الرئيسية / مقالات / محاربة الثقافة ولّدت التطرف

محاربة الثقافة ولّدت التطرف

الثلاثاء 10 . 11 . 2015

داود الشريان / السعودية

خلال احتفال «مؤسسة صوت للتنمية» اليمنية بمشروعها السينمائي «سينما صوت»، الأسبوع الماضي، قالت رئيسة المؤسسة سماح الشغدري: «لعلّي لا أكون من المتطرفين في الفكرة التي تستند إلى أنَّ جميع ما يحدث في اليمن من تطرّف وأصولية وصراع ديني، لم يكن إلاّ بسبب محاربة الثقافة في اليمن، وغمط دورها بكل أجناسها».
كلام الشغدري عما جناه اليمن بسبب محاربة الثقافة، وتغييب دورها، ينطبق على دول أخرى عربية. ومن يتابع الانحسار التدريجي لدور الثقافة بكل أشكالها في دول أكثر انفتاحاً اجتماعياً من اليمن، مثل لبنان والمغرب وتونس والكويت، سيجد أن هذه الدول استبدلت حوارات التطرف والصراع المذهبي بالحوارات الثقافية، وتحولت الندوات والمناسبات الثقافية من الاهتمام بالمسرح، والشعر والرواية والنقد الأدبي والفنون على اختلاف أجناسها، إلى حوارات دينية تركز على الاختلاف والفرقة، وتكرّس الانغلاق والتعصُّب للرأي، ورفض الآخر وكراهيته، حتى بات الإسلام الذي جمعَ العرب على كلمة واحدة، وسيلة لتفرُّقهم، كما قال الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي. والأخطر أن هذه الثقافة التي استبدّت بالمشهد الثقافي في البلاد العربية سوّغت ربط التطرف بالإسلام، وغيَّبَ هذا النقاش المحتدم موقف الإسلام من ظاهرة التطرف التي قال عنها الحديث النبوي «هلك المتنطعون».
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فهذه الثقافة المتشددة ولّدت ثقافة متطرفة على الجـــانب الآخر، وفي هذا التوليد يقول الكاتب الأردني عاطف الجولاني في مقال له نُشر قبل عشر سنين بعـــنوان «ظاهرة التطرّف في المنطقة… محاولة جديدة للقراءة والفهم»: «فكما أن هناك تكفيراً دينــــياً، هناك أيضاً تكفير سياسي وعلماني. ومثلما أن هناك توجهـــــات إسلامية متطرفة ترفض الاعتراف بالآخــــرين وتعمل لإلغائهم، هناك في المقابل علمانية متطرفة تستخف بالدين وتتجرّأ على ثوابته، وترفض محاورة من يخالفونها الرأي، وتصنّفهم باعتبارهم خارجين على الصف الوطني، وتمارس في حقهم سياسة القمع والاستئصال».
لا شك في أن غياب الثقافة بمعناها الواسع، وضعف دور المؤسسات الثقافية، أوجدا فراغاً هائلاً على الساحة الاجتماعية في دولنا، فضلاً عن أن غياب التوازن بين الأفكار أوقف وصولنا إلى حالة ثقافية إنسانية تؤمن بالاختلاف والتعايش، وترفض الانغلاق، وكراهية الآخر ورفضه.
الأكيد أن الخروج من هذه الدائرة المغلقة يتطلب معاودة النظر في حال البيئة الثقافية التي خُطِفت لمصلحة صوت واحد وتوجُّه واحد. ويتطلّب كذلك، تعزيز الإنتاج الثقافي بكل أشكاله ودعمه بإرادة سياسية، فنحن اليوم لم نعد نعاني ضعف تأثير الثقافة، بل اختفاءها!

الحياة اللندنية