السيمر / السبت 12 . 12 . 2015
لم يعد غريباً أن نسمع تسمية «إدلبستان». المدينة تشكّل اليوم، مع ريفها، «الملجأ» الآمن لزعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني وللعشرات من المقاتلين الأجانب الذين نقلوا ذويهم إليها بعد الاستيلاء على مئات المنازل
سائر اسليم / سوريا
لم تعد مدينة إدلب في نظر سكانها «المدينة الفاضلة» بعد خضوعها لشريعة أصحاب «الرايات السود». «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـ جبهة النصرة» يواصل تحويلها إلى «إمارة إسلامية» بمركز قيادي لعملياته بإشراف «الأمير العام للتنظيم» أبي محمد الجولاني. ورغم استحالة رصد تحركات الأخير، إلا أنّ القاطنين في المدينة باتوا يلاحظون إجراءات أمنية مشددة وانتشاراً مكثفاً لعناصر مسلحيها في ما يُعتقد أنّه زيارة «الأمير» للمدينة.
ويرى أهالي المدينة أنهم لم يعودوا يأتمنون على حياتهم فيها، إلا أنهم مجبرون على الإقامة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، بينما يراها المسلحون أنها أكثر أمناً نتيجة توقف ضربات الطيران السوري لمقارّهم بعد هدنة كفريا والفوعة ـ الزبداني. وتروي مصادر أهلية من داخل المدينة لـ«الاخبار» أنّ عدد الغرباء تضاعف كثيراً بعد اتفاق الهدنة، «حيث تراهم في كل مكان وخاصة عائلات مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني (الصينيين)، بالإضافة إلى عائلات الشيشانيين الذين وضعوا حراساً أمام منازلهم بعد التفجير الذي استهدف أحد القياديين التركستانيين».
ويلفت مواطنون، خلال اتصالات مع «الأخبار»، إلى حالة الغليان التي تشهدها المدينة نتيجة الضغوط التي تمارس بحقهم من قبل مسلحي الفصائل، وخاصة عناصر «النصرة»، الذين يتدخلون بأصغر تفاصيل الحياة المعيشية.
هؤلاء يشيرون إلى أنّ المدينة تتحول إلى رقة ثانية نتيجة الدعوات إلى تنفيذ «الشريعة الإسلامية»، وكأن المواطنين «كفرة»، بحسب تعبيرهم. ويفيد أحدهم في حديثه عن انتشار دوريات لـ«الحسبة»، ومعظم عناصرها من الجنسية السعودية، ويقودهم أحد أعضاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» سابقاً في السعودية.
يقوم عناصر «الدورية» بمضايقة النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الشرعي وتهديدهن، بالإضافة إلى إيقاف شبان وسؤالهم عن سبب عدم التحاقهم بالجبهات وضربهم إن لم يكن السبب مقنعاً. وجاءت هذه المضايقات بعد دعوة «قاضي جيش الفتح» السعودي عبدالله المحيسني، ضمن مهرجان أقامه «مركز دعاة الجهاد» في مدرج حديقة الباسل في مدينة إدلب للنساء بالتزام الحجاب وعقوبة الاستهانة بارتدائه، كذلك وجّه رسالة إلى الرجال تحرضهم على حمل السلاح والتوجه إلى الجبهات.
تروي مواطنة أخرى، وهي كالباقين فضّلت عدم ذكر اسمها، أنّه بعد حلول الظلام لا يجرؤ أحد على الخروج من منزله «وإن خرجت فلا تجد سوى أصحاب اللحى منتشرين وكأنهم ينتظرون فريسة لينقضوا عليها ويوجهون التهم المختلفة، ومنهم من تعرض للضرب والاعتقال». وعند سماع دوي انفجار، المدينة بأكملها تستنفر نتيجة كثافة إطلاق الرصاص لمنع خروج الأهالي من منازلهم. وكانت المدينة قد شهدت خلال شهر واحد أكثر من 9 تفجيرات استهدفت سيارات لفصائل مسلحة عبر زرع عبوات ناسفة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى بصفوفهم، إحداها أدت إلى مقتل قيادي في «الحزب الإسلامي التركستاني» عند جامع بلال في حي الضبيط.
هذا ما دفع القوة التنفيذية لـ«جيش الفتح» إلى إصدار قرار بصرف مكافأة مالية لكل من يدلي بمعلومات عن منفذي التفجيرات.
«المسلحون يحاولون إخضاع الأهالي من خلال إرهابهم عبر تنفيذ إعدامات ميدانية في الشوارع وأمام المساجد في مشهد يشبه الإعدامات التي ينفذها تنظيم داعش والتهمة الدائمة التعامل مع النظام»، يروي واحد من السكان.
وأخيراً وزّعت «المحكمة الشرعية» تعميماً على الأهالي من خلال المساجد تُجرم فيه وليّ أمر كل امرأة أو فتاة تخرج متبرجة من المنزل.
ويقول أحد السكان إنّ دورية لـ«الحسبة» قوامها من النساء المنقبات تجول في شوارع المدينة بهدف اعتقال أية «متبرجة» واقتيادها إلى «سجن النساء».
وتشير المعلومات الواردة إلى حجم التوتر السائد في صفوف معظم الفصائل المنضوية تحت قيادة «جيش الفتح» نتيجة انفراد «جبهة النصرة» في إدارة المدينة بمعزل عن «القوة التنفيذية» المشكلة من كل الفصائل لإدارة المدينة.
الاخبار اللبنانية