضت تكتيكات مصالحهم ذلك، فعلوا المثل مع المرجعية الدينية في النجف حيث كانت بالأمس في كلامهم الدعائي تريد ولاية الفقيه وموضع تندر لعلاوي وطارق الهاشمي(20) واليوم أصبحت “المرجعية الرشيدة” بالتوازي مع الإنقلاب نحو “جيشنا”. ليت الإنقلاب صادق وليس تكتيكياً.

سؤال: إذا كان الجيش ذلك الفاسد كما كانوا يدّعون، فهل من المعقول أنه أصلح حاله في بضعة أشهر؟ أم أن التكتيك المصلحي هو الذي أملى ويملي اللعب بهذه الورقة أو تلك من أوراق الكلام الدعائي التسقيطي؟

أول من بدأ حملة التحشيد ضد الحشد الشعبي ومحاولة تسقيطه هم القادة الأمريكيون بدءاً بتذمر قائد الأركان الأسبق الجنرال مارتن ديمبسي من دعوة السيد السيستاني للجهاد الكفائي وذلك في مؤتمر صحفي له بعد إنطلاق الدعوة بأيام معدودة، مروراً بتشويه صورة الحشد وصورة الانتصارات التي حققها في صلاح الدين ومحاولة عرقلتها وعرقلة عمليات تحرير الأنبار وتأجيج المشاعر الطائفية، ومن ثم العودة الى التكتيك الأمريكي المعروف الرامي الى زرع الفتن وخلق النزاعات الداخلية بين الفصائل الوطنية كتصنيف كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق كـ”ميليشيات تابعة لإيران” كما فعلوا مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بالأمس(21) وكأن الحشد هو ميليشيات أي خارج على القانون وأن ايران الصديقة هي إسرائيل أو داعش.

للأمريكيين خبرة واسعة جداً في عراك الشعوب فلا يصعب عليهم الإفلات من المواقف الحرجة خاصة وأن لديهم ماكنة إعلامية جبارة. ما أن وجدوا أن تشكيل الحشد الشعبي ألهب حماس الجماهير العراقية المناصرة للديمقراطية بسبب توفير الحشد الطمأنينة للجماهير على مصير ديمقراطيتها ودرء شرور داعش وأذرعه السياسية داخل العملية السياسية والمحيط مما جعل المخططات الأمريكية للهيمنة على القرار السياسي العراقي ومن ثم على سوريا ولبنان وايران والمنطقة عموماً تحت غطاء محاربة داعش، تصطدم بجبل الإرادة العراقية الرافضة – أظهر الأمريكيون حنكتهم في تلافي العزلة فطلبوا من “أصدقائهم” في الأنبار تشكيل حشد شعبي يطالب بتدخل عسكري أمريكي على الأرض. وهذا ما حصل يوم 14/9/2015 حيث ظهر على شاشة فضائية (الحرة – عراق) في نشرتها الإخبارية – ظَهَرَ قادة في الحشد الشعبي الأنباري يطالبون بقوات أمريكية تقاتل داعش، أمثال: العقيد عبد العليم سويد والرائد محمد ثلوج مدعومين بسياسيين وهم إبراهيم الحسن وحكمت سليمان الذين يبدو أنهم على دين صباح كرحوت رئيس مجلس محافظة الأنبار الذي قاد وفداً راح الى واشنطن لطلب السلاح، وهو عمل خياني من وجهة نظري.

غير أن شيوخ الأنبار الوطنيين الغيارى وما أكثرهم الذين لا يسع المجال لذكرهم جميعاً، تصدوا لتلك المحاولات اليائسة وأكدوا على وحدة العراقيين والحشد الشعبي من جميع مناطق العراق. وهكذا صرح المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي بتأريخ 16/9/2015 بأن الحشد لم ينسحب من أي موقع وليس هناك من قوات أمريكية على الأرض العراقية لغير أغراض التدريب والاستشارة بموافقة الحكومة العراقية.

لم ينسَ الأمريكيون “مجنيدهم” الفكريين من مستثقفي العراق ليزجوهم في معركة فرض تغييرات سياسية لصالح الهيمنة الأمريكية فإخترعوا لهم لعباً لتشويش الجمهور بطنينها إذ حاولوا إرعاب الناس من الحشد الشعبي بعد إنجاز مهمة تحرير الأنبار والفلوجة والموصل. قالوا: هل سيحررون وكفى أم سينتقمون؟ هل سيخرجون من المناطق التي يتم تحريرها أم سيستقرون فيها ويطردون أهلها؟ هل سيتناحرون مع الحكومة أو فيما بينهم على السلطة؟ وللطغمويين نغمة نشاز أخرى تقول: هل يجوز تحرير الأراضي بغير أهلها؟ إذاً يجب تدريب أهلها وتسليحهم من قبل الأمريكيين الذين طالما حمّلهم السيد صالح المطلك المسؤولية “الأدبية” لنجدة الطغمويين الذين يسميهم المطلك بـالسنة ظلماً وبهتاناً.

إن الأمريكيين يفعلون كل ذلك لأنهم يخافون الشعب العراقي وحشده الشعبي ويعرفون مدى تقدم وعيهما ووطنيتهما على وعي مستثقفي وطنه والقيادات الفاشلة التائهة، ويعرفون مدى توحد الشعب وإحتضانه للديمقراطية لإدراكه كونها الضامنة لحياته من الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي والعرقي والكفيلة بتحقيق التعايش السلمي لمكوناته على أسس عادلة، ويعرفون تمتعه بعقيدة قتالية قوية قائمة على المواطنة، ويعرفون أنه بقي خط الصد الوحيد ضد الفكر الامبريالي بعد تخلي الكثيرين عن هذه المهمة الوطنية، ويعرفون التفافهما حول المرجعية(22) وهي قيادة حكيمة قضّت مضاجعهم وفرضت الديمقراطية السليمة بعد محاولات تشويهها وتفريغها من محتواها؛ وهي، المرجعية، التي كانت الداعم لحكومة التحالف الوطني يوم أخرج القوات الأمريكية من العراق واستعاد للوطن سيادته واستقلاله، ويعرف الأمريكيون دور المرجعية التأريخي في قيادة ثورة العشرين التي أجهضها البريطانيون بالتعاون مع الطغمويين وإستغفال الديمقراطيين(23). يعرف الأمريكيون أن المرجعية قادرة على زج عشرين مليون مواطناً في حركة احتجاجية أو عصيان مدني سلمي ضدهم حيث لا تنفع الصواريخ ولا الترسانة النووية، لذا مالوا حيث ينفع الخبث السياسي والإرهاب فقط لإحداث التفرقة والتمزق، وهذا حبله قصير أيضاً.

الإرباك مستمر على جميع الجبهات ومنها جبهة الحشد الشعبي. خرج علينا موقع فضائية (الحرة – عراق) بتأريخ 17/9/2015 بتقرير مفاده أن هناك صراع بين السيستاني وخامنيئي حول فرض “ولاية الفقيه” وقد إستشهدوا بمساهمات لـ “أصدقاء” لأمريكا معروفين كسرمد الطائي وأحمد عبد الحسين. لا شيء يؤيد هذا الإدعاء لا التأريخ الشيعي لمرجعية النجف وموقفها حيال “ولاية الفقيه” ولا عقلانية السيستاني وخامنيئي اللذين يدركان الفروق الكبيرة في التنوع السكاني الديني والمذهبي للبلدين مما لا يدع مجالاً للأخذ بغير الدولة الديمقراطية المدنية المبنية على أساس المواطنة وقد قطع العراق شوطاً مهماً على طريقها رغم المؤامرات المتنوعة بضمنها المؤامرة الداعشية.

السيد جاسم الحلفي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والقيادي في التيار المدني الديمقراطي، “مولع” بالحكم المدني لدرجة العمى لكنه إدعى أنه رأى بأم عينه الشغف بالحكم المدني في ساحات الإعتصام في الرمادي ولم يرَ المدلل داعش هناك أبداً. قال : “إنهم يطالبون بالحكم المدني”. ولكنه لم يسمع الشيخ سعيد اللافي يصيح “نمنع دخول عبد الزهرة الى الرمادي” ويجيبه خطيب جمعة ساحة اعتصام الفلوجة الشيخ عبد المنعم البدراني وهو ينادي أردوغان: “تعالَ الى بغداد لتحريرها من الصفويين كما فعل جدك محمد الفاتح!!!” وكلاهما صرخا بعد صرخة النائب الدكتور أحمد العلواني حيث وصف أبناء جلدته الشيعة بـ”الخنازير أولاد الخنازير” ورفع شعار: “قادمون إليك يا بغداد” ….. ربما لنشر الحكم المدني الذي مازال يطالب به في تظاهرات ساحة التحرير السيد فاضل ثامر، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وكأن هذا الحكم غير موجود!!!

الغريب أن هناك من قال إن الحشد الشعبي سيضرب الدولة المدنية. هنا لفّتنا الحيرة. فهل هناك دولة مدنية يخافون عليها من الحشد الشعبي؟ أم لا وجود للدولة المدنية؟ وعندئذ نسأل: لماذا، إذاً، القلق من الحشد الشعبي على دولة مدنية غير موجودة أصلاً؟

أليس المهم هو ضرب النظام بأية تهمة حسب المناسبة ولا يهم إذا تناقضت التهم مع بعضها؟(24)

قال السيد جاسم الحلفي (فضائية الحرة – عراق / برنامج بالعراقي) رداً على سؤال حول رايه بالحشد الشعبي – قال إنه يريد أن يرى الجيش العراقي يقوم بالمهمة. قالها، بغصة، دون كلمة اشادة واحدة بالحشد الشعبي لتصديه للخطر الداعشي الداهم الذي لا ينتظر حذلقات السيد الحلفي. ليته ترك عقلية التسقيط(25) وشخّص الظروف والأسباب الحقيقية التي حالت دون تأسيس جيش عراقي مهني قوي لا نحتاج معه الى حشد شعبي، بل وما كانت لتظهر داعش وغير داعش أصلاً. لم ينسَ السيد الحلفي خطورة الأوضاع الأمنية وحسب، بل إنه نسيَ حتى تجربة المقاومة الشعبية يوم هدد الطغمويون ثورة 14 تموز ومع كل الاحتياطات ظفر الطغمويون بها بمساعدة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية يوم 8 شباط 1963 الأسود(26)، ومزقوها أيما تمزيق وعانى العراق ما عانى حتى يومنا هذا.

هذا هو ، إذاً، السر الذي جعل “جيش المالكي” و “الجيش الصفوي” ينقلب الى “جيشنا”. إنه الكيد الذي أسرفوا في التعويل عليه للتخريب. عليه سيبقى الحشد الشعبي مستهدفاً من الأطراف المعادية للعراق الديمقراطي وعلى الشعب اتخاذ جانب الحيطة والحذر من التخريب المبرمج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نظراً لطول المقال والهوامش، لذا إرتأيت أن تكون الهوامش منفصلة عن المقال وكجزء ثان متمم له.