الأحد 08 . 11 . 2015
كاظم فنجان الحمامي
فرع جديد من فروع الطب الحديث انتشر مؤخرا في عموم البلاد العربية، لكنه فاق كل التصورات في العراق، فالغالبية العظمى من المشاركين في العملية السياسية يحملون المؤهلات الطبية العالية بمختلف تخصصاتها وتفرعاتها، وبما يشكل إحدى السوابق العجيبة في بلد يتلقى مرضاه علاجهم المدفوعة تكاليفه مقدماً بالعملة الصعبة في مستشفيات الهند وإيران ولبنان. لسنا هنا بصدد تشخيص العناوين والدرجات والمسميات، التي فاز فيها الأطباء بتبوء المواقع السياسية الحساسة – غير المرتبطة بمهنة الطب – حتى لا ننزلق في متاهات الطعن بقدرات الناس أو التشكيك بفاعليتهم، فالموضوع الذي نتحدث عنه الآن أكبر بكثير مما يتصوره البعض، ويحتاج إلى مراجعة متأنية لتقييم أداء المراكز المعنية بالتخطيط والمتابعة. وبخاصة في مثل هذه الظروف المتأرجحة، التي فقدنا فيها بوصلة التوصيف الوظيفي في خضم الفوضى المزمنة. فرئيس الوزراء الأسبق طبيب، والذي سبقه طبيب، ووزير الخارجية طبيب، ورئيس مجلس النواب الأسبق طبيب، وما أكثر الوزراء الأطباء في التشكيلات الوزارية المتعاقبة، ناهيك عن الكم الهائل من السفراء الأطباء، والمحافظين الأطباء.
ربما يظن البعض أننا نمتلك فائضاً كبيراً في تعداد الأطباء، أو أننا نعاني من نقص حاد في التخصصات المهنية الأخرى، أو أن الأطباء عندنا أكثر دراية من غيرهم في الشؤون الدبلوماسية، أو أن مشاركاتهم الفاعلة في العملية السياسية ستزيد من حجم الخدمات الطبية التي سيتلقاها المواطن، وأنه (أي المواطن) سيحظى بالرعاية والعناية الفاقة حتى لا تضطره الأمراض المستعصية للتسكع في المستشفيات الهندية واللبنانية.
لا هذا ولا ذاك، وهذه هي الحقيقة المرة التي لابد من الاعتراف بها، فكل القصة وما فيها أننا لا نحسن اختيار القادة، وأننا مازلنا نتخبط في خياراتنا التوظيفية، وربما لا ندري ما نريد. ولا نعرف ما يضرنا وما ينفعنا، أو أننا في غيبوبة حضارية، وسيأتي اليوم الذي تضحك فيه الأجيال القادمة على عجزنا وتقصيرنا وفشلنا.
لقد تحدثنا بإسهاب في مقالات سابقة عن وأد الكفاءات، وتهميش أصحاب المواهب الوطنية النادرة، من دون أن تنتبه الدولة إلى خطورة استبعاد العناصر المؤهلة، وحرمانهم من فرص الإبداع في مجالاتهم المهنية المتنوعة، وطالبنا مئات المرات بضرورة تبني الأفكار اليابانية الباهرة، أو تطبيق المشاريع التشغيلية الألمانية الناجحة، أو اقتفاء القفزات الصينية والهندية الهائلة، فلم تستجب لنداءاتنا المتكررة.
وأخير وليس آخراً. ألا يحق لنا أن نتساءل عن كيفية تسلل وباء الكوليرا إلى بلد يحكمه ويتحكم به الأطباء ؟. وكيف عادت إلينا الملاريا بعد زوالها التام في الربع الأخير من القرن الماضي ؟. نِصفُهُمْ يَمتَهِنُ الطّب، ولكِنَّ المَنايا بِخُطاهُمْ نازلة.