المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الاثنين 29 . 02 . 2016 — بحضور عدد من الشعراء والأدباء المقيمين في المملكة المتحدة، انعقد في لندن يوم السبت 27 شباط فبراير 2016م بالمركز الحسيني للدراسات ملتقى (القوافي الشادية في إنعاش القلوب الصادية) وأداره الأديب العراقي الدكتور حسين الطائي، وقف فيه الأدباء والشعراء وهم من جنسيات مختلفة قدموا من عدد من مدن المملكة المتحدة على “دور الشعر في تهذيب النفس وإنارة العقل” وهو المحور الأول من الملتقى الذي تناوله بالتفصيل عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن الشاعر والأديب العراقي البروفيسور إبراهيم العاتي، كما وقفوا على (العَروض بين المحاكاة والتحديث) وهو المحور الثاني من الملتقى تناول فيه الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين العلاقة بين العروض والمحاكاة والتحديث ودور المحقق والأديب الدكتور محمد صادق الكرباسي في تطوير فن العَروض واستحداث بحور جديدة.
الملتقى الأدبي الذي أدار محوريه الأديب العراقي الدكتور حسين الطائي، انطلقت فقراته بآيات من الذكر الحكيم تلاها السيد جعفر الموسوي، تلتها كلمة قصيرة للدكتور الطائي تحدث عن الوشائج العميقة بين الإنسان والشعر حيث: (أصبح لصيقاً بالأفراد والمجتمعات يرحل معهم في كل مكان، لأن المكان لا يحويه بقدر ما تحويه النفس البشرية التي كونت هذه المجتمعات الإنسانية)، ولهذا كما يؤكد الطائي: (أضحى الشعر أنيس المجالس والمنتديات وكان حاضراً في كل مراحل الحياة حتى أصبح جزءاً منها)، حيث: (التصق الشعر بالمجتمع حتى أصبح ميزة من مزاياه لأنه مرتبط بالشعر الإنساني فكان له تأثيره أيضا في كل مناحي الحياة ولذلك كان للشعر دور كبير في النفس الإنسانية وتهذيبها).
كلمة الطائي مهدت السبيل لمحاضرة الدكتور إبراهيم العاتي الذي بحث في وظيفة الشعر والعلاقة بين الشعر والعقل والحكمة ودور الشعر الحسيني في تربية النفس وتهذيبها.
عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية بلندن صدّر محاضرته بالحديث النبوي الشريف: (إن من البيان لسحرا ومن الشعر لحكما)، مستعرضا تاريخ الشعر العربي، معتبراً أن الشعر ما قبل الإسلام الذي وصلنا فيه من القوة والبيان ما يجعلنا نقطع بأن بدايات نظمه تعود الى أزمنة بعيدة عن الذي وصلنا. مؤكدا أن العرب نسبت الشعر الى الشيطان، ولكنه في الواقع هو ملكة وهبة إلهية إن تم توظيفه في الخير، وهو العلامة البارزة التي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات، فهو مزيج من الفكرة والعاطفة والعقلانية والشعور، فالشعر يملك وظيفة سامية، وظيفة نفسية واجتماعية، ومن وظائفه الرقي الجمالي عبر تهذيب النفس والارتقاء بها.
واستشهد الأديب العاتي بأبيات من قصيدة ألقاها في جامعة باتنه الجزائرية عام 1986م في ندوة أدبية دولية بعنوان: (جدوى الأدب في عالم اليوم)، لبيان مفهوم الشعر ووظيفته ودوره في الحياة، جاء فيها وهي من بحر الطويل:
هو الشعر ما أسرجته من قريحة … ولكنه قلب أقطّعه شُطرا
هو الشعر دنيا من عذاب ونغمةٍ … وهبتُ روحي وأسلمت العُمرا
هو الشعر عنوان الحياة إذا خبا … فجلُّ حياة المرء أن يبلغ القبرا
واعتبر العاتي أن من وظيفة الشاعر هو الإرتقاء بالإنسان لمواجهة الطغيان، لإن الشاعر هو لسان قومه، فلا خير في شاعر يصطف مع الطاغية، فالموت خير له من الحياة، مستشهداً بأبيات من القصيدة السابقة، مهاجما شعراء البلاط وفيها يقول:
فصرتَ إلى طاغٍ يسومكَ سلعةً … ويُحكِم في أبـيـاتِكَ القيدَ والإصْرا
تُـمجـد فرعوناً وتمدح حاجباً … لـكي تبتني من ذُل أموالهم قصرا
فما عاش شعرٌ إذ يموت عقيدةً … ومـا عاش إنسانٌ إذا لم يكن حُرا
وتطرق المتحدث الى علاقة الشعر بالعقل، منتقداً أولئك الذين يرون التعارض بين العقل والوجدان متوهمين أن الشعر شعور وإحساس وأن الشعر لا يستقيم مع العقل، مستشهداً ببعض الشعراء العرب الذين غلب على شعرهم الحكمة والعقلانية مثل زهير إبن أبي سلمى وأبو تمام والمتنبي، والأخير برزت في شعره خطوط الحكمة والفلسفة بشكل جلي، كما ظهرت النزعة العقلانية عند أبي العلاء المعري حتى قيل فيه أنه شاعر الفلسفة والفلاسفة وكان مغرماً بدرجة كبيرة بحكميات المتنبي.
وتطرق العاتي صاحب كتاب “الظاهرة الحسينية في الشعر العربي” الى دور الشعر في تهذيب النفس وتربيتها مستشهداً بالشعر الحسيني بوصفه شعراً ملتزماً لازمه الشعور والعِبرة والعَبرة، مستذكراً عدداً من الشعراء الذين حملوا أعواد الصليب على ظهورهم وهم يقدحون زناد الكلمة الحرة بوجه الظلم، مثل دعبل الخزاعي الذي قال الشعر في الحسين(ع) وعُذب عليه حتى مات. كما أشار إلى شعر الالتزام لدى الشاعر عبد المحسن الكاظمي الذي ظلمته المحافل الأدبية العراقية والعربية.
وانتقد العاتي في غضون محاضرته ما يعبر عنه بقصيدة النثر، ورغم انه نظمه على منوالها في بداياته الأولى لكنه سرعان ما عدل عنها، حيث رأى كما يؤكد، أنها أفسدت الذائقة الشعرية العربية بحيث أصبحت دواوين الشعر من هذا النمط ترمى في السلال ولا يقترب منها رواد الأدب والشعر، على ان قصيدة النثر هي غير الشعر الحر المقفى وقصيدة التفعيلة، فمثل هذا الشعر فيه موسيقى وبعضها موزون، والشعر في حقيقته جرس وإيقاع، وما لم يتصف بهذه الصفات فهو ليس من الشعر وإنما من النثر وإن حفّت به الشعور والمشاعر، منتقداً في الوقت نفسه تشبيه بعض الحداثيين بين قصيدة النثر والشعر الإنكليزي القائم على تناغم القافية واتساق الروي.
وفي نهاية المحاضرة استمع الحاضرون إلى قصيدة من نظم المحاضر كان قد ألقاها في مناسبة سابقة تناول فيها برؤية شعورية الوضع السياسي القائم والصراع الدائم بين قوى الظلام التكفيرية وقوى الخير.
المحور الثاني من الملتقى الأدبي والشعري، قدّم له الدكتور حسين الطائي بمقدمة عن لغة الحداثة التي أثرت في المجتمعات، وأوجه الشبه بين الشعر المقفى الموزون وشعر التفعيلة والتطورات التي لامست حياض البحور الخليلية، ثم شرح الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين مفاهيم العَروض والمحاكاة والتحديث والربط بينها، مؤيداً آراء من سبقه بأن العروض هو ميزان الشعر فبه يظهر ويُعرف الملتزم في الشعر من مختلّه، وباختصار فإن العروض هو قسطاس الشعر ومعياره مثلما هو النحو قسطاس الكلام ومعياره.
وعرّج الدكتور شبين على مفهوم المحاكاة المطابق لمعنى التقليد عند تناوله للبدايات الأولى للشعر وأوزانه ومحاكاة الشعراء للأوزان التي اكتشفها الأديب الفراهيدي ومن بعده الزمخشري، معتبراً أن المحاكاة والتقليد عملية قديمة دخلت في كل مناحي الحياة، أشار القرآن الكريم إلى بداياتها في قصة هابيل وقابيل والغراب، عندما أقدم الثاني على قتل الأول وحار فيما يصنع: (فبعث الله غُرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه..) المائدة: 31.
وعند تناوله لمفهوم التحديث في الأوزان الشعرية، استشهد الدكتور شبّين بالمحقق والأديب الشيخ محمد صادق الكرباسي، الذي استطاع عبر متواليات من التفعيلات والمقطعات الشعرية هي أشبه بالمتواليات الرياضية أن يستحدث 210 أبحر جديدة أودع تفاصيلها في ثلاثة كتب حديثة هي: هندسة العروض، بحور العروض، والأوزان الشعرية (العروض والقافية). وهذه الكتب الثلاثة قدّم عليها الدكتور شبين إلى جانب ثلاثة أجزاء من ديوان الكرباسي المعنون “ظلال العَروض في ظئاب المطالع والملاحق” وهو بمثابة تطبيق شعري للأبحر المستحدثة نظم مطلعه الأديب الكرباسي فيما نظم الدكتور شبين ملاحقها.
وختم الدكتور عبد العزيز شبين محاضرته برباعية من وحي المناسبة وهي من بحر السريع، وفيها:
الشعر ما بذوقه تشعرُ … لا ما يراعُ من يدٍ يسطرُ
إلهامُك النابع من خاطرٍ … شعَّ من المورد لا يَنفُرُ
زِن كلمة الشعر به تستقم … عَروضه وتُقتَفَ الأشطرُ
يا أيها الشاعر لستً الذي … يُنافق القلبَ به يكفُرُ
وتخلل الملتقى الذي حضرته شخصيات أدبية وشعرية من العراق ولبنان والجزائر والبحرين والهند وإيران والمغرب، وغيرها، مداخلات نثرية وأكثرها شعرية.
الاستاذ علاء الخطيب اعتبر أن الشعر رسالة إنسانية في كل أبعادها نابع من تجارب شعورية إنسانية وهو يتعارض في رأيه مع العقلانية، كما أن الشعور له أن يتمثل في النثر والشعر بأصنافه العمودي والحر والتفعيلة.
راعي الملتقى المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي عبر عن قناعته بأن التجربة هي التي تسبب في تحريك المشاعر كما أن المشاعر تترك أثرها في التجربة، فأحدهما يعمل للآخر، وأنه لابد من التفريق بين النثر والشعر، فلكل ساحته وتأثيره. وفيما يتعلق بالشعر الحسيني قال مؤلف دائرة المعارف الحسينية، التي تربو على التسعمائة مجلد طبع منها مائة مجلد، إن القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الضياع وإن النهضة الحسينية أبقت الشعر العربي وغيره ناهضا وناضجا ومتطوراً ويكفي دلالة أن الموسوعة الحسينية تضم نحو 250 مجلد في الشعر.
وفي ظاهرة أدبية ظريفة في فن المداخلات ختم الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي مداخلته على المحور الأول بالبيتين التاليين من بحر الرمل:
هذِّب النفس التي فيها المحالُ … نظمك الشادي لها برءٌ زلالُ
نوِّر العقل الذي منه الكمالُ … شعرك الشافي حجًى فيه عِقالُ
كما ختم مداخلته الثانية بالبيتين التاليين من الرجز المخلّع:
لا شيء في الدنيا به جمودُ … جدِّد عروض العُرب يا جَلودُ
لا يُبتغى رفضٌ ولا جحودُ … هذا خليلي شاكرٌ حَمودُ
الشاعر العراقي نزار حداد، كانت مداخلته على المحورين أبياتاً من الشعر جاء فيها:
أدب النفوس منارةٌ للعاقل … تغني الثقافة منهلاً بتكامُلِ
فالكلُّ واعٍ للحديث مكارمٌ … رَيعُ المطالب مَكسبٌ للسائلِ
وعن المحور الثاني جاء البيتين التاليين:
عَروض الشعر فنُ كتابةٍ لقصيدةٍ … في سرها نظمٌ قواه الشاعرُ
يُغني القريض بحورُهُ بتأملٍ … لونٌ نراهُ بريشة يتفاخرُ
وتداخل الأديب العراقي الدكتور سليمان جواد الخطيب العوادي، القادم من مدينة برمنجهام، بمقطوعة شعرية وفيها:
بالشعر تصطلحُ النفوسُ تُهذَّبُ … ويبانُ مجهولُ الهوية أجنبُ
والشعر من فنِّ العروض كصنوه … لا شعر من غير العَروض يُسبَّبُ
والشعرُ ديوان الحياة بغيره … تغدو الحياة جديبة لا تُعشَبُ
والشعرُ آنسُ ما يكون لصاحبٍ … فإذا نوى نظماً كحملٍ يصعُبُ
كالهمِّ يخترمُ الجسيمَ نحافة … قد قالها ملكُ القريضِ الطيِّبُ
وبعد مداخلة أستاذ القانون الدولي الدكتور عبد الحسن هادي السعدي حول أهمية الشعر في حياة الشعوب، ختم الدكتور حسين الطائي الملتقى الأدبي بقصيدة من إنشائه، جاء في مطلعها:
مِن أين أبدأُ أو مِن أينَ أختتمُ … وأنت في عَبَقي للآنَ تحتدمُ
وختمها بقوله:
شقيقِيَ الشعرُ كنّا والهوى حُلُمًا … نعيشُهُ كبُرت ما بيننا القيَمُ
والمفيد ذكره أن ملتقى (القوافي الشادية في إنعاش القلوب الصادية)، هو واحد من سلسلة ملتقيات دورية متنوعة الأغراض يعقدها المركز الحسيني للدراسات بلندن المهتم بكل ما يمت الى الكلمة بصلة.