الثلاثاء 17 . 11 . 2015
بحوث ودراسات
عبد الجبار نوري
المقدمه / الألياذة باليونانية : هي ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طرواده ، وتعتبر مع الأوديسا أهم ملحمة شعرية أغريقية للشاعر الأعمى ” هوميروس ” ( يعتقد) أنّهُ هو الذي كتب الملحمة ، وتأريخ الملحمة يعود إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد ، وهي عبارة عن نص شعري يقال أنّها كُتبتْ مع ملحمة الأوديسا وجُمعتْ أشعارها عام 700 ق.م بعد مائة عام من وفاتهِ ، وتروي قصة حصار مدينة طرواده ، وكانت قصائد هوميروس من الأدب الشعبي ، وكانت تروى شفاهة، وتضُمْ هاتين الملحمتين الطويلتين اللتين نسج على منوالهما ملاحمهم الشعراء ( فيرجيل ) باللاتينية ، ودانتي بالأيطالية ، وجون ملتون بالأنجليزية ، تُعدْ الألياذه من أعظم ملاحم الأدب الغربي الكلاسيكي ، الذي أرسى بها هوميروس أسس الشعر الملحمي شكلاً ومضموناً ، وتمثل الرؤيا الملحمية الشعرية لحرب طرواده ، وهي حرب نشبت بين اليونانيين والطرواديين مدة عشر سنوات .
العرض / هوميروس شاعر ملحمي أغريقي ( أسطوري) ومن نسج (خيالي) كما يؤيد ذلك الباحثون المعاصرون الذين نسجوا الرحلات الخيالية إلى العالم الآخر أصبحت فكرة أنسانية مشتركة تحدثت بها الأساطير كالكوميديا الألهية ( الملهاة ) للشاعر الأيطالي دانتي 1265 م- 1321 م هو الآخر نسج أفكارهُ بشعرٍ ملحمي ، تحتوي على نظرة( خيالية ) في الأستعانة بالعناصر المجازية حول الآخرة حسب الديانة المسيحية ، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري وهو شاعر وفيلسوف عاش في العصر العباسي 973 -1057 م وهي رحلة خيالية مدهشة إلى الدار الآخرة ، والأسراء والمعراج حدثت قبل ولادة المعري وهي الأخرى رحلة سماوية للقاء الخالق والوصول إلى سدرة المنتهى مع عرض مفصّل للجحيم والنعيم ، وجميع هذه النتاجات الفكرية تعتبر من روائع الأدب العالمي ، ومن أهم الذخائر الثرّة التي توجت خزانة الفكر الأنساني وأبدعت بالخيال في البحث عن الأنسان المصلح والأرتقاء البشري إلى الكمال ، وبقي أسلوب هوميروس فريداً بين شعراء زمانه بموهبة فائقة في النظمْ الكتابي أي التتابع الأدبي الرصين ، ومتدفق رغم تغيير الأفكار والمواضيع مما يفرق بين هوميروس وبين شعراء الملحمة الغنائية مثل فيرجيل ودانتي وجون ميلتون ، وإلى جانبي السرد والرسم كان للتحليل والتنبؤ موقع بارز في ملحمة هوميروس ، وذلك بعد تصوره بأنّ الحرب تشمل العالم الأغريقي .
الألياذه والرغبات الأنثوية
واحدة من جماليات الألياذة هي ربط الحرب بالرغبات الأنثوية ، اذ تذكر في أكثر من مناسبة دور الأنثى ظاهراً ومستتراً وعلاقتها مع الحرب والمقاتلين وتغيير مسار الحرب أو أعطاءه الزخم في الدفع إلى الأ مام وتكريس حوافز ومقومات الحرب في الثبات والصمود والصبروالمطاولة ونيل النصر، وهذه الدقة في السرد تعد مكملة لحوادث الحرب الأساسية أذ تعبر عن مدى تأثير العاطفة الأنثوية على سير الحرب ، ولما للمراة من أسلحة كواتم ( خُلبْ ) بصوت ناعم وعاطفي مؤثر ، أستخدمه الكثير من الرواة والقاصون ، وكان لهوميروس قصب السبق في هذا النهج منذ سنة 850 ق. م ومن خلال قصة الألياذه { التي تقول ذات يوم دُعيتْ الآلهات الثلاثة – آلهات الحب والخير والعطاء والخصوبة – هيرا ، وأثينا ، وأفروديت إلى عرس (ثيتس) ولم تكن ( أيريس ) آلهة النزاع مدعوّة ، مما أدى إلى أستيقاض نزعة الشر في هاجسها ، فقررت الأنتقام من الآلهات الثلاثة لتثير بينهم النزاع ، فألقت بين المدعويين ( تفاحة ذهب ) مكتوبٌ عليها ” أنّها للأجمل “!! وقام النزاع فعلا بين الآلهة الثلاثة : أيهنّ أحقُ بهذه التفاحه ؟ وحسما النزاع بالتحكيم عند أجمل الرجال فكان من حظ ( باريس ) ملك طرواده ، وأُحضر أمامه الآلهات الثلاثة ، وسعت كل واحدة منهنّ أنْ تستعطفه وتستميله إلى جانبها لتكون التفاحة من نصيبها : ** فوعدتهُ ” هيرا ” بالعظمة الملكية ، ** وعدتهُ ” أثينا ” بالنصر في الحروب ، بينما وعدتهُ ” أفروديت ” ألهة الحب والجمال : بأجمل نساء العالم ليتزوجها فحكم لها التفاحه ، وعندها ساعدتهُ للوصول إلى حبيبتهِ القديمة ” هيلين ” – وهي زوجة مينيلاوس ملك مملكة أرجوس في اليونان وأستطاع أنْ يفرُّ ويهرب بها خلسة – وهنا نقف على المفصلية السردية في ألياذة هوميروس – وذلك أنّ ملك طرواده ” باريس ” وقع بالمحذور وأرتكب خطيئاتٍ لا تغتفر حين 1-جلب لنفسه عداء الملكتين هيرا وأثينا آلهات الخصب والنماء والخير . 2- ثار ثائرة كل خُطاب هيلين السابقبن وأصطفوا بجانب أعداء باريس. 3- حصل على خطيئة عدم أحترام مبدأ الأختيار ، وبدأ الصراع وتنقسم الآلهة ويتبادلون الشتائم ولتتطور إلى حرب ضروس محفوف بخسائر وهزائم بين الطرفين { اليونانيين والطرواديين } ولعشر سنوات ، وفعلا تمكن الشاعر هوميروس ان يظهر تألقة في السرد القصصي الملحمي حين وضح بشكل جلي تأثيرات الأسلحة ” الأنثوية ” العاطفية والرقيقة في سير هذه الحرب المخيفة .
الخاتمه/عندما نستعرض ألألياذة الملحمية لهوميروس نتذوّق ونتحسس الأبداع ، والأرتقاء الروحي في عالم التسامي وخصوصا عندما أدخل صيرورة التأثيرات الأنثوية في تقنية السرد ، فأنّهُ أضاف مسحة جمالية واسعة وأضاءات مشرقة على حلقات الأحداث المتسارعه ليترك الشاعر الأغريقى الأعمى بصماته في سفر التراث العالمي منذ 850 ق . م. ولم تبقى نتاجاته الفريدة أسير (زمكنتها) بل أختزلت الجغرافيه وطوت أوراق التأريخ لتصل لمؤرخين معاصرين أيدوا بأقلامهم (ديناميكية الرغبات الأنثوية في تحريك أحداث الحروب ) بل هي نفسها التي أشعلت الحرب الأغريقة هي ذاتها التي حرّكت حروب التاريخ الغربي والشرق أوسطي ، وليس بالضرورة انْ تكون الحكايات على طراز الأسطوره الأغريقية بيد أنّها من الحكايات السردية لحروبٍ كان فيها الرغبات الأنثوية دوراً مؤثراً في مسار تلك الحقبة التأريخية للحروب مثل :ا
** بلقيس ملكة سبأ عندما أستلمت رسالة سليمان- ملك المملكة العبرية في أورشيليم- التحذيرية والمليئة بالحكمة والعقلانية في وحدة أندماجية ، ذهبت أليه بنفسها حاملة معها هدايا ثمينه ، وأقرّتْ بحكمه وحكمته وتزوجته وتوحدت الممالك اليهودية الأولى والثانية كما هو مذكورٌ في ” العهد القديم ” وحسب سفر الملوك الأوائل تمكنت ” بلقيس أطفاء نيران الحرب وحقن الدماء .
** جان دارك القسيسه الفرنسية : ولادة 1412 م- 1431 م ، وهي في السادسة عشرة من عمرها لازمت الكنيسة والتديّنْ وعُمدتْ بالعقيدة اللاهوتية الخيالية الغيبية مع ملوك فرنسا المرشحين أصلاً من قبل الكنيسة الأنجيلية ، فهذه العزيمة والعقيدة الدينية وتأييد الكنيسة وبلاط الملك الفرنسي أصبح تحت تصرفها وتمكنت من أقتحام قلاع الجيش الأنكليزي والأنتصار عليهم وأسترجاع أقليم ” روان ” والعديد من الحصون الفرنسية وتكبيدهم شر الهزائم والخسائر في الأرواح والمعدات ، والمحصّلة من مشاركة هذه الأنثى الصغيرة في تغيير مجرى الحرب هو قلب المعادلة لصالح الفرنسيين في أشهر معدودة —- وأترك النتيجة النهائية حين أتهمت بالزندقة والهرطقة من قبل قاده متدينون في الكنيسة الفرنسية وأعدمت في 1431 م .
الهومش/ * ألياذة هوميروس / لميخائيل صوايا ، * بوابة اليونان القديم ، * غريغوري ناجي / أفضل الأقيان – مفهومات البطل في الشعر الأغريقي 1979 – ص-269 – 300 . * كتاب العهد القديم القدس ، القديسه جان دارك / الموسوعه البريطانية ، والموسوعة الكاثوليكية .