عبد الجبار نوري
صحيح أنّ الدستور العراقي الجديد 2005 مثير للجدل منهم من يقول : أنّهُ ولد بأمضاء أمريكي ، ولكن الذي أخرجه للوجود هو أمضاءنا عليه حين عُرض علينا للأستفتاء ، وهل ننسى أنهُ حصل على كلمة ” نعم ” بنسبة 6 -69 %من الناخبين العراقيين وبجو ديمقراطي جديد ، ولم يكن أحد منّا واجه تهديد القائد الرمز وسلطته الغاشمة ، والتوقيع بكلمة نعم ” فقط ” والنتيجة معروفة مسبقاً 9-99 % ، وبصراحة شديدة القانون لا يحمي المغفلين ، وهناك حكمة لسياسي غربي { الشعب الذي ينتخب الفاسدين والأنتهازيين والمحتاليين والناهبين والخونة لا يعتبر ضحية بل ” شريكاً في الجريمة ” } جورج أوريل .
وأعترف أنّهُ حمالة أوجه بل يحتوي على ألغام كما أعترف به واضعوه ، ولكن من الأمكان تغيير فقراته لكونه ليس كتابا مقدسًاً ، فالدستور الأمريكي غيرت البعض من فقراته 12 مرة لحد الآن .
فالدستور العراقي في مادته 38 وفقراته 1، 2 ، 3 فيما تخصُّ الحريات والحقوق ، أكدت حرية التعبير عن الرأي ، وحرية الصحافة ، وحرية الأجتماع “والتظاهر السلمي” ما حصل في جمعة 31- 7- 2015 في ساحة التحرير ، العاصمة بغداد ، هي ترجمة حقيقية لمفهوم الديمقراطية المؤدية حتماً على التغيير المطلوب لرسم خارطة طريق لحل الأشكالات السياسية والمجتمعية ، وهي بالتأكيد كما قال فيها رئيس الوزراء الحالي أنّها جرس أنذارلتنبيه الحكومة عن مواقع الخلل في البرنامج الحكومي ، ومعرفة مطاليب الشعب الأنية والأستراتيجية ، فهبتْ الجماهير العراقية وبأسلوب حضاري متمدن خالي من أي عنف ، غالقين الطريق أمام المندسين ومثيري الفتن ، رافعين شعارات وطنية تطالب بالأصلاح السياسي ، ومحاسبة المفسدين ، وتوفير الحدمات الغائبة من كهرباء وماء الشرب ، ومعالجة البطالة المستشرية بين الشباب ، ومحاسبة سارقي قوت ومال الشعب ، وتوفير الصلاحيات لمجالس المحافظات ، وهذه المطالب ليست تعجيزية بقدر ما هي تتعلق بحاجات المواطن الأساسية ، واليومية ، ولم يخرجو فقط لهذه المطاليب التي هي أدنى ما يجب أنٍ يحصل عليها أي شعب في جُزر القُمرْ والمحيط الهادي وغابات الأمزون بل ترجموا أحاسيسهم ومشاعرهم الوطنية مما يعاني البلاد والعباد من فاقة وحرمان في وطنٍ ممزق ، يعاني من جحيم الشحن الطائفي ، وتربة مدنسة بالأحتلال الداعشي وسيادة مصادرة من التدخل الأقليمي والأجنبي ، وثروة منهوبة ، وخزينة خاوية .
وأستمرت هذه التظاهرات ل12 جمعة أي – بحساب عرب او كرد – ثلاثة أشهر ، وللأسف لم تنصّتْ الحكومة إلى نداء الشعب وصوت العقل في أحتياجاته المشروعة والسلمية ، بل سدتّْ أذنيها ، وأخذت تماطل ، وتلعب بعامل الزمن لأمتصاص زخم التظاهرة ، وفعلا أخذ الخط البياني للتظاهرة الأصلاحية بالتذبذب والتلاشي شيئا فشيئاً ، وإلى الموت السريري لكون أنتهاء أكسباير دوائها ، وغردتْ الحكومة المركزية لها ترنيمة الجواهري { نامي جياع الشعب نامي **** حرستك آلهة الطعام // نامي فأنٍ لم تشبعي *** من يقضة فمن المنامِ // نامي على زبد الوعود*** يدافُ في عسلْ الكلامِ // نامي تزرك عرائس الأحلام *** في جنح الظلامِ .
جملة مؤثرات لعبت دوراً في سير التظاهرات
1-أنّ حكومات العراق منذ التأسيس لم تتعود على التظاهرات السلمية بل تعوّدتْ على ثقافة البيان رقم -1- وأنقلابات العساكر ، والأنتفاضات الثورية المسلحة ، وتفاجأ الحاكم والمحكوم بديمقراطية حديثة ، أستغلها الحاكم لصالحه ، وجربها المحكوم آملاً أنْ يحصل على حقوقه ، ونسيّ المثل الشعبي ( الأمام المايشوّرْ محّدْ يزوره ) .
2- خلل في قيادة التظاهرات ، لقد أشترك الحزب الشيوعي العراقي و قوى اليسار العراقي ومنظمات المجتمع المدني والتيار الديمقراطي ، ولكن لم تعلن شخصنتها وهويتها في قيادة التظاهرة وأعلان شعاراتها ، وهل ينسى الشعب العراقي أنّ الشارع العراقي في الخمسينات والستينيات كانت ملك تلك التيارات الوطنية خاصة الحزب الشيوعي العراقي ، الذي يمتلك خزيناً ثراً من التجارب الثورية وحنكة في تفهّمْ رجالات السياسة المحترفين في وطننا العراق ، فكان قد أعطى قوة أضافية في دفع زخم التظاهرات إلى الأمام بديمومة وأصرار ثوري وعقائدي .
3- الخطأ في طرح المطالب ، عندما طرحت التظاهرات الحد الأدنى من المطالب بينما يفترض من الحنكة السياسية رفع سقف المطاليب – وحتى في المفاوضات بين طرفين – لكي يرضخ الند المقابل للتنازل ، فمثلاً طالب المتظاهرون الأصلاحات الخدمية ولم يحصلوا عليها ، بينما كانت المظاهرات في أول عنفوانها وقوّتها وزخمها كان يفترض ” عرض الحلول الثورية والجذرية لا التوفيقية ” مثلاً المطالبة بحل البرلمان الذي هو بؤرة الفساد والطائفية والدعوة إلى أنتخابات مبكرة ، وتشكيل حكومة طواريء مؤقتة بقيادة رئيس الوزراء نفسهُ ، عندها تتنازل الحكومة في تنفيذ الأصلاحات الخدمية لأمتصاص نقمة الرأي العام العراقي ، وترضية الشارع .
4- أنا لا أفهم الفرية الجديدة تظاهرات ” الجُمعْ ” فأنّها تفقد التظاهرة أستمراريتها وتواصلها ، ونكهتها الوطنية ، وزخم ثوريتها فالأولى أن تكون تظاهرات مفتوحة ولا ضير أتباع الأساليب التقليدية في الأحتجاجات السلمية ، كالأضراب ، والأعتصامات .
5- وأنّ الحكومة الأتحادية وأصحاب القرار السياسي كان موقفهم ممتعضاً وتقبلوها بمرارة وخاصة أولئك الذين فزعوا من الأصلاحات ومحاربة الفساد ، وهم أنفسهم الذين أجهضوا وميّعوا تظاهرات ” 25 شباط 2011 ” تمكنوا من حرف المظاهرات عن سكتها السلمية بأحتكاك القوات الأمنية ، وتشويه الأهداف الأنسانية للتظاهرة ، وأنزال شعارات غريبة وجديدة لم يتفق عليها ، وعلم غير العلم العراقي ، وأستعملوا نفس الأساليب ” الديماغوجية ” مع تظاهرات 31 – 7- 2015 بل أكثر غلواً في مواجهة متظاهري البصرة والحلة بالرصاص الحي مما أدى إلى أستشهاد ثلاثة ، وخطف الناشط ” جلال الشحماني ” الذي لا يزال مغيّباً مع رفاقه لحد اليوم .
أخيراً// أنا كمواطن بعيد عن وطني بيد أنّي قريبٌ منهُ شغاف القلب وحدقات العيون فأنّي غير متشائم ، ولا أشعر بالأحباط من أنتفاضة شبابنا وجيلنا المتضرر والناهض المندفع بحماس وطني عراقي صميم ، للمطالبة بالأصلاح ورد أعتبار شعبنا المظلوم ، وأنّ أنتهاء صلاحية الدواء لايعني بالضرورة الخنوع والأستسلام لأمكانية تجديد الدواء ، بمعالجة الأخطاء ، وأستنساخ التجارب الثورية للشعوب التواقة للحرية والعيش الكريم ، لكونهم أشبال أولئك الأجداد الذين وقفوا بوجه المستعمر البريطاني في ثورة العشرين ، وأحفاد أنتفاضة الجسر أو وثبة كانون سنة 1948، وثورة 14 تموز1958 وأنتفاضة آذار 1991 الشعبانية ، وأبناء البيشمركه أبطال الجبال ، واليوم هم نفس شباب العراق رفاق الجيش العراقي الباسل والحشد الشعبي وأبناء العشائر الغيارى والبيشمركه الذين يقاتلون العدو الداعشي بضراوة وحماسٍ ثوريين ، وهم يسرون في طريق النصر والنصر وحده ، وأثبتوا للأعداء قبل الأصدقاء ” تحمل مسؤولية التحرير لوحدهم وبسواعدهم الفتية لتخليص الوطن من التحالفات الدولية ، وأبتزاز عدو الشعوب المقيت ال C I A المجرمة —
فالنصر وأكاليل الغار لشباب التظاهرة
وتحية أجلال وأكبار لجميع مقاتلينا في ساحات الشرف والكرامة