احمد الشرقاوي / مصر
‘آل سعـود’ ونظريــة ابـن خلــدون..
لعبـة إشعال الحرائق، هي ما تبدع مملكة الشر والإرهاب “السعودية” في إتقانها بإخلاص وتفان ضدا في الدين والأخلاق والقوانين.. ليس بسبب ذكائها أو قدرتها الفائقة على تجنب تداعياتها الكارثية، بل بسبب دورها المرتبط عضويا بالمشروع الصهيو – أمريكي، والذي تستثمر في سبيل إقامته مبالغ مهولة من أموال الريع، لتزييف وعي الشعوب، حتى تظل كرة النار مشتعلة تتدحرج من بلد إلى آخر، إلى أن يتحول الوطن العربي إلى خراب ينعق فوق أطلاله الغراب..
عدو “السعودية” الأكبر والأخطر، هي ثورة الشعوب المستضعفة، بسبب ما وصفه المفكر الفرنسي الكبير “بيير بورديو” بـ “النزعة العنصرية” التي قلما ينتبه لها المحللون في تناولهم لأسباب الصراعات التي تعصف بالعالم والمنطقة، وخصوصا ما له علاقة بتوظيف الإرهاب لتحقيق غاياتهم الدنيئة، ذلك أن “النزعة العنصرية” للحكام هي الأكثر قابلية للتخفي، والأكثر قدرة على إنتاج وتبرير نظام اجتماعي يسيطرون عليه، لا لسبب سوى أنهم يعتقدون أنهم خلقوا من طينة أسمى من طينة الشعوب..
هذه النظرية هي التي استند إليها عالم الاجتماع الفرنسي ‘إمانويل تود’ فوضع لها أطروحة جديدة فجر من خلالها مؤخرا النقاش واسعا في الساحة الفكرية والسياسية على خلفية أحداث “شارلي إيبدو”، وفق قراءة مقتضبة قدمها قبل أسبوع د. خالد يايموت، بسبب ما أحدثته هذه الأطروحة الشجاعة من ضجة إعلامية كبيرة نالت إعجاب المفكرين واهتمام كبريات الصحف والفضائيات العالمية.. حيث فضح ما أسماه بتزييف الوعي من خلال ربط الإرهاب بالإسلام، معتبرا هذا الربط محاولة خبيثة من العنصريين المسيحيين والصهاينة اليهود لاستنهاض الرأي العام ضد الأقليات المسلمة التي يحق للغرب التطاول على مقدساتها باسم حرية التعبير، لكن يرفض هذا الغرب المنافق الذي يكيل بمكيالين أن يتطاول أحد على قيمه ومعتقداته، وخصوصا ما له علاقة بالمراجعة التاريخية العلمية للهولوكوست بسبب ما شابه من تزوير وتضخيم..
والحقيقة، أن العالمين المشار إليهما أعلاه، وإن نجحا في وضع الأصبع على الجرح لتوعية الناس بحقيقة الصراع وطبيعته وأهدافه، إلا أنهما لم يكشفا جديدا، لأن ما طرحاه، وإن كان يختلف في التفاصيل، إلا أنه يتفق من حيث الجوهر مع ما سبق وأن قال به قديما العالم العربي ابن خلدون بحديثه عن “العصبية القبلية” التي اعتبرها السبب والمحرك الأساس لكل حروب العرب.. ومعلوم أن لا أحد إلى يومنا هذا في الشرق والغرب استطاع أن يتجاوز نظريات ابن خلدون في التاريخ والاجتماع السياسي، لكن المشكلة تكمن في أن المثقفين العرب، وبرغم ما تركه لهم هذا الرجل العبقري من أفكار ثمينة، لم يستطيعوا البناء عليها في بحوثهم ليطوروا معارف شعوبهم، وهذا موضوع آخر يحتاج لبحث طويل..
هـدف ‘آل سعــود’.. اغتيــال حلــم الشعــوب
هذا الطرح الفكري الجديد لـ”النزعة العنصرية” لدى الطبقة المسيطرة بالنسبة للعالم العربي، ينقض كل ما قالت به البحوث السياسية والاجتماعية الحديثة من أن العقيدة الدينية هي منبع الإرهاب، وأن الفقر والبطالة هما الحاضنة الأساسية لتفريخه، ما يقودنا حتما للبحث عن السبب الحقيقي لاحتضان “السعودية” للفكر التكفيري العنصري، والدافع الذي يجعلها تتحول إلى إطفائي كلما أشعل نارا صب عليها المزيد من الزيت لإيهام المغفلين بأن مملكة الشر والظلام حريصة على أمن واستقرار وسلامة العرب والمسلمين.. في حين أن هدف ‘آل سعود’ النهائي هو اغتيال حلم الشعوب بالتحرر والنهضة، وعدوها الأكبر والأخطر هي “الثورة”، ومن أجل الحيلولة دون ذلك، حولت أوطان العرب إلى خراب ينعق فوق أطلاله الغراب..
وبرغم أن نظام ‘آل سعود’، باعتباره نظاما قبليا رجعيا متخلفا يقوم على أسس دهرية قهرية عتيقة تنتمي لعصر ما قبل العصر الصناعي، إلا أنه وبقوة المال وسطوة الإعلام المؤدلج، نجح في هدم النظام القومي العربي وتخريب النظام الإسلامي “السني”، ساعده في ذلك فساد الأنظمة وجهل الشعوب وتقاعس النخبة عن القيام بواجبها التنويري، باعتبارها تمثل ضمير الأمة الحريص على أمنها الروحي..
والسؤال الذي يطرح نفسه بالمناسبة هو: كيف نجح النظام السعودي الرجعي المتخلف، الذي يفتقد إلى الشرعية الدينية (البيعة) والتي لا تنعقد إلا على شرط الجهاد بالمفهوم القرآني، والشرعية السياسية القانونية التي لا تستقيم إلا بشرط الاستفتاء الشعبي وفق المفهوم الدستوري.. في فرض نفسه كأخ أكبر وصي على مصير العرب ومستقبل عيالهم، وزعيم للمسلمين السنة ناطق مقرر باسمهم؟..
هذا الوضع الشاذ والغريب الذي يوجد عليه نظام ‘آل سعود’ القروسطي اليوم، والذي لم يعد قائما نظيرا له في العالم منذ أن انتهى نظام الأسر والقبائل بانهيار عصر الإقطاع وبداية عصر الشعوب، يجعل من الشعوب العربية أضحوكة في نظر الغرب، ويجعل من ‘آل سعود’ من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي الحديث، مجرد عصابة من قطاع الطرق المجرمين الذين استولوا على السلطة والثروة في شبه الجزيرة العربية بمنطق الغلبة والقهر، ضدا في إرادة الشعب التي هي من إرادة الله، فأقاموا نظاما مستبدا فاسدا غير قابل للإصلاح، وعميلا مفسدا يستقوي بأسياده من غضب الشارع في حال حصل الوعي وانفجر البركان وأزفت ساعة الحسم.
وللتعويض عن هذا الخلل البنيوي في السلطة ومحاولة تجييره بلمسة شرعية على المقاس، لم تجد عصابة ‘آل سعود’ بدا من استغلال الدين في السياسية كسلاح ناجع وفعال لتدجين الناس، باعتماد ما يزخر به التراث القديم من جهل في كتب الفقه والتفسير، أقامت على أساسه، بمساعدة الاستعمار البريطاني البغيض، منظومة دينية مشوهة إلى أقصى الحدود عن الإسلام السمح الجميل، سمتها “الوهابية”، وقالت أنها حركة تصحيحية لإعادة الناس إلى الدين القويم، وفق أدبيات “التوحيد الجديد” لمحاربة كل أنواع الشرك والبدع المهلكة التي ابتدعها نبيهم محمد بن عبد الوهاب، متأثرا بالمذهب الظاهري الذي وضعه أحمد بن حنبل، وطوره من بعده نحو مزيد من التشدد الحاخام ابن تيمية له من الله ما يستحقه..
وبفضل مال الحج والريع الحرام، استثمر ‘آل سعود’ ميزانيات فلكية في نشر هذا الوباء السرطاني في كل أصقاع العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، وفق خطة شيطانية مدروسة بأهداف بعيدة المدى، ساعدهم في ذلك فقهاء جهلة يقولون للناس هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، وما هو من عند الله، فويل لهم مما كسبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون..
.. نجحت الخطة الجهنمية وأهل السنة والجماعة نيام كأهل الكهف، فابتلعت “الوهابية” كل المذاهب والتيارات والمدارس الفكرية الإسلامية التي اشتهر بها أهل السنة، والمعتزلة، والأشاعرة، والصوفية أيضا… فألغتها وكفرت من يعتقد بها لأنها من باب البدع والضلال، وحولت المؤسسات الدينية في الوطن العربي إلى مؤسسات شكلية فاقدة للسلطة المعنوية والشعبية..
وبذلك، تحول الدين إلى كهنوت حين أصبح الخطاب الرسمي هو ما يصدر حصرا عن حاخامات “السعودية”، خصوصا بعد أن استحوذ ملوك ‘آل سعود’ بغير وجه حق على لقب “خادم الحرمين الشريفين”، الذي كان أول من سمي به هو القائد صلاح الدين الأيوبي بسبب الجهاد وانتصاراته العظيمة على “الإفرنجة” فيما عرف في التاريخ بالحروب الصليبية، والتي انتهت بتحرير القدس الشريف بفضل جهاد المسلمين وإخوانهم المسيحيين المشرقيين، الذين تعمل “السعودية” اليوم عبر أدواتها التكفيرية الإجرامية على تهجيرهم من أوطانهم الأصلية.
مـن شـوه الإسـلام والمسلميـن.. السعوديــة أم إيــران؟..
بالمحصلة، نستطيع القول اليوم، أن ‘آل سعود’ وبعد أن نجحوا في تخريب لحمة القومية العربية التي قال بها جمال عبد الناصر متأثرا بأدبيات العروبة التي كان منبعها الأصلي سورية التي استورد منها مبادئها وقيمها المرجعية، فبنى له زعامة بنزعة عنصرية لا أساس لها من العقيدة الإسلامية، ها هم ينجحون في ضرب الإسلام من أساسه أو من قواعده الأساسية إن صح التعبير، والمتمثلة في عقيدة الشعوب السمحة المتوارثة عبر التاريخ جيل بعد جيل، فأصبح الإسلام بفضلهم دين يفرخ ويحرض على الإرهاب، بحيث كلما ذكر الأخير في الإعلام إلا واقترن بالأول حكما، وهكذا أصبحت العناوين الرئيسة تتحدث عن “الإرهاب الإسلامي”، وما توحيه هذه التركيبة الخبيثة من معادلة تبسيطية مضللة مفادها، أن الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تنجح إلا إذا تمت محاربة الإسلام، لأن “مشكلة المسلمين تكمن في قرآنهم الذي يحرض على الكراهية والقتل”، هذا ما يروج له الصهاينة اليوم في الغرب، وهذا ما حاول عالم الاجتماع الفرنسي ‘إمانويل تود’ الإجابة عنه في أطروحته الأخيرة حول شعار “أنــا شارلــي”، الذي يعبر تبريرا لذات “النزعة العنصرية” التي تحرك لدى النخب هاجس الهيمنة والإقصاء..
وهذا بالضبط هو الهدف الذي تعهد ‘آل سعود’ للبريطانيين بتحقيقه بقول عاهلهم المقبور بن عبد العزيز لممثل الحكومة البريطانية آنذاك: “إذا كان كمال أتاتورك قد دمر الإسلام على مستوى النخبة، فأنا سأدمره على مستوى القاعدة الشعبية”..
وليس مصادفة أن سميت منظمة بن لادن الإرهابية بـ “القاعدة”، لتكون المعول الهدام الذي يخرب عقول شباب الأمة ويحثهم على “الإرهاب” تحت مسمى “الجهاد” في توصيف مزيف لخداع الشعوب من خلال التلاعب بالدين.. وهي الإستراتيجية التي تم إحيائها لتخريب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وصولا إلى روسيا والصين في آسيا، خصوصا بعد نجاح “الإرهاب” الوهابي المجرم في إسقاط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، فكان لزاما تطوير نموذج جيني من سلالة “القاعدة” في المختبرات الأمريكية، ليكون أكثر دموية وبربرية ورعبا ووحشية، فجاءت “داعش” ومشتقاتها كما نشهد على فظاعاتها اليوم.
وإذا كان من مسؤول عن ما آلت إليه أوضاع العالم العربي من تشرذم وكوارث يشيب لها الولدان، وأصبح الإرهاب يهدد كياناتها بالزوال وأوطانها بالدمار والخراب وشعوبها بالتمزق والتفكك دون أن تجد سبيلا لمواجهته.. فهي الأنظمة العربية المفلسة التي من جشعها وطمعها في “رز” ‘آل سعود’، سمحت لهذا الفكر التكفيري الإجرامي بالتغلغل والانتشار في مجتمعاتها، وها هي تحصد اليوم ما زرعته عن جهل وغباء دون أمل في رحمة الله..
وحدهم “الشيعــة”، من وجهة نظر الغرب على الأقل، ليسوا إرهابيين، ويمثلون الوجه الآخر للإسلام العقلاني، إسلام العلم والمعرفة والمحبة والسلام بفضل ما حققته إيران من رقي وتقدم أدهش العالم، وبفضل الأنموذج الرائع للإسلام النقي الذي أصبح يمثله حزب الله في المنطقة اليوم..
لم يسجل أحدا بالدليل القاطع أن شيعيا فجر نفسه بحجام ناسف في بيت من بيوت الله، ولا فجر سيارة مفخخة في عباد الله الآمنين، بل تبث للعيان في الميدان، أن إيران ومحورها بما يضم من شيعة وسنة ومسيحيين شرفاء هم من يحاربون الإرهاب بتفاني وإخلاص، ويقدمون في سبيل دحره التضحيات الجسام..
وإذا كان الغرب يصر على تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية وإيران دولة تدعم الإرهاب، فهذا لا يعني أنهما كذلك إلا بالنسبة لمن يعتبر مقاومة الإجرام الصهيوني إرهابا كما هو حال ‘آل سعود’ اليهود ومشيخات الخليج الدائرة في فلكها..
وليس غريبا والحال هذه أن نلحظ تصعيدا في منسوب الحقد والبغض والكراهية تجاه محور المقاومة، من خلال ما يروج له إعلام العهر والجهل والضلال الخليجي صباح مساء، بإصراره على ترديد معزوفة أن إيران وسورية وحزب الله هم من يقف وراء الإرهاب والخطاب الطائفي في المنطقة ويحاربون المسلميـن السنـة..
حسنا، إذا كان ما يروجه مرتزقة ‘آل سعود’ في الإعلام صحيحا.. فهل “الشيعة” هم من نشروا الإرهاب في الدول السنية التي لا يوجد بها شيعة مثل ليبيا، وتونس، والجزائر، وموريتانيا والمغرب؟.. وماذا عن الإرهاب الوهابي الذي يعبث بالأمن والاستقرار في مصر والسودان وفي أكثر من اثنا عشر دولة جنوب سهارى من ضمنها الكاميرون؟.. وماذا عن الإرهاب الوهابي الذي تحول إلى جهاد في الصومال، وتشاد، وإرتيريا، وإثيوبيا، وكينيا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، وتنزانيا، وأوغندا وأماكن أخرى كثيرة؟…
وماذا عن الإرهاب الذي ضرب في دول عديدة بأوروبا سواء في إسبانيا أو بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو غيرها؟… وماذا عن الإرهاب الذي ضرب أيضا في روسيا، والصين، ودول القوقاز، وأندونيسيا، وماليزيا، وأول من أمس في بانكوك؟.. ولا نتحدث عن أفغانستان أو باكستان أو اليمن حيث الإرهاب أصبح خبزا يوميا يتناوله الناس مع نشرة الأخبار المسائية، كما لا نتحدث عن الإرهاب الذي بدأ يضرب في تركيا وقبلها في “السعودية” نفسها والكويت والحبل على الجرار، ولا نريد أن نسأل ما الذي يفعله 3000 إرهابي من الشيشان والقوقاز والصين في تركيا وقرب عودتهم لبلدانهم من أجل تفجير الأوضاع في روسيا والصين، فهذا موضوع آخر يحتاج لمعالجة مستفيضة.
والسؤال الذي يجب طرحه على ضوء ما سلف هو: – هل من أطلق هذا الفيروس الخبيث من معقله، هي “السعودية” الوهابية التكفيرية أم إيران الشيعية والأسد العلوي؟.. هل تعتقدون أن الناس أغبياء ليصدقوا مثل هذا الهراء؟..
وطبعا لا نحتاج هنا إلى دليل يؤكد مسؤولية آل سعود المجرمين على هذا الشر الذي انتشر كالفطر في العالم إلا إذا كان النهار يحتاج إلى دليل، ولا عن مسؤوليتهم عن تفجير الحادي عشر من أيلول 2001 التي غيرت تاريخ ووجه العالم، فالشهادات والتقارير أكثر من أن تعد أو تحصى، وها هي محكمة الاستئناف بنيويورك أمرت مؤخرا بإعادة فتح الملف وقبول دعوى الضحايا، ومن المتوقع جدا أن يكون مصير هذا الملف كقضية ‘لوكربي’ لابتزاز الودائع “السعودية” في البنوك الغربية..
وبهذا، يصدق تشبيه آل سعود الأغبياء بالفأر الذي استأجر لنفسه مصيدة، إلا أن سقوطه في فخها قد يستنزفه من دون أن يقتله ويريح العالم من وباء الطاعون الذي ينشره أينما حل فكره وماله وإعلامه..
كيــف السبيــل لهزيمــة الإرهــاب الوهابــي؟..
لا حل أمام العرب والمسلمين لهزيمة هذا الشر المستطير إلا باقتلاع نظام ‘آل سعود’ من جذوره ودفنه في مقبرة التاريخ، لأن في بقاء هذا النظام المجرم الخائن والفاسد بقاء للإرهاب واستمراره وازدهاره..
الحلول الأمنية والعسكرية قد تخفف من وطأة الإرهاب لكنها حتما لا تستطيع القضاء عليه بشكل نهائي، خصوصا في غياب إرادة سياسية دولية لتفعيل قرارات مجلس الأمن على الأرض، وفي غياب قرار قانوني وأخلاقي لمسائلة ومحاكمة ومعاقبة ‘آل سعود’ ومن معهم من ممولي وداعمي الإرهاب.. هذه هي المعضلة، والسبب كما نعرف جميعا هي حاجة أمريكا للإرهاب بديلا عن دم جيوشها لتحقيق أهدافها الاستعمارية المعروفة..
أما على مستوى العالم العربي والإسلامي، وفي غياب وحدة الإرادة ومبادرة شجاعة للعمل المشترك بسبب رفض “السعودية” ومن معها محاربة الإرهاب قبل سقوط سورية والعراق ولبنان واليمن، بل وإيران أيضا، لتحقيق كامل أهداف أمريكا و”إسرائيل” في المنطقة.. هناك بعض المبادرات الخاصة التي لا تخرج عن كونها أمنيات طيبة مستحيلة التحقق..
فمثلا، هناك من يقترح إعادة النظر في الخطاب الديني، وهذه بالأساس مهمة المؤسسة الرسمية التي تحتكر الخطاب.. لكن كيف السبيل إلى ذلك إذا كان “علماء السلاطين” الذين ليس لهم من العلم إلا التسمية، قد باعوا آخرتهم بدنياهم وتحولوا إلى مرتزقة يتعيشون من الدين وينتجون المعنى وفق ما لا يتعارض مع أهواء السلطان؟..
هناك من يقول بضرورة مراجعة المناهج التعليمية.. وهذا أمر مرتبط أيضا بالمؤسسة الرسمية التي تحتكر هندسة المنهج التربوي لتدجين الأجيال.. فكيف يستقيم ذلك من دون هدم هذه المؤسسة التي تعيش على جهل الشعوب وتقتات من دماء غباءها؟.. أليس في هذه المراجعة حيتها ولو بعد حين؟.. أتريدون إعادة إنتاج نموذج لموسى جديد يقف في وجه فرعون الذي طغى ويقول له كفى، أعد السلطة لله الذي في السماء إله وفي الأرض إله وحرر الناس ليكونوا عبادا لله لا عبيدا لك؟.. أليس هذا انتحار؟..
والمشكلة في مثل هذا الطرح، أن الاشتغال على البعد الثقافي والتربوي ليس بالحل المضمون النتائج على المدى القصير، لأن تغيير عقلية وتفكير وقناعات وممارسات الناس تحتاج إلى ثلاثة عقود على الأقل، وإذا انتظرنا إلى ذلك الحين، فعلى العالم العربي السلام.. لقد فات الأوان أيها السادة ولم يعد ينفع الخطاب.
هناك من يطالب بالعودة لإحياء الحس القومي العربي ليكون بديلا عن الفكر التكفيري، لكن هؤلاء مثلهم كمثل الذي يسلك مسارا يوصله إلى حائط مسدود، ثم يعود من حيث انطلق وهو مصر على سلوك نفس المسار الأول اعتقادا منه أنه هذه المرة سيوصله إلى محطة مختلفة، وهذا هو عين الغباء، كما أن من يفكر بهذا المنطق العاطفي لا ينتبه إلى أن معطيات الديموغرافيا الاجتماعية لا تساعد على تحقيق هذا الحلم الوهم، فلا الأكراد ولا الأمازيغ ولا غيرهم يريدون أن يكونوا عربا، بل هناك من العرب من كفروا بالعروبة وقالوا فيها من لم يقله مالك في الخمر ورحلوا إلى دار البقاء.. اسألوا نزار قباني ليقول لكم ما فعلت العروبة بأحلامه الجميلة ولماذا كان يسمي الملك فهد بـ”أبو جهل”؟.. وكيف أنه مضى العمر يتغنى بالعروبة إلى أن رأى العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم.. لكنه ما رأى العرب!..
وحتى لا نطيل بالرغم من أن الموضوع يستحق الكثير من التفصيل، سأترك معالجة الحل لمقالة أخرى، من خلال ما يعتزم محور (روسيا، الصين، إيران) فعله على المستوى الدولي في مواجهة “الشيطان الأكبر” من جهة، وما تعتزم إيران ومحورها المجاهد فعله على المستوى الإقليمي في مواجهة النزعة العنصرية السعودية البغيضة، وكيف السبيل لمحاصرتها واستنزافها لينهار نظام ‘آل سعود’ من الداخل دون حرب، لأنه نظام لا يستحق ثمن رصاصة واحدة من بندقية مقاوم..
أما الشعوب العربية، فقدرها أن تتحمل نتائج سوء فهمها للتاريخ والدين والدنيا معا، وتواجه تداعيات خياراتها بكل ما تحمله من مصائب وكوارث، إلى أن تفهم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
ولكم في محور المقاومة العبرة يا أولي الألباب..
خاص بانوراما الشرق الاوسط