عبد الصاحب الناصر
المقدمة
فقدت الامبراطورية الامريكية (المنشودة) مكوناتها قبل اكتمالها، وفقدت قبل ذلك مصداقيتها وما بين هذين الحدثين اسقطت هي بنفسها كل تاريخها، منذ هيروشيما الى هذا اليوم .
و السبب كما درستها دراسة متواضعة ولكن بتأمل. السبب ان الاقوام و الامبراطوريات ولدت و نمت نفسها بنفسها فتعاظمت ثم طغت الى وقت تجبرها وغرورها ثم سقوطها. الا الولايات المتحدة الامريكية فمنذ بداية القرن المنصرم وهي تصور نفسها من منطق سياسة العصا الغليظة والطويلة التي تصل الى ابعاد لتدمر الاخرين، هذه الاسطورة التي تبنتها قوة المارينز الامريكية واصبحت كأية دولة عظمى حبيسة احلامها في الاستيلاء على العالم. الا انها في الواقع هي اقرب الى مستعمرة صهيونية، وكل همها الدفاع عن الاحتلال و الاستيطان الصهيوني لفلسطين .يكاد المتابع ان يجزم انه لا يتمكن أي مبتدئ سياسي أن يتطلع للوصول الى المنصب، من اي حزب كان في امريكا و بعض دول الغرب الا بعد ان يقدم ولائه وخضوعه و انتمائه للصهيونية، تحت اسم الصداقة لاسرائيل، و ان يحلف بأغلظ القسم بان يقدم ولائه لإسرائيل على ولائه لبلده الام أمريكا. هل عرف التاريخ عن اية امة او مملكة او امبراطورية ان تقسم ولائها لدولة تكاد تكون من اصغر الدول في العالم، ناهيك عن تاريخ وجودها و نشأتها و تعاظمها فأضحت امريكا و كأنها تابع لاسرائيل و لسياستها الاستعلائية بدون اي استفسار او تحليل؟. و لا يوجد رئيس امريكي الا و بكي في حائط المبكى واضعا على رئسه (الكبه) كاعتراف او اعتزاز بالصهيونية، و الاصح هو طاعة و ولاء للصهيونية العالمية. و اصبحت امريكا تهاب اسرائيل حتى عندما تورطها الأخيرة في مشاكل عويصة في العالم. و اقصى اجراء تتمكن أمريكا من اتخاذه ضد اسرائيل هو استعمال حق الفيتو في مجلس الأمن ضد اي قرار لإدانة اسرائيل . فقط .
كما يغني العراقيون ، مع الفارق ،،،
بت بعد بالدلال جاهل يعت بي
يبجي من اصيح عليه يكطعه من اخلي
و ان امريكا انما تدار من الصهيونية العالمية و من قبل المحافظين الجدد الذين ينكرون اليوم مسيحيتهم و يعللون ذلك بأنهم انما يهود جدد، و ان الديانة المسيحية لم توجد اساسا وانما جاء المسيح لإصلاح الامة اليهودية، اي انهم ينكرون كل المسيحين في العالم (اكثر من ثلاث مليارات ).
استغاثة الذئب المريض
من هنا و لهذا السبب اكتب عمن فقد حتى اخلاق القادة العظام ومعها فقد مصداقيته السياسية عندما يستغيث اليوم كالذئب المريض .و ينتقد الخطوات الكبيرة التي اتخذتها روسيا اليوم ، بعد فشل امريكا في زعامتها للعالم في مقاتلة الدواعش( ! )، و بعد اكثر من سنة بالنسبة للعراق و اكثر من اربعه سنوات بالنسبة لسوريه في محاربة الارهاب الذي دمر مدنها و شرد اهلها، بينما امريكا توعد و توعد و لا توفي، بل كشفت الضربات الموجعة الروسية كذب امريكا و مسخ ادعاءاتها .
اكتب اليوم معتمدا على اعلامهم و ان كان قد سخر نفاقا، تدعي امريكا كما ذكرت مجلة السياسة الخارجية الامريكية، ان الضربات الروسية قد اصابت ناس مسالمين! بينما في نفس الوقت قصفت امريكا مستشفى لمنظمة عالمية انسانية (اطباء بدون حدود) الفرنسية الاصل و العالمية المستوى. ضربتها عدة مرات متتالية و هي في افغانستان، اي تحت السيطرة الامريكية واقمارها ومخابراتها و تجسسها الذي تفتخر به. و كالعادة شكلت عدة لجان تحقيق بعد ان انكشف الامر و انفضحت اللعبة، و انا اعزو ذلك إلى ان استمرار الضربات لعدة غارات لاخفاء الحقيقة و الشهود و لطمر الاثباتات لتورط غيرها كالعادة بالاثم. كما بلعت و سكتت امريكا عندما قتل جندي اسرائيلي ناشطة مدنية امريكية كانت ترفع علم ابيض مع سبق الاصرار، و لم تطالب حتى بالتحقيق المشترك مع الصهاينة. كما قتلت اسرائيل ناشط صحفي بريطاني كان يحاول سحب اطفال فلسطينيين من امام البلدوزر الذي جاء احتجاجا على بناء الجدار حول الضفة الغربية، و ادعت عدم علمها بالفعلة ثم اتضح ان الامر كان مدبرا و كان القتل متعمداً مع سبق الاصرار اي اكثر قوة في العالم. فأية امبراطورية هذه تعمل على حكم العالم، و تتخوف حتى من الاستفسار من دولة لا تتمكن من العيش بدون المساعدات الامريكية، تتخوف من الاستفسار عن قتل احد مواطنيها؟؟؟.
في مقابلة امس، اعيدت اليوم على محطة ال بي بي سي مع احد الصحفيين الامريكان في البيت الابيض، ظهر الرئيس اوباما و لأول مرة مهزوزاً و مرتبكاً وغير مسيطر كعادته على اي مقابلة تلفزيونية .
عندما سأله الصحفي، ان الرئيس بوتين قد اخذ زمام المبادرة و اثبت صلابة قيادية، في وقت ظهرت القيادة الامريكية مهزومة و مرتبكة ، تلعثم اوباما و سأل، عن اي قيادة؟ اخبره الصحفي قيادة مقاتلة الارهاب ” داعش” فكرر السؤال اوباما يتغابا ، و اجاب بسخافة غير معروفة عنه سابقا ، اذا كان اي رئيس يخاطر باقتصاد بلده و يحول الاموال للحرب. هنا ، لا نتفق عن القيادة. اي انه يستهين باقتصاد روسيا و ديونها. هنا يجب على الرئيس اوباما ان يسأل نفسه اولا ، اي بلد اكثر مديونية من امريكا؟ إلا ان السؤال الذي تهرب منه اوباما هو ان الرئيس بوتين قد اسقط مصداقية امريكا بمحاربة الارهاب و التطرف الديني. لكنه اوباما لا يتمكن من انتقاد التطرف الديني و كل سياسي امريكا اصحاب القول و الفعل هم المتطرفون دينيا، و الاهم ليس تطرفهم لديانتهم، بل لديانة دولة أخرى لا تتعدى نفوسها ستة ملاين انسان. كتبت المجلة بمانشيت عريض عن القصف الروسي للارهاب ” مدافع اكتوبر”.
في وقت صرفت ( كما تدعي ) امريكا ، اكثر من ٥٠٠ مليون دولار لتدريب ما سمتهم بالمحاربين غير الاسلاميين أي “المعتدلين” أو (المعارضة الشريفة)، وكانت النتيجة صفر حيث انتقلت الاموال و السلاح والمدربين، الى الدواعش و جيش النصرة و فرق ارهابية جديدة، ففشلت المحاولة او الخطة فاوقفتها امريكا و تفكر في خطة اخرى. فمن هم الفاشلون إذاً؟
تتراوح ردود افعال امريكا لدخول روسيا ،ردود افعال بين سياسيها لنزيد من عدم مصداقيتها ،اتفقوا مؤخرا بانهم يعترفون بوجود بشار و نطامه و جيشه و الشعب المازر معه ، الا انهم مابرحوا يتخبطون بين الرضى و الاعتراف بهذه الحقيقة و بين رفضها . صرح مؤخرا اوباما ( بعباء ) انه يغضل ابعاد الاسد عن السلطة قبل محاربة داعش و التطرف الاسلامي . وهذا الغباء ( ظاهريا ) يعبر عن سياسة امريكا و اعتمادها كليا على سياسة اسرائيل و المعلورمات التي تعبرها لامريكا . و الا كيف تستبعد رئيس يقاتل داعش لاكثر من خمس سنوات مع جيش مؤازر له و شعب منذ تدخل الارهاب في سورية ؟ و تجعل ازاحة هذا الرئيس بداية لمحاربة الارهاب . لكن خبث امريكا متاصل منذ انقلاب ٨ شباط الاسود في العراق . ان هذا الاعلان انما هو اشارة لضعاف النغوس في الجيش السوري للانقلاب على الرئيس بشار .و تتصف هذه السياسة بالغباء كذلك ، كيف ستصلون الى من تتصورنهم ضعاغ النفوس لينقابوا على بشار ، وهم من يقاتل معه منذ سنوات ، ثم ! من يتمكن ، ان وجد ، ان يستعين هذا الشخص بالاخرين لينفذ هذا الانقلاب ؟ ان امريكا قد فشلت في ايجاد معارضة حقيقة في سوريا ، الا الله بعض المرتزقة ، وهم مشتتون .
لم تفقد امريكا مصداقيتها مع العرب او مع دول العالم الثالث فقط . بل حتى مع الدول السائرة في سواقيها العفنة . الم تخفي امريكا المعلومات الدقيقة التي كانت بحوزتها عن الارهابين و اماكنهم ، الذين فجروا خمسة مواقف في لندن في السابع من تموز ٢٠٠٥ ؟، ربما لا يجابه سياسي اوربا امريكا بهذه الحقائق ، الا انهم لن يتناسوها ، وهذا هو فقدان المصداقية التي اتصفت به امريكا لاعتمادها على الاستخبارات الاسرائيلية في سياستها في الشرق الاوسط .
ان التدخل الروسي ليس نتيجة اليوم ، بل نتيجة الاستهانة او الاهانة التي فرضتها امريكا على روسيا منذ زمن طويل و تدخلها في امور تخص روسيا و لا علاقة لامريكا بها إلا من باب الصلافة السياسية و غطرسة القوة التي شعرت بها امريكا بعد انحلال الاتحاد السوفيتي،.ما اذهل امريكا ( كما تدعي ) هي دقة الاصابة و سرعتها و بعدها و تشخيص اهدافها ، الامر الذي كانت امريكا تتبجح بانها اكبر قوة ضاربة (عرفها الانسان )! و جمدت امريكا مشروع تدريب قوات تدعي بانها غير اسلامية، و هذا في عرف السياسة فشل عسكري و سياسي، و لا يمكن تسميته بغيره هذه الجملة ، فلماذا تعترض امريكا على مساهمة روسيا في الحرب على الارهاب، اذا كان هدفهما ( كما تدعي) هو نفس الهدف.
و كلمة ( مهمة) اخراعن دخول روسيا في محاربة داعش . هو دقة الاصابات و كثافتها و سرعتها . و هذا ما اذهل و سخف ادعاء امريكا بانها القوة العظمى في العالم .بل جعلها تشعر بالفشل الحقيقي ، اي بانها ليست القوة الوحيدة في العالم .
ان تفقد المصداقية و باستمرار شيء مخزي ، لكن عندما تفقد اي دولة السيطرة على احداث هي من قام بها فشيء اخر أكثر من الخزي ، بل سيوصف بالتآمر، انه حدث سيلازم من قام به طويلا .اي انه عار جديد تلبست به امريكا كقائدة للدول ، كما تدعي و ترغب ان توصف به.