الرئيسية / مقالات / فـي سوريــة.. التقسيــم الناعــم بــدأ

فـي سوريــة.. التقسيــم الناعــم بــدأ

أحمد الشرقاوي / مصر

إذا كانت أمريكا هي المشكلة، فكيف يمكن أن تكون جزءا من الحل في سورية؟.. هذا هو السؤال الذي انطلقنا منه لنقول في مقالتنا السابقة، أن مؤتمر فيينـا كان مجرد خديعة لإفشال الحملة العسكرية الروسية بالسياسة، من خلال التحضير لقرار أممي يقضي بوقف إطلاق النار لفسح المجال أمام المفاوضات السياسية بين الحكومة والمعارضة..
كما وأن المؤتمر الذي دعت إليه واشنطن على عجل، كان مناسبة استغلها الثعلب جون كيري لاستمزاج مواقف روسيا وإيران من مصير الرئيس المجاهد بشار الأسد، من مدخل ضرورة إبداء المرونة ما دامت أمريكا قد قبلت بفترة انتقالية تدوم لـ 18 شهرا بدل 6 أشهر التي يتمسك بها حلفائها وأدواتها..
وهل هناك في هذا العالم المتحضر اليوم، دولة مستقلة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة، يمكن أن تقبل بتدخل الغير في شؤونها السيادية ليفرض على شعبها نظام الحكم الذي يجب أن يقبل به، والشخص الذي يحكمه أو لا يحكمه؟.. هل تقبل قبيلة “السعودية” الرجعية بذلك لنفسها كما يشترطه وزير خارجيتها المصاب بـ”عقدة الأسد” بالنسبة لسورية؟..
وها هي التطورات الأخيرة تؤكد صحة هذا الاستنتاج، ففي الوقت الذي كان المجتمعون في فيينا يتداولون بشأن العناوين العامة للحل السياسي في سورية، كان الرئيس أوباما يوقع قرارا يقضي بإرسال 50 مستشارا عسكريا كدفعة أولى لمساعدة “المعارضة المعتدلة” في محاربة “داعش”، وفق ما أعلنه البيت الأبيض السبت.
والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: – ما هي دوافع وأهداف هذا القرار الجديد، وما معنى أن يقول الوزير جون كيري عقب ذلك، أنه يؤيد قرار الرئيس أوباما ولا يستبعد أن يتم إرسال دفعات أخرى من المستشارين العسكريين إلى سورية؟..
هذا في الوقت الذي يوجد في سورية والعراق آلاف الجنود الأمريكيين الذي يدربون ويسلحون ويؤطرون الجماعات التكفيرية بمختلف أسمائها ومسمياتها، بل منهم من يرتدي لباس التكفيريين ويرفع أعلامهم ويقود معاركهم ضد الجيش العربي السوري والجيش العراقي..
ولعل عملية تحرير ما قيل أنهم رهائن أكراد لدى داعش في الحويجة (45 كم جنوبي غربي كركوك)، من دون موافقة الحكومة العراقية في انتهاك سافر للسيادة العراقية، أثارت الكثير من الأسئلة التي لم يجد السيد حيدر العبادي أجوبة شافية ليقدمها لشعبه، بالرغم من أن المعلومات تؤكد أن الأكراد المحتجزين لدى “داعش” لم يتم تحريرهم حتى الآن، ومع ذلك، لم يستدعي السيد العبادي السفير الأمريكي ليستفسره عن الأمر، ولم يقدم احتجاجا رسميا لقيادة التحالف الدولي، وكأن العراق أرض مستباحة للأمريكي والإسرائيلي وكل من أراد العبث بشرفها.
كما وأن العملية البطولية التي قام بها الجيش العربي السوري وأسر على إثرها الأسبوع الماضي 50 إرهابيا من “داعش” بعد مقتل زعيمهم في محافظة القنيطرة، وتبين من استنطاقهم من قبل المخابرات السورية أن معظمهم أجروا دورات تدريبية مكثفة في معسكرات تابعة للولايات المتحدة أنشئت في دير الزور شرق سورية، حيث تدرب هؤلاء المجرمون على عمليات التخريب بالمتفجرات واكتسبوا مهارات في القتال ونقل الإحداثيات للقيادة الأمريكية والإسرائيلية، واستكشاف ترددات أجهزة الراديو لمعرفة تحركات الجيش العربي السوري.. لأكبر دليل على أن الجماعات التكفيرية وعلى رأسهم “داعش” هي التي تشكل جوهرة جيش أوباما السري الذي يحارب به الدولة السورية والعراقية، فكيف يمكن الوثوق بأمريكا وقولها أنها تحارب الإرهاب في سورية والعراق؟.. هذا السؤال نوجهه لعميل أوباما السيد حيدر العبادي الذي يتمسك بالتحالف الأمريكي ويرفض القبول بالمساعدة الروسية.
وإذا كان من لا تزال لديه في العالم العربي ذرة من شك، بأن أمريكا وأدواتها وعلى رأسهم “السعودية” وتركيا وقطر والإمارات، متورطون حتى العظم في دعم الإرهاب وتوظيفه لتحقيق أهداف أسيادهم في واشنطن وتل أبيب، فها هي مخابرات الجيش العربي السوري تعلن رسميا ليسمع العالم أجمع، أن هذه الدول نقلت الأسبوع الماضي 500 إرهابي “داعشي” من أصل 1600، من تركيا إلى مطار عدن، ليذبحوا الشعب اليمني المظلوم في ما تقول السعودية أنها “عاصفة الإجرام” لاسترجاع شعبية رئيس طرطور مستقيل وهارب، خائن لوطنه ومجرم بحق شعبه.. وهذا غيض من فيض، لأن ما خفي أعظم، وهذه ليست المرة الأولى التي ينقل فيها التكفيريون من سورية إلى اليمن.
*** / ***
وبالنسبة لدوافع القرار الأمريكي بإرسال مستشارين عسكريين إلى سورية، فما من شك أن الدخول الروسي المفاجئ في الحرب على الإرهاب من البوابة السورية خلط كل الأوراق، وغير الموازين، وقلب المعادلات، ليس في المنطقة فحسب، بل وعلى مستوى العالم، بما كشفه من فضائح وأحدثه من صدمات..
ولعل الفضيحة الأولى، تمثلت في اكتشاف شعوب العالم، أن أمريكا وبرغم إقامتها لحلف يضم 66 دولة لمحاربة الإرهاب، إلا أنها لم تحقق في ظرف أكثر من سنة ما حققته روسيا أضعافا مضاعفة في ظرف لا يتجاوز الشهر، الأمر الذي يؤكد أن هدف أمريكا الحقيقي ليس محاربة الإرهاب، بل توظيفه من أجل تدمير دول المنطقة وتمزيق شعوبها وطمس هوياتها، لأن الديمقراطية وفق المشروع الأمريكي الجديد لا تصلح للعرب، والحل يكمن في تقسيمهم إلى إمارات عرقية وطائفية ومذهبية ليظلوا يتصارعون، يذبح بعضهم بعضا لعقود قادمة، ما داموا لا يستطيعون العيش مع بعضهم بسلام..
وهذا بالضبط هو ما كشفه التقرير المشترك لمدير المخابرات الفرنسية والأمريكية قبل حوالي أسبوع، حين أكدوا عقب اجتماع لهم لتدارس الأوضاع في الشرق الأوسط، أن حدود سايكس وبيكو القديمة لم تعد قائمة، وأن المنطقة على أبواب عملية تقسيم جديدة على أسس مغايرة، وبالتالي، فـ”داعش” و”النصرة” والجماعات التكفيرية الأخرى هي مجرد أدوات وظيفية أوكل إليها مهمة رسم الخرائط الجديدة.
أما الفضيحة الثانية، فتمثلت في حصول قناعة لدى الشعوب العربية والإسلامية، أن نظام آل سعود الوهابي وأردوغان الإخونجي، وقطر الوهابية – الإخونجية، هم أخطر على الأمة من “إسرائيل” التي يزايدون عليها في العداء للعروبة والإسلام، وأنهم مجرد أدوات وظيفية يستخدمها الأمريكي لتشويه الإسلام، وذبح العرب والمسلمين، وإشعال نار الفتن بين مكونات الأمة لضرب لحمتها وإسقاط حلمها في التحرر والتحرير والوحدة، والمفارقة أن ذلك يتم بأموال ومقدرات شعوب المنطقة.
هذا هو المشهد الأسود الذي رسمه سماحة السيد قبل أشهر، وتحديدا بتاريخ 23 آذار/ماي من الجاري حين قال، أنه لم يعد هناك خلاف بين السعودي و القطري والتركي الذين كانوا يتقاتلون على النفوذ في سورية بالوكالة، ما يعني: أننا “على أبواب مرحلة جديدة لا مكان فيها للإحباط، مرحلة سنستخدم فيها كل قوتنا وكل إمكاناتنا لمواجهة التكفيريين، وسنقاتل في كل مكان بعيون مفتوحة”، ولخطورة المشروع وحساسية المرحلة، لوح سماحة السيد بإعلان النفير العام، لأنه لم يبقى أمامنا، كما قال، سوى خيارات ثلاثة: 1- أن نقاتل أكثر من السنوات الأربع الماضية.. 2 – أن نستسلم للذبح ونترك النساء والبنات للسبي.. 3 – أن نهيم على وجوهنا في بلدان العالم ذليلين من نكبة إلى نكبة، وبالتالي، أمام معركة من هذا الحجم، لا خيار أمامنا غير المواجهة، حتى لو أدى الأمر لاستشهاد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع ليعيش بشرف وكرامة”.. فأين العرب يا ترى من هذا الفهم؟..
أما على مستوى الصدمات التي أصيبت بها أمريكا جراء التدخل الروسي، فقد تمثلت الأولى في فشل المخابرات الأمريكية والأطلسية فشلا ذريعا في رصد تحركات الروسي واكتشاف نواياه وأهدافه من دخوله الحرب على الإرهاب في سورية، الأمر الذي دفع بالكونجرس لطلب استجواب الإدارة لمعرفة أسباب وتداعيات هذا التقصير الخطير..
فيما الصدمة الثانية كانت أكثر وقعا وتأثيرا، بعد أن أكد خبراء استراتيجيون عسكريون في مراكز الدراسات الغربية المرموقة، معطى غاية في الأهمية والخطورة، ومفاده، أن الغرب قصير النظر ولم يتوقع روسيا بهذه القوة المدهشة التي فاجأت الجميع، وكان الاعتقاد السائد، أن روسيا خسرت السجال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق ونهاية الحرب الباردة، إلا أنه تبين مؤخرا، أن أمريكا ومعها الحلف الأطلسي لا يملكون أكثر من 10% من القدرات التي تملكها روسيا في مجال الحرب الإلكترونية، ناهيك عن القدرات البرية والبحرية والجوية والصاروخية المتطورة التي تفوق ما لدى الغرب من تكنولوجيا، ولا نتحدث هنا عن القدرات النووية..
كما وكشف خبير عسكري صيني مرموق في مقالة نشرتها صحيفة (Global Times) الصينية مؤخرا، أن مستوى الجيش الروسي، لا يزال من حيث العدة والعتاد والخبرة والتدريب، عاليا ويعد من مستوى جيوش الدول العظمى، مذكرا بعبر التاريخ التي تقول، أن الروس مقاتلين أقوياء، انتصروا على نابليون والحقوا بجيشه هزيمة نكراء، وتغلبوا على ألمانيا النازية زمن هتلر، ونصح الخبير الصيني الغرب بعدم الاستهانة بروسيا، لأن خصوم روسيا طالما دفعوا الثمن غاليا لأنهم استهانوا بها..
لكن ما زاد الطين بلة، هو اكتشاف الإدارة الأمريكية أن الروسي حضر لهذا الانقلاب الكبير بالتحالف الإستراتيجي مع الإيراني، في إطار منظومة دولية جديدة ناشئة تقف ورائها الصين و”منظمة شانغهاي” و”البريكس” و”منظمة الأمن الجماعي”، وهذا يعني في الإستراتيجيا، أن العالم انقسم إلى معسكرين، معسكر شرقي تقوده روسيا، ومعسكر غربي تقوده الولايات المتحدة، وأن المواجهة ستتخذ أشكالا عدة، وستطال المجال السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي والعسكري بالوكالة، لأن لا أحد يمكنه أن يراهن على خيار المواجهة المباشرة بين الكبار، لما له من تداعيات كارثية على البشرية جمعاء.
*** / ***
هذا في ما له علاقة بدوافع القرار الأمريكي القاضي بإرسال مستشارين عسكريين إلى سورية، أما من حيث الأهداف، فيمكن القول، أنه وأمام ذهول الجميع، لم يجد الخبراء في البنتاغون ومجلس الأمن القومي من نصيحة يقدمونها للرئيس أوباما غير تجنب الصدام العسكري مع الدب الروسي القاسي، والرهان على القوة الناعمة التي تعتبر الورقة الوحيدة التي تعتقد الإدارة الأمريكية أنه سيكون باستطاعتها منع روسيا من الحسم العسكري وإفشال أهدافها في سورية والمنطقة، بعد أن تبين بوضوح، أن الروسي يريد أن يعيد صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط من بوابة الحرب على الإرهاب في سورية والعراق، لإقامة نظام إقليمي مغاير يؤدي حتما إلى فرض نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم.
ولم تجد أمريكا من خيار غير الرهان على استنزاف روسيا في سورية، لإغراقها في مستنقع الحرب على الإرهاب إلى أن تستسلم أو تخرج منه منهكة مهزومة، لأن انتصار روسيا على الإرهاب يعني ببساطة، هزيمة مذلة لأمريكا ومعسكرها لا يمكن القبول بها، هذا علما أن الحرب الدائرة اليوم في المنطقة لا يمكن بحال من الأحوال أن تنتهي بتسويات وفق معادلة (رابح – رابح)، لأن الأمر لا يتعلق بصفقة تجارية بل بمصير المنطقة والعالم، وفي هذا لا يمكن الحديث عن تدوير الزوايا ليحصل التقارب في الرؤى والأهداف..
ولأنها حرب عالمية ستستمر لما بعد نهاية ولاية أوباما كما توقعنا في مقالة سابقة، لكن المؤكد وفق القراءة التاريخية للحروب، والقراءة المنطقية لواقع المنطقة وتطورات الأحداث، أنها لن تنتهي إلا بهزيمة معسكر وانتصار آخر، لذلك قلنا في المقالة السابقة أن الحرب بدأت بدخول الروسي المعركة في سورية، والمؤشرات تدل على أنها ستتمدد لساحات أخرى لتشمل الشرق الأوسط والفضاء الأوراسي أيضا الذي تريد الإدارة الأمريكية تخريبه، وصولا إلى بحر الصين لمحاصرة التنين الأصفر.
وبالنسبة للشرق الأوسط، من الواضح أن الإدارة الأمريكية اعتمدت لاستراتيجيتها المعدلة بعدان، بعد سياسي وآخر عسكري بالوكالة..
البعد السياسي تمثل في دعوتها لعقد مؤتمر فيينا من أجل التسوية السياسية في سورية، وقد خلصنا إلى أن الإدارة الأمريكية ليست جادة في البحث عن حل سياسي للأزمة المزمنة في سورية، وأن غاية ما تسعى إليه بالخديعة هو الالتفاف على التدخل العسكري الروسي لتطويقه والحد من تداعياته على مشروعها ومصالحها بالسياسة..
وقد تجلى ذلك واضحا من خلال بيان جنيف الذي سعت من خلاله إلى إجهاض العمل العسكري الروسي من مدخل وقف إطلاق النار لإعطاء فرصة للمحادثات السياسية الماراثونية بين الحكومة والمعارضة، ما يسمح لها بإعادة تجميع وترتيب القوى التكفيرية في الميدان لتحويلها إلى “معارضة معتدلة” تحت مسميات مبتدعة، ما يعزز أوراقها التفاوضية مستقبلا، بعد أن لم يعد لديها معارضة حقيقية على الأرض تستطيع الرهان عليها.
وكلنا تابع الأخبار التي تحدثت عن جهود مكثفة قامت بها “السعودية” وقطر وتركيا لتوحيد صفوف الجماعات التكفيرية في سورية، وسمعنا لأول مرة أن “داعش” و”النصرة” توافقوا على توحيد البندقية في وجه الجيش العربي السوري.
وبموازاة ذلك، اتفقت أمريكا مع الأكراد ومن أسمتهم بـ”العرب” دون تحديد هويتهم الحقيقية إن كانوا من السوريين أم من الأغراب، ليقاتلوا تحت مسمى “قوات سورية الديمقراطية”، والتي قالت أنها تضم كلا من “التحالف العربي السوري” و”جيش الثوار” و”غرفة عمليات بركان الفرات” و”قوات الصناديد” وتجمع ألوية الجزيرة”، بالإضافة إلى “المجلس العسكري السرياني” المسيحي و”وحدات حماية الشعب الكردية” و”وحدات حماية المرأة”، من دون إشارة لما يسمى بـ”الجيش الحر”، على أن يتم القتال بإشراف المستشارين العسكريين الأمريكيين، وحددت لهم تحرير محافظة الحسكة (شمال شرق سورية) التي تعتبر معقل “داعش” الرئيس في سورية كأولوية أولى ليقيموا فيها إدارتهم المؤقتة..
ولتكتمل الطبخة، زودتهم الخارجية الأمريكية بمبلغ 100 مليون دولار كدفعة أولى، قال نائب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال منتدى حول الأمن الإقليمي “حوار المنامة” الذي عقد السبت الماضي في البحرين، أن هذه المساعدة ستساهم في دعم المجالس البلدية وناشطي المجتمع المدني، ولإبقاء المدارس مفتوحة، وتأمين الكهرباء وبنى تحتية للمياه، ودعم وسائل الإعلام المستقلة، وبناء قدرة المعارضة المعتدلة على أداء دور في سورية مستقبلا يحترم حقوق الإنسان وحكم القانون.. ( هذا علما أن أمريكا كانت قد قصفت محطة توليد الكهرباء قبل أيام في حلب انتقاما من السكان الذين رفضوا الوقوف ضد الدولة السورية)..
وهذا يعني بالعربي الفصيح، أننا أمام أول لبنة لتقسيم سورية وإقامة دويلة في الشمال لا تكون خاصة بالأكراد حتى لا يغضب الحليف التركي، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل الإدارة الأمريكية ترفض تسليم روسيا إحداثيات تواجد المعارضة، خوفا من أن يستهدفها الجيش العربي السوري كما تقول واشنطن، لعلم موسكو أن لا وجود لمعارضة معتدلة، وأن أمريكا قادرة على حلق لحى التكفيريين وتغيير ملابسهم وأعلامهم وأسمائهم وتحويلهم إلى ثوار ديمقراطيين بين عشية وضحاها، ثم تعلن تحرير محافظة الحسكة بمعارك وهمية..
والسؤال الذي يطرح نفسه بالمناسبة هو: هل تجرؤ روسيا وتقصف تجمعات التكفيريين في الشمال، بما في ذلك “داعش” في الحسكة لتقطع الطريق على مشروع الخرائط الأمريكية التفتيتية الجديدة؟..
ما نعلمه هو أن الرئيس بوتين أمر برفع وثيرة الطلعات الجوية إلى 300 في اليوم وتكثيف القصف في الشمال لقطع الطريق على مشروع إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، لكن، ها هو أوباما يقفز نحو المنطقة الشمالية الشرقية في الحسكة ليقيم أول لبنة لمشروع التقسيم بدعوى دعم المعارضة الديمقراطية السورية.. فما العمل؟..
الجواب هذه المرة جاء من إيران، وقبل توقيع الرئيس أوباما لقرار إرسال مستشاريه إلى سورية، ما يؤكد أن روسيا وإيران على دراية بكل السيناريوهات المحتملة ويملكون الردود المناسبةلها، وبالنسبة للخطة الأمريكية الجديدة قامات إيران مؤخرا بخطوتين دالتين:
الأولى، قرار إرسال المزيد من المستشارين الإيرانيين إلى سورية وفق ما أعلن السيد أمير عبد اللهيان السبوع الماضي.
الثانية، وصول نحو 3 آلاف مقاتل من الحشد الشعبي ينتمون إلى كتائب سيد الشهداء الجمعة الماضي، وانتشروا في الشمال بمعية مجاهدي حزب الله بعد أن نظموا استعراضا عسكريا بالقرب من مرقد السيدة زينب قبل أن يلتحقوا بمواقعهم الجديدة في أرض المعركة، وفق ما أكدت وكالة “مشرق نيوز” الإيرانية المقربة من الحرس الثوري.
وعلى ضوء هذا التطور، يفهم كلام سماحة السيد التصعيدي بمناسبة ليلة عاشوراء، والذي وجه فيه البوصلة ناحية الأمريكي ولأول مرة، باعتباره المسؤول الأول عن كل ما يحدث في المنطقة من قتل ودمار وخراب..
فليبدأ الرقص مع الأفاعي بعد الوضوء بالدم الأمريكي في سورية والعراق لا محالة، أحب السيد العبادي أم كره، فلا مكان بعد اليوم لأمريكا في سورية والعراق، ولا عذر للخونة والعملاء، خصوصا بعد أن قال سماحة السيد في خطاب 23 آذار الماضي: “سنقاتل في كل الساحات، ومن سيقف في وجهنا، سنحدق في عينيه ونقول له، أنت خائن”.

بانوراما الشرق الاوسط