متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الثلاثاء 09 . 02 . 2016 — خلال ساعات، تتحول منطقة “حفر الباطن” في شمال #السعودية ميداناً عسكريا بامتياز وتتوقف حركة الملاحة في سماء المنطقة، مع انطلاق كبرى المناورات والتدريبات العسكرية بمشاركة ٣٥٠ ألف جندي من دول عربية وخليجية و اسلامية بقيادة السعودية. المناورات التي تحمل اسم “رعد الشمال” تنطوي من حيث توقيتها ومكانها وحجمها على رسائل سياسية وتعتبر اعدادا مبكرا لحرب آتية ومحاكاة لعمليات برية تستعد هذه القوات لتنفيذها في سوريا.
الارقام المتداولة لحجم المناورات تشير الى 350 الف جندي مع 2540 مقاتلة حربية و20 الف دبابة و460 هليكوبتر هجومية سيشاركون على مدى 18 يوماً في مناورات وصفت بأنها الاضخم في تاريخ المنطقة وسيغلق خلال المجال الجوي في شمال السعودية. أما الدول المشاركة فيبلغ عددها نحو 25 وفي مقدمها السعودية ودول الخليج ومصر والسودان والأردن وباكستان واليمن وتركيا، اضافة الى دول أخرى ستشارك بصفة مراقب.
وتنتمي الدول المشاركة الى ” التحالف الاسلامي ضد الارهاب” الذي أعلنته السعودية في 15 كانون الثاني الماضي بهدف “محاربة الارهاب بكل أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبه وتسميته ” .
رسمياً، صرح ناطق بإسم الجيش السعودي بأن المناورات تهدف إلى رفع نسبة جهوز القتال لدى الجيوش العربية لحماية الشعب العربي والإسلامي من أخطار الأرهاب، وأن يكونوا على أهبة الإستعداد لمواجهة التحديات من التنظيمات الارهابية، أهمها “داعش”.
ولكن عملياً وبتقدير مراقبين وخبراء، يهدف هذا العرض العسكري الى ما هو أبعد من ذلك، وخصوصاً أنها تأتي وسط تطورات ميدانية سريعة في سوريا خصوصاً، وفي ظل توتر سعودي-ايراني لا سابق له منذ الثورة الاسلامية في ايران. هذه الاجواء أثارت تكهنات بتدخل عسكري بري في سوريا لوقف التقدم الذي يحققه الجيش السوري بمؤازرة الغارات الروسية في شمال البلاد، ومنع انهيار المعارضة السورية المدعومة من السعودية، ورداً على القصف الروسي الذي يطاول كل الفصائل ما عدا “الدولة الاسلامية”.
الثابت بالنسبة الى عبدالخالق عبدالله ،أستاذ العلوم السياسية في الامارات أن المناورات العسكرية المقررة هي الاضخم في تاريخ السعودية والمنطقة وربما المنطقة الاسلامية كلها.ومن هذا المنطلق، يقول ل”النهار” إنه ” لا يمكن قراءتها على أنها تدريبات عسكرية فحسب” فهي ذات دلالات عدة من حيث المشاركات ووحدة الدول المشاركة اضافة الى الرسالة الضمنية التي تنطوي عليها لجهة كونها عربية وخليجية واسلامية مشتركة”.
ويكتسب موقع المناورات بذاته دلالات رئيسية لعبدالله “فهي تتم في شمال السعودية المحاذي من العراق وعلى مرمى ايران وليس بعيدا من الساحة السورية الملتهبة”.
إذا الرسالة السعودية موجهة شمالا والى أكثر من طرف، العراق وايران و”داعش” وسوريا في وقت تكثر التقارير عن استعدادات سعودية للمشاركة بقوات برية في سوريا ضمن الائتلاف الدولي ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”.
العسيري و”رعد الشمال”
التصريح الاول في هذا الشأن جاء على لسان مستشار وزير الدفاع السعودي العميد أحمد العسيري الذي أبدى استعداد المملكة للتدخل برا ضد “داعش” اذا قرر الائتلاف الدولي القيام بعمليات من هذا النوع.
هذا الموقف أثار ترحيبا من واشنطن ، بينما ردت عليه طهران ودمشق بتشنّج، فيما استخفت به موسكو.
طهران حذرت من أن هذا التدخل سيكون”انتحارا” وأن السعودية ستهزم. ولاقاها وزير الخارجية السوري وليد المعلم بتهديد المعتدين بالعودة ب” صناديق خشبية” سواء أكانوا أتراكاً أم سعوديين. بينما ردت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، متسائلة :” .. هل غلبتم الجميع في اليمن.”
الباحث في الشؤون الدولية فينيان كانينغهام كتب في موقع “روسيا اليوم” أن الخطة السعودية لارسال قوات برية الى سوريا مجرد خدعة. ومع ذللك أضاف أن هذا هو بالضبط نوع من التهور …الذي يمكن أن يشعل حربا شاملة يمكن أن تشمل الولايات المتحدة وروسيا”.
لا يمكن أي مراقب الا الربط بين التصريحات السعودية و”رعد الشمال”. أما تحول الساحة السورية مسرحا للحرب الشاملة ،وخصوصاً ي ظل التوتر السعودي-الايراني، فهي أمر حاصل أصلاً .ويقول عبدالله:”تشهد الساحة السورية قتالا بين كل اطراف عدة على الارض وفي السماء والبحر…هؤلاء يتقاتلون بجنود دول مختلفة وأسلحة مختلفة وأجندات خارجية مختلفة”. أما ما يؤكده في هذا الاطار فهو أن السعودية لن تسمح بهزيمة الشعب السوري وانتصار ساحق ماحق لايران في سوريا. وعنده أن معركة الشمال السوري مستمرة ولم تحسم بعد، “إذ سبق للنظام أن تقدم ثم عاد وخسر مناطق…وهذا ما حصل مع المعارضة ايضاً… وإذا كانت السعودية عازمة على دعم المعارضة يمكنها ارسال أسلحة ومدربين قبل أن تفكر في ارسال قوات”.
ائتلاف دولي أم جهد أحادي؟
العسيري أدرج التدخل العسكري السعودي البري في اطار الائتلاف الدولي. هذا الامر يركز عليه فهد ناظر الباحث غير المقيم في “معهد دول الخليج العربية”، ومقره واشنطن.ويقول ل”النهار” عبر البريد الالكتروني أن ثمة اشارات قليلة الى أن أمرا كهذا قد يحصل في اطار جهد من طرف واحد أو بقيادة سعودية، كما حصل في اليمن.ولكن نظرا الى أن الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن لا يستهدف القوات السورية الموالية للأسد، يلفت المستشار السابق في السفارة الاميركية في واشنطن الى أنه سيكون مثيرا للاهتمام أن نرى ما اذا كانت السعودية ستنضم الى عملية برية تستهدف “داعش” فحسب.ويلفت خصوصاً الى أن الأسد و”داعش” وجهان لعملة واحدة بالنسبة الى المسؤولين السعوديين والجمهور السعودي ككل، كما يبدو في الاعلام السعودي التقليدي والافتراضي.
ناظر لا يستبعد ايضاً أن يكون العرض السعودي للمشاركة في عملية برية رداً على النظرة السائدة في الغرب أن المملكة لا تبذل جهوداً كافية لمواجهة “داعش”. فالسعودية “تعتبر نفسها في مقدمة الجبهة العالمية لمكافحة الارهاب الذي ينفذه الاسلاميون المتطرفون…لذا أعتقد أن هذا الاقتراح هو محاولة لتثبيت التزامها القضاء على داعش ،واستعدادها لاستخدام كل الادوات المتاحة لديها للقيام بذلك”.
للباحث الاماراتي وجهة نظر مختلفة في شأن احتمالات التدخل في سوريا. فمن سياق التحركات السعودية الاخيرة في البحرين واليمن، يقول “اذا قررت السعودية الذهاب الى سوريا، يمكن أن تفعل ذلك في اطار تحالف عربي-خليجي ومن دون ضوء أخضر من أميركا”.أما عن أفق الحرب في سوريا، فيقول إنها تذهب الى مزيد من القتل والدمار، ويحمل مسؤولية ذلك من “اختار الاصرار على الحسم العسكري”.
النهار اللبنانية