الرئيسية / مقالات / لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين يا معارضة سورية
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين يا معارضة سورية

محمد ضياء عيسى العقابي

حصاد الأمس:
بصراحة فقدتُ ثقتي بحصافة ووطنية معظمكم، يا معارضة سورية، وبالأخص الإئتلاف الوطني السوري، يوم سَلَّمتم قضيتكم بيد حكام السعودية وقطر وحكومة أردوغان، ويوم عوّلتم على تدخل عسكري أمريكي، وبالتالي سلمتم أمركم بيد الإرهاب. ما علاقة هؤلاء الحكام بالديمقراطية التي تدّعون النضال من أجلها؟ وما هي جدية أمريكا في التدخل العسكري، يوم أعلنها صراحة، بعد أيام من إندلاع الأزمة السورية، أمين عام الحلف الأطلسي في حينه (راسموسن) قائلاً إن الحلف لا يستطيع التدخل في سوريا على غرار ما فعله في ليبيا بسبب الكثافة السكانية في سوريا!!!
كان عليكم أن تدركوا أن ذلك كان يعني إستحالة التدخل العسكري من جانب الحلف أو أمريكا في سوريا لا للسبب الذي ساقه (راسموسن) بل لسبب آخر تماماً وهو عقبة الحلف الإستراتيجي غير المكتوب بين سوريا والإتحاد السوفييتي والمعترف به من قبل أمريكا منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى أن القوات الإسرائيلية كانت على بعد (17) كيلومتراً من دمشق في حرب عام 1967 ولم تجرؤ على إطلاق قذيفة واحدة بإتجاه دمشق لأن القرار لم يكن بيدها بل بيد واشنطن. للعلم فإن روسيا الإتحادية ورثت، بشكل رسمي، جميع مسؤوليات الدولة السوفييتية السابقة.
زاد الخداع الذي مارسه الحلف الأطلسي في ليبيا (حيث إدعى الحلف أنه أراد حماية المدنيين ولكنه أطاح بالنظام الليبي) من شكوك روسيا الإتحادية حيال تحركات “الحليف” الأمريكي لذا منع الروس والصينيون تمرير أي قرار مماثل عبر مجلس الأمن لتغيير أوضاع سوريا السياسية من الخارج.
كان بإمكانكم، يا معارضة، قراءة المواقف بصورة صحيحة وتجنبون وطنكم وشعبكم شرور المؤامرات المدمرة. ولكنكم كنتم مهووسين بأمل أن السوبرمان الأمريكي سيأتيكم بعد الظهر لإسقاط النظام إذا تظاهرتم في الصباح حين إكتشفتم على حين غرة أن بشار الأسد علوي!!! هو أمل ساذج ترتب عليه تدمير سوريا وهو المقصود لا أكثر ولا أقل وأنتم الملامون أولاً لأن كل الخراب جرى بإسمكم. العراق حالة مختلفة تماماً*.
كان بإمكانكم، يوم وضح لكم أن الجيش وجهاز الدولة السوريين بقيا متماسكين حتى لحظة دخول حكام السعودية وقطر وتركيا على الخط (ولحد الآن) وبدأت تلك الحكومات تتحكم بمسار نشاطاتكم ومواقفكم – أن تنهجوا طريق التعقل والوطنية وتتعاونوا مع الأمم المتحدة ومصر والجزائر وروسيا والصين من أجل حل سلمي يتم التوصل اليه مع الحكومة السورية. لكنكم سرتم بالطريق العنفي ولا مبرر لكم حتى لو صح إتهامكم للنظام السوري بكونه البادئ في إستخدام القوة.

لا تكرروا الخطأ الفادح:
حققت أمريكا وإسرائيل ما تريدانه، حسب المتاح، في سوريا وهو تدمير البنية التحية وتمزيق النسيج المجتمعي وتمزيق العرب على أسس طائفية. لذا لم تستطع أمريكا أن تقف بوجه التصميم الروسي على تدمير داعش وجبهة النصرة بعد أن أصبحتا خطرتين على سلامة العملاء في المنطقة وخارجها، وبعد أن فشلت أمريكا فشلاً ذريعاً في إقناع الراي العام في كل مكان في العالم بأنها جادة في محاربة داعش، وبعد أن فشل المشروع الأكبر من داعش وهو إحداث تغيير سياسي جوهري في العراق، وبعد أن تلاشى الأمل في إطاحة الدولة والجيش السوريين وتقسيم العراق وسوريا والقضاء على الدولة الوطنية فيهما، وبعد أن فشل العدوان السعودي على اليمن الصامد الشجاع الذي أثبت مرة أخرى أنه مقبرة الغزاة، وبعد أن سيطرت مصر والجزائر وتونس على النشاط الإرهابي فيها، وبعد أن تمادت إسرائيل في إضطهاد الشعب الفلسطيني وهضم حقوقه وتوسيع المستوطنات وإبتلاع القدس وأماكن العبادة المقدسة للمسيحيين والمسلمين وخاصة المسجد الأقصى دون كلمة واحدة عن هذا الموضوع الخطر في كلمة أوباما أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي طفحت بالعواطف الإنسانية الجياشة حيال الشعوب المضطهدة!!!!
لكن الأمريكيين يأملون في مزيد من الكسب بالطرق “الناعمة” وبإسمكم ولكن على حساب روسيا هذه المرة وذلك بمحاولة خلق أفغانستان جديدة لروسيا على غرار ما فعلته مع الإتحاد السوفييتي هناك أي تأجيج صراع بين المسلمين والروس على الأرض السورية.
هنا أود تنبيهكم، يا معارضة سورية، ألا تُخدعوا مرة أخرى لأنكم ستوضعون في خانة الخونة إذا مرت عليكم الألاعيب الأمريكية ثانية.
أمريكا لا تريد المواجهة العسكرية مع روسيا حتى عبر حرب بالوكالة حسب تصريحات الحكومة الأمريكية وجميع المحللين السياسيين الأمريكيين ممن ظهروا في فضائية الحرة؛ بل إن أمريكا، بتقديري، لا تريد المواجهة العسكرية لأن ذلك يعني حرباً عالمية (كما توقع هنري كيسنجر قبل سنين) وأمريكا في حال بائس لا تحسد عليه بسبب خباثة أهدافها مما ألحق بها الفشل وترك جبهاتها السياسية الداخلية والأوربية والعالمية مبعثرة؛ ووحدة الجبهات شرط لازم للإقدام على حرب.
لذا بدأت أمريكا بالتلويح لكم لدفعكم إلى القيام بنشاطات معينة على أمل مساعدتكم. أتى ذلك التلويح على هيئة “توقعات” لكنه في واقع الحال “حثٍّ” لكم على السير في طريق الهلاك دونما دعم حقيقي. إنه مجرد توريط.

إنهم يقولون:
– روسيا لا تضرب داعش بل المعارضة … أي إن روسيا عدوتكم فقاوموها!!
– روسيا ستدفع المعارضة الى أحضان داعش … أي التحقوا بداعش وجبهة النصرة ولديكم العذر ومنا التغطية الإعلامية!!!
– إن أمريكا لم تدرس بعد مسالة تزويد المعارضة بصواريخ ضد الطائرات تحمل على الكتف … أي هناك إمكانية أن نزوكم بتلك الصواريخ (من نوع “ستنكَر” التي أثبتت فاعليتها في حرب أفغانستان!!!).
– إن استراتيجية روسيا في سوريا فاشلة ….. أي إن النجاح حليفكم “كما كان في المرحلة السابقة”!!!!
– الطائرات الروسية خرقت المجال الجوي التركي (قال الروس: لمدة ثانيتين فقط وفي ظرف جوي سيء!!!!) فاجتمع الحلف الأطلسي وهدد أردوغان روسيا وعربد هذا وذاك ….. كلها “بلتيقات” للتنويه لكم بأن أمريكا ستعلن الحرب على روسيا فلا تقلقوا وأمضوا في طريق “الجهاد” وتخريب سوريا!!!
لذا ومن دون إطالة، تفاهموا، أيها المعارضون السوريون، مع الحكومة الشرعية برعاية الأمم المتحدة ومصر والجزائر وتونس ولا تحلموا في إطاحة النظام الذي بقي صامداً بشعبه وجيشه وجهاز دولته في وجه أقذر مؤامرة دبرت ضد وطنكم سوريا بسبب موقفها الصلب من إسرائيل لصالح القضية الفلسطينية لا أكثر ولا أقل. لا تكونوا خنجراً مسموماً بيد الطائفيين المتخلفين والإمبرياليين والصهاينة يطعنون به وطنكم سوريا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): كنتُ وماأزال معارضاً للدفاع عن النظام بالضد من التدخل الأمريكي في العراق عام 2003 لإطاحة النظام البعثي العراقي الطغموي لأن ذلك النظام مارس سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية وإقترف جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وإستغل أموال النفط أبشع إستغلال ولم يعد قادراً على الإطاحة به سوى الله أو أمريكا التي أنقذته من ثورة الشعب العراقي في ربيع عام 1991 حين سقطت 14 محافظة بيد الثوار.
أسقط الأمريكيون، بقيادة المحافظين الجدد، النظام العراقي لأهدافهم هم المتمثلة بالسيطرة على منابع البترول للي أذرع جميع دول العالم ليقبلوا بقاء أمريكا القطب الأوحد في العالم بعد تفكك الإتحاد السوفييتي وتوقف الحرب الباردة.
كان معظم المعارضين العراقيين على ثقة بأنهم قادرون على إخراج القوات الأمريكية واسترجاع استقلال وسيادة العراق بدون عناء. وهنا يختلف الوضعان العراقي والسوري وفق الإعتبارات التالية:
– على الرغم مما يبدو ظاهراً من تشتت الشعب العراقي وطغيان الفوضى في حياته، إلا أن الشعب العراقي في الحقيقة موحد ومنضبط في الأمور الإستراتيجية وذلك لثقة معظم الشعب بمرجعية النجف الدينية الوطنية ومرجعية كردستان القومية الوطنية.
لذا إستطاع العراقيون إخراج القوات الأمريكية بيسر واسترجاع الآستقلال والسيادة الوطنية دون منح أمريكا أي إمتياز نفطي أو عسكري وذلك لأن المرجعية في النجف قادرة على زج (20) مليون عراقي الى الشوارع للعصيان المدني عند الضرورة مثلما دعت المرجعية الى الجهاد الكفائي فتشكل الحشد الشعبي لحماية العراق وديمقراطيته من وحوش داعش ومن وراء داعش ومن ركب المطية داعش.
هذا غير متوفر في سوريا.
– إن هناك فرق لا يقاس بين الحزبين الحاكمين في العراق وسوريا رغم أنهما بإسم واحد “حزب البعث العربي الإشتراكي”. النسخة العراقية من الحزب كانت ذراعاً أمنياً من أذرع رأس النظام الفردي الشمولي القمعي الهمجي.
– على عكس جيران سوريا، فإن العراق تجاوره إيران ولها مصلحة في أن يكون العراق مستقراً ديمقراطياً بعيداً عن الإنخراط في التكتلات المعادية لها.
– العراق بلد نفطي غني يستطيع الصمود بوجه مؤامرات الحصار الإقتصادي.
– للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع الرابط التالي رجاءً:
– http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995