السيمر / الأحد 31 . 01 . 2016
معمر حبار / الجزائر
علاقة صاحب الأسطر بالأئمة والخطباء وطيدة عميقة، بحكم الزمالة والملاحظات التي يبديها باستمرار ويرحبون بها. ومتوترة أحيانا بحكم البعض الذين يرفضون قبول الملاحظات التي تقدم لهم وتدون عبر صفحته و مقالاته، حين يتطلب المقام ذلك.
منذ سنوات، طلبت من أحد الأئمة أن يمدني بخطبه لأنقلها عبر الحاسوب ويستفيد منها، وتكون له مرجعا بعد عام وربما بعد أعوام، فرفض ذلك.
وما زلت أعاتب فقهاء وعلماء المنطقة ، حين أطلب منهم باستمرار أن يدونوا الفتاوى التي أذيعت عبر إذاعة الشلف، ودروسهم وخطب الجمعة والأعياد التي ألقوا طيلة حياتهم. وقد إعترف لي الجميع بتقصيرهم تجاه هذا العمل النبيل، وندموا على عدم تدوينهم لخطبهم ودروسهم. ومازلنا نتحدث مع العلماء والفقهاء، ونظل ننبهم لضرورة ضبط أعمالهم الجليلة.
قد يعرض علماء وفقهاء وخطباء الجزائر السابقين، الذين لم يدونوا فتاواهم وخطبهم، لظروف تتعلق بصعوبة الكتابة، والظروف القاسية، وهيمنة الاستدمار الفرنسي، والجهل المفروض، ومحاربة كل ماله علاقة بالحرف العربي والعلم والفقه.
لكن مع توفر وسائل الكتابة والنقل، وتطورها بشكل ملحوظ معايش مستمر، لايمكن لأي خطيب إمام فقيه، أن يتملص من كتابة خطبه والفتاوى التي يلقيها على الأسماع منذ أن إعتلى المنبر وصدارة الفتوى، التي تدوم أحيانا إلى 60 سنة، وأعرف فقيها مازال يفتي ويلقي الدروس منذ سنة 1947، وهو اليوم قد أكمل 100 سنة من أيامه.
وخلال هذا الأسبوع أتصل بالإمام الشاب أطلب منه ، أن يمدني بخطبة الجمعة التي ألقاها، لأعيد كتابتها عبر الحاسوب. فكم كانت فرحته كبيرة شديدة وكأنه لأول مرة يسمع مثل هذا الخبر. فسلمني على الفور خطبة الجمعة مكتوبة بخط اليد. وأنهيت من كتابتها قبل إلقاء الخطبة الثانية، والتي سأستلمها اليوم بإذنه تعالى.
وأنهيت نقلها عبر الحاسوب، وقدمتها للإمام في ثوب جديد أنيق، ليقوم بتصحيحها ومراجعتها، ونقوم بدورنا بنقل التصحيح النهائي الذي قام به الإمام، لتقدم الخطبة في ثوب تسهل قراءته، ويغري شكلها.
تدوين الخطب والفتاوى، يدفع الخطيب والإمام الفقيه المفتي إلى الإعتماد على النفس، والقيام بالتصحيح المستمر، وعرض علمه وفقهه على العامة وأهل الاختصاص، فيتلقى وابلا من الانتقادات التي تلفت نظره لبعض الأخطاء التي إرتكبها سهوا، وبعض الملاحظات التي لم يستطع الالتفات إليها. وفي نفس الوقت تقدم له ملاحظات تتعلق بالثناء والشكر والدعم، لما قام به من مجهود علمي فكري.
وتكون هذه الخطب المكتوبة والفتاوى المدونة، مرجعا لمن يريد أن يعود إليها ويستوثق منها. فتمنحه مرجعا موثوقا به، وسهلا من حيث السرعة والتوفير والاستعمال اليومي.
وإن نقل الخطيب الجزائري خطبه بنفسه عبر الحاسوب والتدوين إن أمكن، تمكّن غيره من الخطباء الشباب، أن يتخذونه قدوة في الكتابة والتدوين، خاصة وأن الخطب تتطرق ليومياته وآلامه وآماله التي يعيشها باستمرار، وبالحالة التي يعيشها.
أتمنى أن تكون هذه الأسطر دفعا لكل خطيب فقيه إمام، أن يقوم بنقل خطبه ودروسه وفتاواه عبر الحاسوب، وإذا أمكن تدوينها عبر الكتب، ليستفيد منها كل معني بالاستفادة، وتتبناها الدولة في تسيير شؤونها اليومية، وعلاقاتها مع المجتمعات الأخرى.