السيمر موقع عراقي مستقل
السيمر / 17 . 02 . 2016
امعمر حبار / الجزائر
مقدمة 1436 هـ – 2016: أسمع الآن عبر وسائل الإعلام، أن محمد حسنين هيكل توفى. وبما أني على سفر غدا، نظرت لأوراقي فوجدتني أكتب كلمات تتعلق بالذاكرة التي يتميز بها هيكل، فأضعها بين يدي القارئ، كما هي وبالشكل الذي كنت أكتب به يومها دون أدنى تغيير.
بقيت الإشارة، أن تغطية هيكل لجرائم عبد الناصر ومساندته للانقلاب العسكري بقيادة السيسي، سيفرد له صاحب الأسطر كلمات، إذا كانت الظروف مواتية.
v قرأت بعضا من كتب الأستاذ: محمد حسنين هيكل، تتعلق خاصة بالوضع العربي والصهيوني، وقرأت له بعضا من مقالاته في هذا الشأن.
v ولكن في السنوات القليلة الأخيرة تابعت الأستاذ: محمد حسين هيكل، وهو يسرد مذكراته عبر سلسلة: “مع هيكل”، في إحدى القنوات العربية.
v استوقفتني ذاكرته، فأحببت أن أقف عند أطرافها لأوضّحها. ونستفيد من هذه الثروة قدر المستطاع.
v أشير بداية إلى أن هيكل من مواليد 1923، والذي يتابعه في حلقاته، وهو في أوجّ نشاطه وعطاءه، يُجْزِم بأنه أقلّ من ذلك بكثير.
v والسؤال المطروح، أنَّى له بتلك المعلومات الدقيقة و الرّاسخة في العمق؟.
v إن هيكل أوتي بَسْطَةً في الجسم، وأزعم أن الموروث الفرعوني له دور في ذلك، وإن كنت أجهل تفاصيله.
v فالصحة الجيدة، مدعاة للذاكرة القوية المشتعلة. وصدق الأستاذ: محمد راتب النابلسي، حينما نَقَلَ عن مجموعة من علماء الشام الذين تجاوزوا التسعين من العمر، وكلّهم في صحة و عافية، قولهم: تلك نعمة حافظنا عليها في الصّغر، فحفظها الله تعالى في الكبر.
v ذاكرة هيكل ليست هي وحدها الملفتة للنظر، وإنما طريقة تنظيم هذه الذاكرة واستخراجها في حينها.
v فهو يستخرج مايريد .. في الوقت الذي يريد .. وبالطريقة التي يريد .. بسهولة وسَلاَسَةٍ .. تَسُرُّ السّامع والمتتبّع.
v وينتقل من سَنَةٍ إلى سَنَةٍ، ومن شخص إلى شخص، وأشخاص هيكل كلهم سادة وقادة. بنعومة ويُسْرٍ.
v هاهو الآن يتحدث عن حدث جلل وقع سنة 2010، ليربطه بحدث مماثل وقع سنة 1935، مستشهدا بمقطع صغير جدا من إحدى المقالات التي كتبها أو كُتِبَت يومها، ليدعمها برأي، وبالتالي رقم الصفحة، والعبارة المعنية بالاستشهاد، التي نقلها عن كتاب صدر سنة 1955.
v ناقلا في نفس الوقت ومُبْرِزًا المخطوطة التي تم نشرها سنة 1960، على يد الجهة الفلانية أو المركز الفلاني. مُعرّجا على أزمة النفط سنة 1973، مَارّاً بأحداث إيران سنة 1979، ذاكرا أقوال ريغن في الجزء الأول من عهدته حول الحرب الباردة في الثمانينات، بدون أن ينسى حرب الخليج الأولى سنة 1991، والثانية سنة 2003.
v ويعود بعدها من جديد إلى الثلاثينات و الأربعينات و الخمسينات و الستينات، في قالب يوحي للسامع أنه يحدّثه عن وقائع وقعت منذ أسبوع أو شهر.
v وهكذا ينتقل كالنحلة بين السنوات، والأشخاص والكتب والمجلات والصحف، القديمة منها والجديدة، وما تمخّضت عليه هذه العقود من آمال وآلام.
v ولاغرو في ذلك فهو كان مراسل صحفي أثناء الحرب العالمية الثانية، أي كان شاهدا، وهو شاب في منتصف عقده الثاني، ناهيك عن تجاربه وعلاقاته بمختلف فئات المجتمع، عبر هذه العقود من الزمن.
v إذن عوامل قوة ذاكرة هيكل تكمن في عناصر القوة التالية:
ü الصّحة الجيدة والمتكاملة.
ü يسجل كل شاردة وواردة يمر بها.
ü يحتفظ بكل ماكَتَب وسَمَع.
ü يحتفظ بما قرأه عن غيره من كتب ومقالات وحوارات.
ü يحتفظ بالصور والمخطوطات.
ü التنظيم الدقيق لما يملك من وثائق ومخطوطات وصور وحوارات ولقاءات.
ü قدرته الفائقة في استخراج هذا الكم الهائل من المعلومات حينما تستدعي الضرورة ذلك.
ü علاقاته النوعية بالقادة والمفكرين والأمراء والوزراء.
ü علاقاته الكمية بقرّائه ومتتبعيه، فهو كتب لحد الآن في 900 جريدة، وترجمت كتبه إلى 30 لغة.
v أريد أن أقول من خلال هذه السياحة عبر ذاكرة هيكل، أن: الذاكرة كغيرها من العوامل المساعدة، تحتاج إلى عناية وَدُرْبَةٍ وتَعَهُد.
v فلا يكفي الكم الذي بين يديك، أو مَابَقِيَ بين أضلعك، إذا لم ترعاه بالسّهَرِ والعناية والتّنظيم والتّجديد، وتُزيل عنه غُبَار الزّمن، وإلا تَحَوَّلَ إلى رَمَادٍ يَحْجُبُ عنك حاضرك، ويَدْفن ماضيك، ويُبَدِّدُ مستقبلك.
