معمر حبار / الجزائر
عشت زلزال الأصنام سابقا والشلف حاليا 10 أكتوبر 1980، وأتذكره جيدا لأني كنت يومها طفلا في 14 من عمره. والمرء حين يعيش أهوال الزلزال في صغره، يتربى على فضائل لم يكن يتعلمها من أرقى الجامعات، فصوت الزلزال وبعد مرور 35 سنة، مازال يرن في الأذن وهو الآن أب لأربعة.
صوت الزلزال.. لا أعرف في دنياي وأنا الآن على أبواب 50 من عمري، أني سمعت صوتا مفزعا رهيبا كصوت الزلزال. فالصوت الرهيب يسبق حركة الأرض وينهار المرء لسماع الصوت. وحين تبدأ الأرض في الحركة والرقص يزداد إنهياره. ولا يمكن بحال مقاومة صوت الزلزال مهما أوتي المرء من قوة وشجاعة. و مما يجب ذكره في هذا المقام، أن مقاومة صوت الزلزال لا علاقة له بالقوة البدنية أو عمر الإنسان أو هو جنسه، إنما له علاقة بباطن الإنسان وتعلقه بالسّماء في تلك اللّحظة، وهذا أمر لا يمكن بحال شرحه، لأنها حالة يعرفها صاحبها ولمن أتيحت له الفرصة أن يلمسها في الآخر الذي تصرف مع صوت الزلزال.
الزلزال ليس غضب من الله.. الزلزال يترك أثرا ماديا ثم يزول بعد حين وإن طال، لكن تهمة المتضرربالزلزال في دينه وعرضه، تبقى آثاره ممتدة عبر الزمن لا تمحوها الأيام.
مازلت أتذكر بألم شديد، التهمة التي ألصقها بعض الجزائريين بأهل الأصنام سابقا والشلف حاليا، من أن الزلزال غضب من الله تعالى. وكان على إخواننا الجزائريين أن يواسوا إخوانهم المتضررين من الزلزال، فذاك أضعف الإيمان وأحسن من نهش لحوم إخوانهم وهم تحت الركام، ينتظرون سماع صراخ صبي أو أنين إمرأة أو استغاثة رجل.
مازلت أتذكر جيدا، وأنا أسمع يومها للشيخ عبد الحميد كشك رحمة الله عليه، وهو يذكر زلزال الأصنام، مرددا آيات العذاب وكأنها أنزلت في حقنا دون غيرنا. وكان هذا سوء أدب من الشيخ، وقلة إحترام للموتى والثكلى والجرحى، وكان عليه أن يحث تابعيه أن يقدّموا المساعدات لإخوانهم المتضررين من الزلزال، ويدعون لهم بالرحمة والمغفرة والشفاء. ولو أعلم أن شيخا آخر ذكر نفس القبح والأذى الذي قاله كشك لذكرته بالإسم، ولا أبالي.
اللهم إحفظ العاصمة والمدن الكبرى.. من الأخلاق العالية السامية التي تربى عليها أهل الأصنام الذين عايشوا هول زلزال 1954، أنهم دعوا الله مخلصين بقولهم.. الحمد لله أن الزلزال لم يضرب العاصمة.
بقيت نفس الأخلاق العالية عالقة في الأنفس الطاهرة لسكان الأصنام سابقا والشلف حليا، بعدما عاشوا زلزال 10 أكتوبر1980، ولمسوا أضراره البالغة، فقالوا جميعا وعلى قلب رجل واحد، وأعادوا دعاء من سبقهم.. الحمد لله أن الزلزال لم يضرب العاصمة.
والآن يقول الأب وهو على مشارف الخمسين من عمره.. الحمد لله، أن الله استجاب للأولين والآخرين، ولم تشهد العاصمة والولايات الجزائرية الكبرى، زلزالا عنيفا بقوة زلزال الشلف.
تعالى أيها الزلزال الخفيف.. من الدروس الحسنة التي تعلّمها أهل الأصنام إثر زلزال 10 أكتوبر 1980، أنهم يفرحون بالزلزال كلما تكرّر وكانت درجته ضعيفة وخسائر معدومة، لأنه علامة على أنه لن يكون من وراءه زلزال عنيف مدمر، لذلك أصبحنا نخاف جدا حين يغيب عنا الزلزال، لأنه كلما طالت المدة، كلما كان الزلزال القادم عنيفا ومدمرا وتلحقه خسائر تفوق التقدير.
هذا إحساس يشعر بها الإنسان العادي الذي عايش الزلزال العنيف، ويبقى بعدها الرأي لأهل الاختصاص أن يثبتوه أو ينفوه.
سرقة الأموات.. من الصور المخزية المحزنة التي سادت المنطقة يومها، السرقة العلنية للبيوت التي هجرها أصحابها من بعض مرضى النفوس الذين إستغلوا فاجعة الزلزال، لبناء ثروة على حساب الموتى والمتضررين. وقد رأيت يومها إنتشار الجيش بشكل مكثف، خاصة فرق PM، التي كلفت بمتابعة أمثال هؤلاء.
بقيت الإشارة، أن السلوكات السيّئة التي تتبع الكوارث أصبحت ظاهرة عالمية، تستحق تسليط أقصى العقاب. ومما يجب إعلانه أيضا، أني رأيت بأم العين وما زلت أتذكر شهامة أهل الأصنام، وهم يقدمون المساعدة ، ويردون أغلى الأمانات من مال وحلي لأصحابها دون مقابل، فوجب إذن ذكر هذا بذاك.
للذين لم يعيشوا الزلزال: منذ نصف عام، يقول لي بفرح شديد.. الزلزال غضب من الله تعالى.
أسأله .. هل عشت زلزال 10 أكتاوبر 1980؟.
يجيب: لم أولد يومها بعد.
أجيبه.. إذن أنت من أسرة مغضوب عليها.
ثارت الحمية في عروقه، وراح يزمجر ويدافع.
أرد بهدوء: ألم أقل لك أن الزلزال ليس غضب من الله تعالى، إنما ابتلاء يبتلي به عبده الصالح.