الرئيسية / مقالات / عن عبد الناصر والسيسي وقطر وتركيا وداعش والاخوان المجرمين والمواخير الاماراتية ونظام ال سعود

عن عبد الناصر والسيسي وقطر وتركيا وداعش والاخوان المجرمين والمواخير الاماراتية ونظام ال سعود

السيمر / الجمعة 15 . 01 . 2016

فهد الريماوي / الأردن

بعجرها وبجرها، رحلت سنة 2015 من دنيا الحاضر الى ضمير الغائب.. لملمت لياليها ونهاراتها ورزناماتها وعقارب ساعاتها، وهرعت للجلوس على قارعة التاريخ ورصيف الفعل الماضي. ولان نهر الزمان لا يكف عن الحركة او يتوقف عن الجريان، فسرعان ما هلت علينا سنة جديدة وكبيسة ومثيرة لذكريات عربية مشؤومة، نظراً لان مثيلتها قد شهدت، منذ مئة عام، ولادة مؤامرة سايكس- بيكو التي شرذمت خارطة المشرق العربي مذاك، وما زالت تفعل فعلها حتى الآن، بل لعلها قد تجاوزت ذاتها وتمادت في غيها حتى ادت ايضاً الى شرذمة الديموغرافيا العربية وتفكيكها وتجزئتها وفقاً للنعرات الطائفية والمذهبية والقبلية البغيضة.
هي- اذن- سنة كبيسة، وغالباً ما ستكون تعيسة.. فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، والنهايات مرهونة في العادة بالبدايات، والخواتيم مربوطة بالبواكير والمقدمات، وليس في مستهل هذه السنة ومطالعها ما يبشر بالخير، او يؤشر على تلاشي المخاطر والخسائر والشرور. وحدها ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر التي سطعت في الخامس عشر من هذا الشهر، هي اشراقة الامل وشعلة التفاؤل ومنارة الاستبشار التي تضيء هذا الليل البهيم، والعتم الحالك السواد
فكلما غشيتنا اسراب القنوط، وعبثت بنا هواجس اليأس والاحباط، ونالت منا مخالب الوجع والفزع، عادت بنا الذاكرة الى عهد هذا الزعيم العظيم الذي اعتلى صهوة التاريخ العربي المعاصر، وتربع على عرش الكاريزما الآسرة، بعدما انتشل امته من قاع الهزيمة والهوان، وحلق بها في فضاءات العزة والكرامة، ووضعها على قدم المساواة مع نخبة الامم والدول المحترمة
عندما تسلم ‘ابو خالد’ دفة القيادة المصرية عام 1952، لم يكن الحال المصري والعربي افضل مما هو عليه الآن.. فلم يكن التراب المصري قد تطهر من دنس القواعد البريطانية التي ضمت ثمانين الف عسكري، ولم تكن جراح نكبة فلسطين قد بردت او كفت عن النزف والالم، ولم تكن غالبية الاقطار العربية قد نالت حريتها وحققت استقلالها وتخلصت من الاستعمار، ولم تكن الملايين الشعبية العربية قد برئت من ثالوث الفقر والجهل والمرض الموروث من العهد العثماني المشؤوم. ولكن ‘ذو الهمة يحيي امة’، فقد شمر ‘ابو خالد’ عن ساعد الجد والجهاد والاستبسال، واعاد للعرب وعيهم لذاتهم وثقتهم في انفسهم، وتقدم صفوف احرارهم لخوض اشرس المعارك على دروب تحقيق انبل اهداف الامة في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية، ودحر اخطر واقذر اعداء العروبة في المعسكر الصهيوني-الامبريالي- الرجعي الوهابي.. الامر الذي اسبغ عليه هالة قومية اسطورية، واتاح له تسلم مقاليد الزعامة العربية دون منازع
ليست الزعامة محض رغبة او شهوة او امنية تتحقق للمرء بمجرد ان يشتهيها ويتمناها ويرغب فيها، والا لكانت قد تحققت لكل من هب ودب.. ولكنها نتاج عبقري لتمازج القدرة والخبرة والمجالدة والمكابدة والرؤية الطليعية والارادة الفولاذية.. فحين حالت الولايات دون حصول مصر على قرض من البنك الدولي لتمويل السد العالي، لم يركع ‘ابو خالد’ او يندب حظه ويهرع للتمسح باعتاب البيت الابيض، بل رد على التحدي بالتحدي، وسارع من فوره الى تأميم قناة السويس
وحين ركب ايدن وغي موليه وبن غوريون رؤوسهم وشنوا عدوانهم الثلاثي على ارض الكنانة، لم يرتجف ‘ابو خالد’ وترتعد فرائصه، بل رد على النار بالنار، واعلن من على منبر الازهر ‘سنقاتل’.. وحين نجحت الرجعية السعودية في فصم عرى الوحدة المصرية- السورية، لم ينكفئ ‘ابو خالد’ داخل بلاده ويكفر بالقومية العربية، بل مد بصره ويده الى جزيرة العرب واشعل في جنوبها ثورة اليمن التي ما زالت تقض مضاجع السعودية وتأخذ بخناقها حتى الآن.. وحين انتصرت اسرائيل في عدوان حزيران، والقت القبض على الضفة وسيناء والجولان، لم تنكسر ارادة ‘ابو خالد’ او يسلم بالامر الواقع او يقبل اعادة سيناء مقابل ادارة ظهره لفلسطين، بل بادر الى تغيير تركيبة الجيش المصري، وباشر الانخراط في حرب الاستنزاف، ورفع على الملأ شعار ‘ما اخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة’
هذه المواقف والمعارك والمحطات التاريخية معروفة تماماً، ومحفوظة جيداً في سجلات الزعامة الناصرية، ولم نكن بحاجة الى اضاءتها واستعادتها مجدداً لولا رغبتنا في تقديمها، على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين، الى مقام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي خيب آمالنا فيه واسقط رهاناتنا عليه، حين تشبه بادئ الامر بجمال عبدالناصر، ولكنه تشبث- فيما يبدو- بنهج انور السادات ونفط آل سعود
كنا نحمد للرئيس السيسي اطاحة مرسي العياط وحكم جماعة الاخوان المجرمين، وكنا نشكر له تصالحه مع المشروع الناصري وانفتاحه على القوى العروبية، وكنا نأمل ان يستعيد لمصر دورها الريادي في امتها، وان يحطم بالتدريج اغلال تبعيتها لامريكا وارتهانها لمعاهدة كامب ديفد، وكنا ندعو الله ان يوفقه ويأخذ بيده لاشعال حماس الشعب المصري للعمل والابداع والانتاج والاعتماد على الذات، شأن الحاصل في الهند والصين وكوريا وماليزيا واندونيسيا التي نفضت عن شعوبها غبار الكسل، واستخرجت المال الوفير من ‘قوة العمل’
ولكن الظاهر ان رياح السيسي لم تأت بما تشتهي سفننا، وان حسابات بيدره لم تتطابق مع حسابات حقولنا وعقولنا.. فالرجل قد يكون حسن النية وشديد الاخلاص لوطنه وامته، غير انه اضعف من آمالنا التي انعقدت عليه، واصغر من الاقتداء بتجربة عبدالناصر والالتزام بنهجه، واعجز من التصدي الواعي والحازم لمشكلات مصر وازماتها التي لا يمكن حلها بالتقسيط والترقيع، بل وفق مشروع وطني وقومي واستراتيجي شامل ومتكامل.. ولا نقول اكثر حتى لا تصب انتقاداتنا في طاحونة اعدائه واعدائنا من زبانية قطر وتركيا واثيوبيا وداعش والاخوان المجرمين. كنا نربأ بمصر الشقيقة ان ترسل سفيرها الى تل ابيب في هذا الوقت بالذات، وبما يشكل طعنة مؤلمة في ظهر ‘انتفاضة القدس’ التي تقاتل باللحم الحي
كنا نأمل ان تعيد سفيرها الى دمشق، وتهب لنجدة قلب العروبة النابض، وتنهض بدورها القومي وتلقي بثقلها المادي والمعنوي ‘لفرض’ مصالحة وطنية بين طرفي الازمة السورية، مثلما سبق لعبد الناصر ان ‘فرض’ المصالحة ووقف اطلاق النار على الاردن ومنظمة التحرير ابان احداث ايلول الدامية. كنا نربأ بمصر القائدة والرائدة ان تفصّل دورها الراهن على المقاس السعودي، وتسمح لازهرها بالارتواء من آبار الوهابية، وترسل “ابو الهول” لحراسة المواخير الاماراتية، وتمتنع عن البصق في جبين قطر القرضاوية.. وذلك خلافاً لكل حقائق التاريخ، وطبائع الامور، وموازين القوى، وعلامات الفتح والضم والجر والسكون
نعرف حجم المصاعب والازمات الاقتصادية المصرية، وندرك مدى حاجتها للعون المالي الخليجي، غير ان الفرق واسع والبون شاسع بين تحصيل العون من موقع الالتحاق والتخديم، وبينه من موقع الاحترام والتكريم.. فلو ان القاهرة ارسلت ابتسامة واحدة الى طهران، لغشيت مشخيات الخليج موجة عاتية من الذعر والفزع، ولكان نصف حكامها قد قضى نحبه ‘بالجلطة السيسية’ فوراً، ولكان النصف الباقي قد هرع حاسر الرأس، حافي القدم، الى قصر القبة لكي يدفع الجزية عن يد وهو صاغر
وبعد.. عذراً ‘ابا خالد’، فقد اثرنا شجونك ونغصنا عليك عيد ميلادك، ولكن ماذا يمكن ان نقول في زمن عربي جاحد وفاسد، لا ينتج الا الدواعش والخيانات والجهالات والموساديات والمذهبيات التي ما فتئت تباعد بين الدم والوريد، وبين الوالد والوليد، وبين الخطوة والدرب، وبين النبضة والقلب، وبين الحرف والقلم، وبين الجرح والالم، وبين فريق ما زال يندب علياً وآخر ما زال يوالي معاوية.. ولا حول ولا قوة الا بالله.

اترك تعليقاً