د . صادق اطيمش
تمتاز اغلب طروحات الشيخ الجليل جعفر الإبراهيمي بالواقعية وإبداء التوجهيات والنصائح المفيدة ، خاصة لشبابنا الذي يتلقى اليوم سيلاً من الخرافات التي يطرحها بعض من يعتلون المنابر الدينية وكأنها شعائر دينية او التزامات شرعية، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني بان مثل هذه الخرافات ما هي إلا لتسويق بعض المفاهينم التي يمكن ان تكمن بين طياتها كثيراً من التوجهات الخاصة والعامة، إلا انها لا يمكن ان تمثل اي توجه ديني بحت. ومن الجميل طبعاً ان يتصدى خطباء منابر مرموقين كالشيخ جعفر الإبراهيمي إلى مثل ذلك، وهم يتحملون بهذا التصدي الشجاع كثيراً من التهم الباطلة التي يوجهها لهم بعض الشراذم المتاجرين بالشعائر الدينية التي جعلوها مهازل مسرحية اكثر مما هي ممارسات دينية تعبدية.ومن المفيد القول بأن مثل هذه الممارسات الغريبة برزت بهذه الشدة بعد ان برز تيار الإسلام السياسي بشدة على الساحة السياسية العراقية التي لم تعرف سابقاً إلا القليل من هذه الممارسات الشاذة والتي كانت موضع انتقاد رجال الدين المرموقين. ومن الملاحظ اليوم ان شدتها وتنوعها وطغيان ممارستها يتناسب تناسباً طردياً من اشتداد نفوذ الإسلام السياسي وتنوع احزابه وكثرة المستفيدين منه لمصالحهم الشخصية ومنافعهم الذاتية التي تلقى التشجيع والمؤازرة من هذا الحزب السياديني او ذاك، ما دام مردود مثل هذه الممارسات يصب في ميزانية الحزب وقادته بشكل اساسي.
وفي احدى المحاضرات القيمة للشيخ جعفر تطرق وبشكل معارض جداً وبموقف سلبي تماماً من الشعار الذي طرحه المتظاهرون في مظاهراتهم والذي يقول : باسم الدين باكونا الحرامية. وقد فسر الشيخ جعفر سبب امتعاضه من هذا الشعار باعتباره يسيئ إلى الدين محاولاً تفسير ذلك بقوله: ( ليس بالنص ولكن بالمعنى) ليس كل من وضع العمامة على راسه هو رجل دين، فإذا سرق احد هؤلاء فلماذا تُتهم العمامة ؟ او : إذا سرق حرامي وتستر بالعمامة، فهل يعني هذا ان هذا الحرامي هو رجل دين لأته وضع العمامة على رأسه. وعلى هذا المنوال استمر الشيخ بضرب بعض الأمثلة الأخرى التي اراد من خلالها الوصول إلى خطأ الشعار المرفوع: باسم الدين باكونا الحرامية ، لأنه يمس الدين وليس الذين سرقوا وهم لا علاقة لهم بالدين، بل تلبسوا لباس الدين.
وهنا نختلف مع الشيخ الجليل كونه مسك بمؤخرة المشكلة التي يعاني منها شعبنا ووطنا اليوم وليس برأسها. ونسأل سماحة الشيخ لو انه عالج مشكلة الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية والذي اكمل فيه ساسة الإحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط البعثفاشية المقيتة، مسيرة دكتاتورية البعث التي كان الشعب يأمل الخلاص منها، ولم يدري بأن خلفاء البعث اقسموا على ان يسيروا على نفس ذلك النهج الأهوج في خراب البلد وتدميره، ذالك بالحروب وهؤلاء باللصوصية.
نسأل الشيخ جعفر كيف سيكون تحليله لخراب البلد من خلال انتشار الفساد المالي والإداري وغياب الدولة بكل قوانينها وضياع الهوية الوطنية واستفحال العشائرية وكل ما يعاني منه الشعب العراقي اليوم، لو امسكنا بمقدمة المشكلة وليس بمؤخرتها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال عكس الفرضيات اعلاه التي جاء بها سماحة الشيخ ليرفض شعار المتظاهرين : باسم الدين باكونا الحرامية. واحدى وسائل هذا الطرح الرأسي يمكن ان تكون مثلاً: ما هو تعريف سماحة الشيخ جعفر لأحزاب وتجمعات سياسية تحمل اسماءً دينية وتتبنى منهجاً دينياً ويقودها رجال عُرفوا من قبل القاصي والدني بتوجهاتهم الدينية وقد حاربوا النظام الدكتاتوري بالفعل من هذا المنطلق الديني، ولم تختلف معهم المرجعية الدينية في حمل هذه الأسماء ولم تعترض عليها،بل بالعكس فإن هناك تقارب ملموس استمر لفترة طويلة، ولم يزل بعضه لحد الآن بين المرجعية الدينية وهذه الأحزاب والتجمعات، وإن هذه الأحزاب اتخذت من املاك الدولة، اي املاك الشعب العراقي، مقرات لها مؤثثة بمئات الملايين من الدنانير، إن لم نقل بالمليارات، التي لم يكن اي من هذه الأحزاب والتجمعات الدينية يملك عشر معشارها قبل مجيئهم على قمة السلطة السياسية، وتقام في هذه المقرات الضخمة افخر الولائم بين الملايين من الجياع، وتعقد فيها احياناً ايضاً الجلسات الدينية التي تُصرف فيها الملايين ايضاً، وتمارس هذه الأحزاب توزيع الهدايا على الناخبين وقت الإنتخابات والتي تغلفها بشعارات دينية لم يجر الإعتراض على تبنيها حتى من قبل المراجع العلمية الدينية التي امرت مؤخراً بعدم وضع صور المراجع على لافتات الإنتخابات، اما ما تبقى من الشعارات الدينية فلا اعتراض عليها، إضافة إلى ذلك فإن هذه الأحزاب وقادتها يمتلكون العقارات والملايين ، بل الملياردات، في الوقت الذي كانوا فيه من فقراء الناس قبل مجيئهم إلى السلطة، وليس الفقر بعيب، هذا والمزيد المزيد من ذلك الذي برزت آثاره على ميزانية الدولة العراقية التي اخذت تزداد إفلاساً كلما ازداد إثراء وبذخ هذه الأحزاب الدينية وقادتها، والشواهد على ذلك يعرفها سماحة الشيخ اكثر من غيره. فكيف يُعرِف سماحته هذه الأحزاب ؟ إن قال لنا بوضوح العبارة وبدون اي تردد بأن هذه الأحزاب وقادتها وبرامجها بعيدة عن الدين ولا علاقة لها البتة لا بالدين ولا بالممثلين الحقيقيين للدين من المراجع العظام، إن اكد لنا سماحة الشيخ ذلك بصريح القول، فإننا نتفق معه بخطأ هذا الشعار الذي طرحه المتظاهرون : باسم الدين باكونا الحرامية، وإن كان الأمر معكوساً، وهذا ما نؤمن به من خلال الوقائع التي يعيشها الشارع العراقي اليوم، فإن هذا الشعار صحيحاً وينبغي لكل مخلص للدين وللوطن، والشيخ جعفر احدهم، ان يتصدى لهؤلاء اللصوص إنقاذاً للدين ومبادءه منهم ومن تصرفاتهم اللااخلاقية التي وضعوا الدين واجهة لها.
او إذا تطرقنا إلى رجل دين ينتمي إلى عائلة دينية، ويلبس الجبة والعمامة اللذان تشكلان رمز اللباس الديني، وتحتضنه المرجعية الدينية باعتباره واحداً منها، ويمارس العملية السياسية باسم حزب ديني، ويعطي النصائح المبطنة بالتهديدات الدينية في حالة عدم انتخاب قائمته في الإنتخابات، ويربط قائمته بكل المقدسات الدينية كالصلوات الخمس واركان الدين الخمسة والخمسة اهل الكساء، دون ان يرد عليه احد من رجال الدين المرموقين لينهاه عن استعمال هذه الرموز الدينية لأغراض سياسية انتخابية خاصة. ما هو تعريف سماحة الشيخ جعفر لمثل هذا الشخص: هل هو رجل دين ام هو متطفل على الدين. فإن اجاب الشيخ بانه متطفل على الدين فإنني اتفق معه تماماً ببطلان شعار المتظاهرين: باسم الدين باكونا الحرامية. وإن قال الشيخ ان مثل هذا الشخص ينتمي إلى الدين وهو رجل دين فعلاً، فهنا لا يمكننا إلا ان نؤمن بصحة هذا الشعار إذا ما ثبت لدينا بأن رجل الدين هذا يمثل واجهة من واجهات الفساد المالي والإداري واللصوصية في الدولة العراقية وإنه ومن معه هم الذين اثروا بين عشية وضحاها إثراءً لا يمكن لأي عاقل ان يبرره بأي مبرر، إلا بسلوكهم الطريق الذي جعلوا من انتماءهم ومركزهم الديني طريقاً للنهب والسلب تحت واجهات دينية . ومن امثال رجل الدين هذا هناك الكثيرون المنتمون إلى الدين فعلا وإلى المؤسسة الدينية والمُعترف بهم كرجال دين او ممن يمارسون قيادة بعض الواجهات الدينية المُعترف بها ايضاً والتي لا يمكن تسميتها بانها طارئة على الدين بأي حال من الأحوال.
أملنا ان يبادر المخلصون للدين والوطن، والشيخ جعفر الإبراهيمي لاشك منهم، ان لا يجاملوا على حساب الحق والعدالة التي انتهكها البعض من خلال اختفاءهم وراء الشعارات والمبادئ الدينية التي يسوقونها إلى الناس البسطاء وكأنها الدين بذاته وإيهامهم بأن كل ما يصدر عن هؤلاء لا يرقى اليه الشك، مهددين بعذاب الدنيا والاآخرة لمن لا يلتزم باقوالهم ويتبعهم على الطريق الذي هم عليه.