معمر حبار / الجزائر
يستحضر المرء سنوات العشرية الحمراء، التي كان شاهدا على أيامها، ومازالت آثار تلك الأيام ماثلة تأبى إلا الرسوخ، وتطفو حين ينزف الجرح، فتزيده ألما.
لم يخطر ببال أحد، أن الجزائري الذي يصوم ويصلي ويعبد ربه، سيقدر على حمل سكين ويذبح أخاه أو يرديه قتيلا برصاصة تخترق الصدر والرأس.
أيام السنوات الحمراء، لم يكن الجزائري يستطيع أن يخرج من غرفة نومه، ناهيك عن ذهابه للعمل أو المدرسة.
كانت الأعراس تتم في صمت مطبق وكأنه جنازة، فإما خوفا من قتلة كل من يفرح ويقيم عرسا، أو حياء واحتراما من الجيران والأحباب الذين فقدوا عزيزا عليهم. كانت وجبة العشاء تقام عصرا للخوف الشديد، وانعدام وسائل النقل، وكل ذلك سببه الخوف من الذبح والقتل.
كم من طفلة أوقفها أهلها من متابعة الدراسة، خوفا عليها من مصير مجهول، أو عار يلطخ البيت السعيد.
كم من أسرة ما زالت لحد الآن تبحث عن مفقود. فلا هي استراحت بموته، ولا علمت مكانه.
تعطّلت كل المشاريع وتوقفت، فلا إنجاز ولا إتمام ولا بناء ولا ترميم، بل هناك حرق ونسف وتدمير، أتى على ماكان وتبقى.
قرى بأكملها أحرقت وشرّد أهلها، وتركوا من وراءهم المال والمتاع والأرض والأنعام، وفروا ببناتهم وأبنائهم وما استطاعوا حمله. يقول لي أحدهم، حين إلتقيت به بفي المرسى..
كانت لي أرض أعيش منها، وأغنام وبقر، آكل منهم وأشرب منهم، نكفي أنفسنا بأنفسنا، ولا نعرف أبدا الدكان. ثم يواصل والدموع تسبقه، والآن نتسول على من كنا نبيع لهم خيراتنا.
أحرقت المصانع، وأتلف الزرع، وانتهكت الأعراض، وقطعت الرقاب، ونهبت الثروات، وأصبح في أيام معدودات الغني المقتدر، ضعيف يقتات على الموائد، ويتسول في الطرقات.
لم يعد للبيت حرمة، ولا للمسجد قداسة. فيقتحمون بيتك في كل حين، وينتهكون حرمة المسجد متى شاؤوا.
سادت الندرة وكثرت الطوابير على قوت العيال، وتقاتل الناس فيما بينهم على قطعة خبز، وكيس حليب وكيلو من البطاطا.
أسوء ماحدث في تلك الأيام الحمراء، تلميذ يذبح أستاذه، ومأموم يقتل إمامه، وإبن الجار يقتل الجيران.
ماميّز الفترة، أنها لم تشهد ظهور المحمول ، لتنقل الفضائع على المباشر كما يحدث الآن.
كان الجزائري مهانا في المطارات الدولية والموانئ العالمية. أغلقت في وجهه الحدود، ومنع من المال والأعمال، وحرم من المشاركة في النشاطات العالمية، وكان في آخر سلم الاهتمامات.
يتعرّض في الخارج للتفتيش دون أيّ سبب، والملاحقة باستمرار، والمنع من حقوقه دون مناسبة، ويبقى تحت المراقبة، ويطلب منه أن يراقب إخوته.
لا يوجد أسرة في الجزائر يومها، لم يكن لها قتيل أو ذبيح أو نسف دار أو تهجير، فكل العائلات مسّها اللهيب، واكتوت من جمر تلك الأيام.