الرئيسية / مقالات / الفرق بين زعيم وآخر

الفرق بين زعيم وآخر

السيمر / الثلاثاء 29 . 03 . 2016

كاظم فنجان الحمامي

شتان بين من يفكر باستقطاب الحرامية لأمور ترتبط باستثمار مواهبهم اللصوصية، وتفعيلها على نطاق واسع، وبين من يفكر بانتشال الحرامية من مستنقعات الانحراف، والارتقاء بهم نحو مراتب المهن الشريفة.
تعود حكايتنا إلى عام 1960، إلى الحقبة الذهبية، التي ازدهرت فيها الموانئ العراقية على يد الراحل (مزهر الشاوي)، ففي تلك الأيام كان شارع أجنادين، الذي يتوسط مدينة المعقل بالبصرة، من أجمل شوارع العراق، وكان الموظفون الذين يسكنون هناك يتمتعون بمزايا خدمية تفوق الوصف. كانت أطباق فطورهم الصباحي تتألف من أرغفة الخبز الحار (أبو السمسم)، والقيمر والأجبان ومشتقات الحليب الأخرى بأنواعها، وتتألف أيضاً من البيض الطازج المجلوب من القرى القريبة. تأتيهم الأطباق الشهية إلى منازلهم من دون عناء، فيجدونها محفوظة ومركونة خلف أبوابهم بأوعيتها وقنانيها وحاوياتها.
في تلك الأيام كان العاملون في الميناء، وبخاصة فرق الشحن والتفريغ، يرتبطون بعلاقات عشائرية حميمة مع بعضهم البعض، ولا يسمحون لمن لا ينتمي إليهم بالعمل معهم. من هنا وجد (صالح) نفسه عاجزا عن الانخراط بفرق العمل المتخصصة بمناولة البضائع، فكان يحوم صباح كل يوم حول الأرصفة من دون أن يحظى بفرصة عمل، فيعود منكسراً إلى كوخه البائس، متسللا عبر شارع أجنادين، فيرى الأطعمة الشهية مكدسة فوق دكات المنازل الفخمة، فيلتقط منها ما يملئ به بطون أطفاله الجياع، ثم وجد نفسه معتادا على التسوق المجاني من أبواب بيوت كبار الموظفين. لكنه لم يكن يتقن السرقة بأساليبها الحرفية، فكان من الطبيعي أن يمسك به الحراس متلبسا بسرقة الخبز.
وصلت أخبار سارق الخبز إلى مكتب مدير عام الموانئ (مزهر الشاوي)، الذي أرسل في طلبه، فاقتادوه مُكرهاً. وما أن وصل هناك حتى تحرر من قيوده.
•قال له مزهر الشاوي: ما الذي اضطرك للسرقة يا ولدي ؟.
•الجوع يا سيدي. أنه الجوع الكافر.
•لماذا لا تعمل مثل بقية خلق الله ؟.
•أنا غريب يا سيدي، ولن يسمحوا لي بذلك، لأني لا انتمي إليهم.
•منذ متى وأنت تمارس السرقة في هذه المنطقة ؟.
•منذ شهرين تقريباً، وكنت مضطراً من أجل إطعام عيالي.
فانتفض (مزهر الشاوي)، وكاد ينفجر من الغضب، ثم قال لمدير قسم الأفراد: اكتب عندك تفاصيل هذا القرار الإداري العاجل:- (لأهمية تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد الشعب العراقي، أمرنا بتعيين السيد صالح للعمل بدرجة حارس ليلي في الشارع الذي كان يمارس فيه السرقة، ويكون تعيينه اعتباراً من تاريخ مباشرته السرقة منذ شهرين، وتصرف له رواتب الشهرين الماضيين هذا اليوم. وتخصص له دار جديدة من دور الموانئ في محلة الكندي، على أن تتولى الجمعية الاستهلاكية تأثيث داره بمستلزمات العيش اللائق على نفقة الموانئ. . ينفذ هذا القرار اعتباراً من هذا اليوم).
فتحول (صالح) بقرار من هذا الرجل المصلح إلى عنصر نافع وفاعل في المجتمع. بيد أن أحولنا نحن انقلبت الآن رأساً على عقب، وأصبحنا ضحية شلة من الحرامية، الذي تفننوا في أساليب سرقتنا بقرارات عجيبة ما أنزل الله بها من سلطان.

اترك تعليقاً