الرئيسية / مقالات / مدعشات الخليج الفارسي: لا للاجئين السوريين

مدعشات الخليج الفارسي: لا للاجئين السوريين

نضال نعيسة

من يتابع الإعلام الخليجي، والسعودي تحديداً، وتغطيته لما يحصل في سوريا، سيعتقد على الفور بأن “الثورة” السورية، هي “ثورة” آل سعود الخاصة، وقد قامت فقط لتحقيق أهداف واستراتيجيات سعودية بحتة، ولا علاقة لسوريا وللسوريين بها، ودعم بني سعود للائتلاف، ومناداة سعود الفيصل الشهيرة لأحمد الجربا في “مونترو” بفخامة الرئيس تظهر مدى التعويل السعودي الكبير على أدواته السورية لتحقيق تلك الاستراتيجيات، وصار، طبقاً لذلك، كبار رجالات السعودية ومليكها، وأمراؤها هم الناطقين الرسميين باسم الشعب السوري، والمتحدثين المفوهين نيابة عنه، وهم من سيقرر له مصيره ومن سيحكمه.

وحقيقة لقد حدث تحول استراتيجي هام في مسار “الربيع” منذ سقوط، والتخلي عن فكرة إقامة الإمبراطورية الإخوانية، وتعهيد وتسليم مصير المنطقة ورقاب شعوبها من السلطان العثماني الجديد أردوغان، وإخراج قطر نهائياً بالكارت الأحمر الأمريكي من المشهد، لصالح المملكة السعودية التي استلمت المشروع من بابه لمحرابه، ومن يومها زادت ثقة بني سعود بأنفسهم فباتوا يضربون شمالاً في سوريا، فأخذوا راحتهم في توريد المزيد من القتلة والإرهابيين والمرتزقة “الثوار” لهذا البلد عبر الأردن وتركيا ضاربين عرض الحائط، وغير آبهين، بكل القرارات الدولية ذات الصلة التي تتعلق بسد منابع الإرهاب وإيقاف الدعم للإرهابيين “الثوار” المرتزقة، لاسيما القرارين 2170، و2178، فيما انطلقت طائراتهم منذ فجر الثامن والعشرين من آذار الماضي، وبالتزامن مع انطلاق مؤتمر القمة العربي في شرم الشيخ، لتدك اليمن على رؤوس ساكنيه، قصفاً على مدار الساعة، وسط صمت دولي مطبق، مرعب ومريب، يثبت تورط المجتمع الدولي بجريمة الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج في هذا البلد الفقير، فيما ينتفض الغرب الأطلسي ويقلق بان كيمون، ويستنفر وزراء خارجية الناتو، وتهتز مجالس حقوق الإنسان، ويغضب الجميع حين يقوم نسور الجو السوري البواسل الأبطال بدك مواقع وأوكار “ثوار الأطلسي” ومرتزقة بني سعود رداً على مصادر القصف العشوائي واستهداف المدنيين والآمنين الأبرياء في دمشق وحلب، وتبدأ أسطوانات العزف على وتر الرحيل، ولا شرعية الرئيس، فيما يجوب موكب الملك السعودي، “رامبو” الأطلسي المدلل الجديد، قلب باريس وتغلق شوارع وحياء أوروبية عريقة في قلب عاصمة فولتير من أجل راحة ومزاج العاهل القرو-وسطي. وفي الوقت الذي تبتلع فيه البحار أجساد لاجئي سوريا، ويختنق هؤلاء في شاحنات الموت، ومع استفحال ملف المهاجرين السوريين وارتباطه لحد كبير بموضوع إفراغ الشرق الأوسط من الأقليات وسكانه الأصليين، وإعطاء “الحراك الثوري” هوية وطابعاً يتيماً، ليتم تسليم سوريا، بعدها، للسعودية بـ “المفتاح”، وتصبح المملكة الصحراوية هي المتحكمة بالشأن السوري حيث لم تبق إلا الصخرة السورية صامدة في وجه المشروع “الثوري” الرهيب، وذلك بعد سقوط دول “الربيع” الواحدة تلو الأخرى في الفلك السعودي، فيما كانت الممالك والإمارات و”المدعشات” العربية المعروفة، تدور وتلف تقليدياً، وطبيعياً، في المدار والفلك السعودي.

فإحدى أهم أهداف “الربيع” هو ضرب مشروع الدولة الوطنية الحديثة الحداثية وإحلال الأنموذج القبلي الأبوي الوراثي الأوليغاركي الثيوقراطي الشمولي الأسهل قياداً وتحكماً، وهذا لن يتم إلا بإزاحة وترحيل وتغييب كل ما من شأنه أن يعيق التصور الجديد. ومن هنا قامت منظومة مشيخات الخليج الفارسي، وبالتواطؤ وبالتنسيق مع رعاة المشروع الأطلسيين، ومنذ اليوم الأول لاندلاع شرارة حروب الربيع، باتخاذ قرار جماعي بإغلاق الحدود أمام “اللاجئين” الهاربين من جحيم حروب الربيع، ومنع منح أية “فيزا” أو تأشيرة دخول لأي سوري، فيما تقوم هذه الدول بكرة وأصيلاً، بالنواح والعويل، والتباكي، وذرف الدموع عليهم آناء الليل وأطراف النهار، وفيما تكتظ دول فقيرة ومعدمة ومفلسة كالأردن، ومصر، ولبنان، باللاجئين السوريين تغلق مشيخات الخليج الفارسي الغنية حدودها في وجههم، وهي الأقدر على إيوائهم وتحمل مصاريفهم، بما تملكه من عوائد وفائض أموال خرافية تستثمرها في الحروب و”الثورات” واستيراد “الثوار” القتلة لدول المنطقة. تطفو، اليوم، مشكلة طوابير المهاجرين على سطح الحدث، ويتم التركيز عليها على نحو فاقع، وكلها تتجه صوب الشمال الأوروبي “الغربي” المسيحي، فيما يغلق الأشقاء الأغنياء حدودهم في وجه هؤلاء المساكين، في ما يبدو شراكة متعمدة وسعي محموم في عملية التهجير والترحيل.