معمر حبار/ الجزائر
فرحت كثيرا لحصول الرباعية التونسية على جائزة نوبل للسلام. ولأول مرة في حياتي أشعر من أعماق القلب، أن جائزة نوبل للسلام منحت لأهلها وأصحابها، بغض النظر عن الهيئة القائمة على منح جائزة نوبل للسلام.
أحداث تونس أظهرت الصورة اللاّمعة للمجتمع التونسي، وقد ذكر صاحب الأسطر في عدة مقالات سابقة وتدخلات عبر صفحته، فضائل المجتمع التونسي، والميزات التي ميّزته عن غيره، وهو المجتمع الذي لايملك نفطا ولا غازا. ولعلّ منح جائزة نوبل للسلام، مناسبة للوقوف على هذه الفضائل، والتعريف بها وبأصحابها التونسيين..
الحفاظ على الجوهر.. يمتاز المجتمع التونسي بالتعايش بين مختلف الثقافات المختلفة المتضاربة. إن الحركة التي قام بها المجتمع التونسي ضد الرئيس التونسي بن علي والحركات الاجتماعية المتتالية من بعده، لم تقضي على جوهر المجتمع، ولم تلغي مقومات المجتمع التي تعارف عليها منذ عقود، بغض النظر عن تأييدك لها أو رفضها. فبقي المجتمع متماسكا، يعالج أخطاءه بتدرج، ويمسك بما يراه مناسبا لثباته واستقراره.
لغة الصناديق.. دخل المرزوقي بالانتخابات وخرج بالانتخابات، وبغض النظر عن إنجازاته، التي يترك تقييمها للمؤيدين والمعارضين له، فقد نال رضا الجميع بما فيهم الذين عارضوه ومن حقهم معارضته.
هذه الأسطر لا تعالج السيرة الخاصة بالرئيس، فهذا الجانب يترك لمؤيديه ومعارضيه، إنما تركز على السلاسة في إنتقال الحكم من أبدي مطلق إلى تداول على الحكم. وتبقى هذه النظرة معلقة إلى غاية إنتظار نهاية فترة حكم الرئيس التونسي الحالي قائد السبسي. هل سيترك الحكم عبر الصندوق، كما دخله عبر الصندوق؟.
ويبقى المجتمع التونسي رائدا ومثالا يحتذى به في نقل السلطة عبر صناديق الانتخاب وبأمن وسلام، رغم تجربته القصيرة جدا في نقل السلطة وممارستها.
الإسلاميين التونسيين.. بغض النظر عن أنك تؤيد الغنوشي أو تعارضه، فإن مما يجب ذكره في هذا المقام، أن الحركة الاسلامية في تونس، إلتزمت حدود المجتمع التونسي، واتّبعت السلم وسيلة والاستقرار غاية، واحتكمت لصندوق الانتخابات، وراعت مشاعر المجتمع التونسي، وحافظت على هدوئها حين هاجمها خصومها بأغلظ الكلمات وأثاروا الشارع ضدها، ولم تفقد صوابها ولم تستعدي الشارع، فاحترمت الرئيس الذي حاولت كسبه والرئيس الذي جاء من بعده، ولم تلطخ يديها بدماء التونسيين.
المستوى التعليمي العالي.. أظهرت أحداث تونس، المستوى العلمي الراقي للمجتمع التونسي، وقد تجلى ذلك في..
الحوارات الساخنة التي تبثها الفضائيات التونسية، حيث الاحترام المتبادل، والشخصيات ذات الفكر المختلف المتضارب، وإحترام الآخر ولو خالفه الرأي، واللقاءات المباشرة التي تجرى مع رجل الشارع في مواضيع صادمة غير منتظرة، فتجد..
البقال، والبنّاء، والموظف البسيط، والمنظفة، والطفل الصغير، ومنظف الشوارع، والعجوز، والشيخ الكبير، يتحدثون بلغة عربية سليمة، وثقافة عالية، وإجابة تنم عن حضارة ورقي، فكيف بغيره من أهل الاختصاص.
ويكفي نظرة عابرة للفضائيات العربية والناطقة باللغة العربية، ليجد المرء أن أحسن صحفييها من تونس، بلغتهم العربية الفصحى، وأدائهم المميز، وروعة الصوت.
من حق المجتمع التونسي أن ينال جائزة نوبل للسلام، لما إمتاز به من خصال رفيعة، وميزات محمودة، وسمو بدينه ولغته.