الرئيسية / مقالات / البارزاني.. هل سيكون ديكتاتور كردستان الأخير؟

البارزاني.. هل سيكون ديكتاتور كردستان الأخير؟

هوشنك بروكا

وصف رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني ب”الديكتاتور”، الذي حوّل كردستان إلى “مزرعة” العائلة على حدّ وصف بعض التقارير، ليس بجديد، ولكن ربما الجديد في هذا السياق هو تحوّل قضية “ديكتاتورية” البارزاني إلى قضية رأي عام ليس في كردستان وحواليها فحسب، وإنما في الخارج البعيد أيضاً، وعلى رأسه أميركا. ولعلّ الإستطلاع الذي يقوم به الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض الأمريكي حول مستقبل بارزاني كرئيس لكردستان، ووصفه له ب”أحد ديكتاتوريي الشرق الأوسط” مشبهاً إياه ب”هتلر كردستان”، هو نقلة نوعية في هذا الإتجاه، وهو إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على أنّ طريق بارزاني إلى كرسي الرئاسة ما عاد مفروشاً بالورد. أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها بارزاني لتثبيت أركان حكمه، هو استنساخه لظاهرة التوريث السياسي من الأنظمة العربية المجاورة وتطبيقها في كردستان، عبر اختزال السلطة في “الثالوث البارزاني” (البارزاني مسعود رئيساً، والبارزاني نيجيرفان رئيساً للحكومة والبارزاني مسرور رئيساً للأمن القومي)، ناهيك عن تحكّم الدائرة الضيقة في العائلة بجميع الأجهزة الأمنية والإستخباراتية الحساسة ومفاصل الإقتصاد في كردستان العراق ولا سيما ملفات النفط والإتصالات وتجارة العقارات.
كردستان العراق ليست بخير.. هذا ما تشير إليه كلّ الوقائع على الأرض. بعد حوالي ربع قرن من قيام كردستان ك”شبه دولة”، لها حكومتها وبرلمانها وقضاءها وجيشها ومخابراتها. بعد مرور أكثر من عشر سنوات (ثلاث دورات متتالية) من تسلّم الرئيس بارزاني مقاليد الحكم بكلّ مفاصله، تبيّن أنّ كردستان لا تتجاوز أكثر من كونها “دولة مارقة” خاضعة لنظام شمولي ديكتاتوري يعطّل فيه البرلمان والقضاء والدستور، ناهيك عن تعطيل الحريات الشخصية والعامة بإعتماد القوة والبطش والقتل لبسط النفوذ على المواطنين وإرهابهم من خلال أجهزة الأمن التابعة للفوق الكردي الحاكم.
خروج جماهير كردستان إلى الشارع، مؤخراً، للتعبير عن رفضها لواقع البلاد التي تعيش أزمة سياسية وإقتصادية ومالية ومعيشية خانقة، وتعرّضها للعنف والقتل على أيدي القوات الأمنية التابعة لحزب رئيس الإقليم مسعود بارزاني، ما أدى إلى ارتفاع حدّة الخطاب بين حزب بارزاني وأحزاب المعارضة وعلى رأسها حركة كوران بزعامة نوشيروان مصطفى، كلّ ذلك يشير إلى بوادر إنزلاق الإقليم نحو الهاوية والدخول في سيناريو شبيه بسيناريوهات أوائل وأواسط تسعينيات القرن الماضي، وجرّ البلاد إلى لعبة “شفير الهاوية”.
ما جرى في السليمانية مؤخراً كشف القناع عن حقيقة كردستان العراق بإعتبارها صورة طبق الأصل عن “الدولة الفاشلة” التي سقطت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. الجمهور الكردستاني رفع سقف مطاليبه من شعار “الشعب يريد الإصلاح” إلى شعار “الشعب يريد إسقاط النظام / الرئيس”، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على انتقال عدوى الشعوب الجارة، سلباً أو إيجاباً، إلى شعب كردستان أيضاً، الذي يعاني منذ حوالي عقدين ونيف من ذات النظام وذات الديكتاتورية وذات الحزب الواحد والقائد الواحد والدين الواحد والعشيرة الواحدة.
يعيش إقليم كردستان اليوم في أقصى درجات إنهياره، حيث وصلت مديونية حكومته بحسب تصريحات رسمية إلى أكثر من 20 مليار دولار، ووصلت معدلات النمو الإقتصادي في كردستان إلى أدنى درجاته. بحسب تقارير رسمية وبإعتراف مسؤولين في حكومة الإقليم، “انخفض حجم الاستثمار الأجنبي والمحلي من سبعة بلايين دولار خلال النصف الأول من العام الماضي إلى بليون دولار هذه السنة، فيما تراجعت معدلات التبادل التجاري بمقدار النصف”. هذا بحسب مؤشرات النصف الأول من هذه السنة.
إفلاس البنوك في كردستان، ووقف مشاريع الإستثمار وتدفق السيولة الأجنبية وتراجع معدلات الإستيراد والتصدير إلى ما دون النصف مقارنةً مع العام الماضي، واشتداد الأزمة الإقتصادية جرّاء الصراع ما بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، وفشل الحكومة في تسديد رواتب الموظفين وإيجاد خيارات بديلة، وعدم الإستقرار المالي والإقتصادي في دول الجوار بسبب الصراع الدائر في المنطقة، وغياب سياسة نفطية وزراعية حكيمة، وانتشار الفساد المالي والسياسي كالسرطان في جميع مفاصل الإقليم، وغياب بنية تحتية في البلاد، وتعطّل مؤسسات الدولة وإختزال الأخيرة في مؤسسات الحزب، وغياب مؤسسة عسكرية وطنية قادرة على حماية الدولة والمواطنين، وتحكم النخبة السياسية الحاكمة بجميع مقدّرات الإقليم وسيطرتها على كل مفاصل الإقتصاد ونهبها للمال العام، كلّ ذلك يشير إلى أنّ الوضع في كردستان يتجه من سيء إلى أسوأ، ولا بوادر قريبة على انفراج الأزمة فيها، سواء بين هولير وبغداد، أو بين “كردستان هولير” و”كردستان السليمانية”، أو بين حزب بارزاني وأحزاب المعارضة الأخرى.
أحد أهم الأسباب الحقيقية الأخرى، الكامنة وراء أزمة كردستان الراهنة، هو سقوط الدولة في الحزب، والشعب في العشيرة، ودستور الدولة في دستور الدين، ناهيك عن اتباع الرئيس بارزاني طيلة سنوات حكمه سياسة “أنا ومن بعدي الطوفان” على طريقة فلسفة الديكتاتور التي اتبعها رؤساء “الدول المارقة” من قبله.
الخطأ الإستراتيجي الآخر الذي ارتكبه بارزاني ولا يزال، هو إدارة ظهره لبغداد وتسليمه لكافة مفاتيح هولير إلى أنقرة، وكأن كردستان هي “ولاية تركية”، وانحيازه بالتالي في الصراع الإقليمي والدولي الدائر في المنطقة إلى المحور السنّي بقيادة تركيا ضد المحور الشيعي بقيادة إيران.
بعد سقوط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 استطاع الأكراد لعب دور بيضة القبّان في العراق بسبب سلوكهم سياسةً واقعية وحكيمة (لدرجة وُصف القادة الأكراد في حينه بحكماء العراق)، وانحيازهم بالتالي إلى قوميتهم كأكراد ضد طائفتهم كسّنة، وكانت النتيجة هي تحالف الأكراد مع الشيعة، ما انعكس إيجاباً على وضع كردستان سياسياً وإقتصادياً وعمرانياً. لكنّ مع اشتعال الأزمة السورية وتمددها إلى دول الجوار لا سيما العراق، ودخول الحلف السني في الحرب الطائفية بقوة لإسقاط “سوريا العلوية” تحت يافطة “إسقاط النظام” وبناء “سوريا سنيّة” على أنقاضها، وتورط الحلف في دعم جماعات إسلامية متطرفة، بينها جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، سقط بارزاني في فخّ أردوغان وحلفه، ما أدى إلى سقوط سيناريو “الخط الثالث” في كردستان عن الحسابات وانقسام الأخيرة ما بين “أكراد المحور الإيراني” و”أكراد المحور التركي” وعودة أكراد العراق وكردستانهم إلى المربع الأول، والإنقسام بين إدارتين وجيشين وحكومتين: واحدة في هولير تجت سلطة بارزاني وأخرى في السليمانية تحت سلطة الإتحاد الوطني.
على الرغم من انتهاء ولاية رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني منذ 20 أغسطس الماضي، ودخول الإقليم في فراغ دستوري لم تتمكن القوى السياسية الرئيسية من الإتفاق على مخرج له بعد، إلا أنّه لا يزال يتصرّف وكأنه الرئيس الشرعي، أو الرئيس الباقي في البلاد، بدليل أن جميع مبادرات حزبه التي قدّمها حتى الآن لحلّ هذه الأزمة مشروطة ببقاء بارزاني في سدّة الرئاسة، ما يعني أنّ ترك بارزاني للسلطة هو أمر مستبعد جداً، خصوصاً وأنّ جميع مسؤولي حزبه يؤكدون على هذا المطلب بإعتباره “خطاً أحمراً” أو “مقدساً كردياً” لا تنازل عنه.
كثيراً ما وصف بارزاني نفسه ب”البيشمركة” الذي لن تغيّر السلطة من بيشمركياتيته شيئاً، لكنّ عشرة سنين من تسلّمه لمقاليد الحكم في كردستان وتوريثه للسلطة إلى أبنائه وإخوانه وأبناء أخوانه وسائر أفراد عائلته، أثبتت لشعب كردستان أنّه بدلاً من أن يبقى على عهده ك”بيشمركة رئيس” تحوّل بكلّ أسف إلى بيشمركة ديكتاتور فرض على البلاد حكماً وراثياً، ولكّن السؤال الذي يبقى ههنا هو:
هل سيكون البارزاني ديكتاتور كردستان الأخير؟

إيلاف