صحيفة اللومانيته *
ترجمة عادل حبه
نشرت صحيفة اللومانيته الفرنسية في عددها الصادر في 16 تشرين الأول عام 2015 لقاءاً مع الخبير التركي في الشؤون الجيوبوليتيكية “ديديه بيليون”، لإلقاء الضوء على الانتخابات التركية التي ستجري في الأول من تشرين الثاني من هذا العام، إضافة إلى التطرق إلى التفجيرات الأخيرة التي عصفت في البلاد.
اللومانيته: هل ستؤدي التفجيرات الأخيرة وضحاياها في عشية انتخابات الأول من تشرين الثاني إلى استقطابات في في هذه الانتخابات؟
ديديه بيليون: يشار بأصابع الاتهام صوب الحكومة في هذه التفجيرات الإرهابية. إن ضلوع تركيا في الحرب في العراق وسوريا قد أضفى على الاضطرابات في تركيا أبعاداً جديدة. فقد جرّ أردوغان تركيا إلى طريق العنف والمواجهات في الشوارع والتي تتصاعد يوماً بعد يوم. أشير ببضع كلمات إلى أن الوضع أضحى خطيراً وجدياً، خاصة وأن مختلف لاعبي المسرح السياسي التركي قد جنحوا إلى طريق الحرب والصدام الذي لا يمكن السيطرة عليه. إنني اعتقد بأن أردوغان هو المسؤول الأصلي عن عدم الاستقرار والفوضى في تركيا. إن تجنب الوقوع في مسار العنف الذي تؤججه الحكومة لا يعني أن المواطنين الاتراك والأكراد سوف يكفون عن تعبئة قواهم لصد هجمات أردوغان. فالتعبئة الشعبية هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة ونجاة تركيا من الوقوع في فخ مواجهات عنفية داخلية خطيرة. لقد بدأت هذه التعبئة في الواقع منذ الحادي عشر من تشرين الأول الجاري على شكل مظاهرات شعبية احتجاجية ضد سياسة الحرب التي تتبعها الحكومة التركية. وعلى الرغم من هول الانفجارات والموت، فإن الشارع هو الخندق الأخير للتعبير عن حرية الرأي. ويخوض المجتمع التركية في هذا الامتحان حالياً نضالاً ضد حكومة أردوغان سواء نجحت أو أخفقت هذه النضالات. فأردوغان يسعى إلى تثبيت سطوته وشحذ سيوف الحرب بين الطرفين من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن طيف عريض من المواطنين الاتراك يعبأ قواه لمواجهة ستراتيجية الطموح للحرب.
لقد كانت انتخابات حزيران الماضي مؤشراً ايجاباً وتأكيداً على الاشتراك الواسع للناخبين الاتراك لتحديد هوية البرلمان التركي. ففي هذه الانتخابات نال الحزب الديمقراطي للشعوب، والذي يدافع عن حقوق الأكراد، نسبة تزيد على 8-10% قياساُ بالانتخابات السابقة، وحصد 81 مقعداً في البرلمان التركي. ولم يرضخ أردوكان لهذه النتيجة وذهب صوب خيار إجراء انتخابات جديدة على أمل أن يحصل في انتخابات تشرين الثاني على نتائج أفضل لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وبذلك سيكون باستطاعة أردوغان تحقيق حلمه بتغيير القانون الأساسي لتكريس سلطته الفردية. وعاد أردوغان إلى هذا الحلم بعد أحداث العنف الأخيرة. ولكن كل المؤشرات توضح أن النتائج ستكون أضعف من سابقتها في حزيران الماضي بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية. والسبب يعود إلى أن الاتحادات العمالية النقابية ستخوض الانتخابات هذه المرة بشكل أوسع للوقوف بوجه الحزب الحاكم. وهنا ينبغي أن لا نغفل حقيقة التزوير عند الاقتراع أو افتعال حوادث من قبل الحكومة عشية الانتخابات. ولكن الوضع الحالي لا يسير لصالح الحكومة ستراتيجياً.
اللومانيته: قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية، هل يستطيع أردوغان بذريعة الوضع الاستثنائي أن يصادر السلطة ويؤجل الانتخابات؟.
ديديه بيليون: منذ شهر تموز الماضي صمم أردوغان على اتباع ستراتيجية الحرب – التوتر ضد معارضيه في تركيا. وبعد الحملة في 20 تموز ضد النشطاء الأكراد في “سوروج”، قام أردوغان بتنظيم صراعه ضد ب.ك.ك. فهو على معرفة بأن الأكراد ينظمون صفوفهم وبموافقة ب.ك.ك.، وصوتوا لصالح الحزب الديمقراطي للشعوب الذي حصد 81 مقعداً في البرلمان. وأعلن أردوغان أن الأكراد إرهابيين، في حين أن الإرهابي الحقيقي هو داعش الذي يلقى الحماية والدعم من الحكومة التركية. والآن ومنذ عدة شهور لم يتردد أردوغان عن اتباع مختلف الوسائل والفنون من أجل فرض سلطته المطلقة والحصول على الأكثرية المطلقة في البرلمان. وجواباً على سؤالكم، يجب علي القول إنه بعد الحملة الأخيرة بالمظاهرات السلمية للأكراد في أنقرة وردود الفعل الداخلية والخارجية، فإن كان أردوغان يحلم بتأجيل الانتخابات، فقد أعاد الآن النظر متبعاً تكتيكاً جديداً. ولهذا نراه يشدد في هذه الأيام من جديد على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
إن أردوغان يسعى إلى جذب آراء الناخبين لصالح حزب العدالة والتنمية ويحاول أن يظهر وكأن الحل الحيد للنضال ضد الإرهاب هو التصويت لصالح حزبه، هذا التكتيك الذي لم يعد له أية قيمة لدى المواطنين. وتشير آخر استطلاعات الرأي قبل الانفجارات التي حصلت في أنقرة إلى أن الشعب أصبح على علم بتكتيكات أردوغان. وعمقت التفجيرات الإرهابية في انقرة قناعة الشعب بتكتيكات أردوغان بالتأكيد. وستظهر نتائج الانتخابات بعد عدة أسابيع صحة هذه الاستنتاجات.
اللومانيته: هل من الممكن انبثاق جبهة ضد أردوغان في تركيا؟
ديديه بيليون: من الصعب جداً انبثاق اتحاد انتخابي في تركيا الآن. إن كل من الحزب الديمقراطي للشعوب والحزب الشيوعي التركي أعنا معارضتهما لسياسة أردوغان، وتوصلا إلى قدر العمل المشترك. ومن ناحي أخرى يبدو من الصعب تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العمل القومي (يميني)، بل وأصبح أكثر صعوبة. يمكن أن تستجد بعض الحوادث لحين إجراء الانتخابات. إننا نشهد الآن المظاهرات حتى ضد الحكومة بعد انفجارات أنقرة، وهذا ما سوف نشاهد هذا العامل وتأثيره عند الاقتراع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*http://www.humanite.fr/erdogan-se-presente-comme-un-rempart-contre-le-terrorisme-587079