السيمر / الجمعة 08 . 04 . 2016
عادل عامر / مصر
إن الأسباب الموضوعية لهذا الانهيار الغير مفاجئ بالمرة لسعر صرف عملتها “الجنيه المصري”.لن تجد مصدر حكومي يتحدث عن خبر شكوى شركات استثمارية عدة في مصر منذ فترة طويلة وعلى رأسها شركات الطاقة التي تعاقدت مع وزارة الكهرباء المصرية من مواجهتهم لأزمة كبيرة في الحصول على ما يُعرف بالعملة “الصعبة” في مصر لسداد مستحقات قروض على هذه الشركات بعد استيرادهم لبعض الأدوات والمعدات من الخارج، كما أن خبر كتراجع الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي مبلغ ١.٧٦ مليار دولار في شهر سبتمبر مر مرور الكرام على المسئولين الماليين في مصر.
بالربط بين هذين الخبرين بسهولة تستطيع معرفة أن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم واللحظة بل إن المستوردين بشكل عام في مصر قد أبدوا شكواهم مرارًا من وجود أزمة في توفير العملات الأجنبية، بالتزامن مع إجراءات غير منضبطة وعشوائية من البنك المركزي المصري ورئيسه السابق هشام رامز الذي أُقيل أو استقال على خلفية هذه الأزمة.
من ضمن هذه الإجراءات العشوائية التي نتحدث عنها هو منع استيراد بعض السلع الغير ضرورية في وجهة نظر الحكومة توفيرًا لنفقات عملتها الصعبة، وهو ما حدث مع منع استيراد الكافيار لأنه يستهلك 80 مليون دولار سنويًا، اختزال مشكلة الدولار في استيراد هذه السلعة، يجعل بعض المحللين الاقتصاديين يشكون في معرفة من اتخذ هذا القرار بقيمة واردات مصر الإجمالية في العام الواحد التي تتخطى 60 مليار دولار، وبذلك لا يعلم أن مبلغ 80 مليون دولار لن يؤثر بالأساس في عملية توفير الدولار.
كما لا يجرؤ من المصادر الرسمية في الحكومة عن الحديث في أمر جفاف منابع العملة الصعبة في مصر، بسبب عجز القطاع السياحي بمصر في السنوات الأخيرة، كذلك تحول الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة إلى اقتصاد مستهلك فحسب، عبر العجز الحاد في الميزان التجاري المصري بعد انخفاض الصادرات المصرية في شهر سبتمبر بمعدل 28%عن الشهر المثيل من العام الماضي، كذلك انخفاض هذه الصادرات بمقدار 19% خلال أول تسعة أشهر من العام الحالي إذا ما قارنا الوضع بعام 2014. وقد حذرت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني من إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني الخاص بمصر بسبب التراجع الحاد في الاحتياطي الأجنبي لدى مصر، وهو الأمر الذي لم يُعيره أحد اهتمامًا، كذلك زاد الدين الخارجي على مصر ليصل إلى 48 مليار دولار في منتصف هذا العام بزيادة 2 مليار دولار عن العام الماضي، والرقم مرشح للزيادة مع ظهور نية عاجلة لدى الحكومة المصرية لاقتراض 2 مليار دولار من البنك الدولي.
فيما يُعتبر أحد الأسباب وراء انهيار الاحتياطي النقدي المصري هو تسرع النظام في تنفيذ مشروع “تفريعة قناة السويس” الجديدة، هذا التسرع الذي أدى إلى مضاعفة التكلفة الأصلية للمشروع، وتزامن هذا مع انخفاض معدل تشغيل قناة السويس بسبب بعض الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي وهو ما لم يضع له النظام أي حسبان، فأصبحت التفريعة الجديدة ثقب لسحب الأموال دون أن تعطي العائد المطلوب حتى الآن باعتراف رئيس هيئة قناة السويس. كذلك انخفضت تحويلات المصريين بالخارج بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين وهو ما حذر من تأثيره على الاحتياطي النقدي الأجنبي الكثير من الخبراء الاقتصاديين، حيث صدر تقرير عن البنك المركزي المصري في منتصف 2014 يتحدث عن تراجع تحويلات المصريين من الخارج، التي تراجعت إلى 8.441 مليارات دولار بنسبة 8.9%، خلال النصف الأول من العام المالي 2013/ 2014، مقارنةً بنحو 9.276 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام المالي 2012/ 2013.
بهذا كانت تنهار مصادر العملة الصعبة في مصر يومًا تلو يوم والنظام المصري مشغول بصراعات سياسية داخلية وخارجية، بالإضافة إلى التراجع الحاد في الدعم الخليجي في هذه الفترة من عمر النظام، وهو ما كان يستوجب إجراءات تقشفية من الدولة لمواجهة كل هذه العوامل المتراكمة، لكن النظام آثر الدخول في صفقات تسليحية ثقيلة وغيرها من المغامرات التي أنهكت الاحتياطي النقدي المصري حتى هبطت به إلى أدنى مستوٍي منذ فترات تاريخية طويلة.
وما زال التبرير الرسمي في مصر لهذه الأزمة بأنها أزمة عالمية تعاني منها غالبية الدول النامية نتيجة تراجع الصادرات الأساسية لهذه البلدان، وهو حديث يُظهر جانب من الحقيقة ويُخفي آخر، لأن هذا التراجع في الصادرات حاصل بالفعل ولكن في مدة فائتة وجيزة، أما انهيار الجنيه المصري فلم يكن من يوم وليلة بل إن دلائله كانت تظهر منذ عامين وأكثر والمؤسسات المالية الحكومية لا تبالي بهذا.
هذه اللامبالاة تظهر في إصرار وزارة المالية المصرية على إعطاء تقدير خاطئ لعجز الموازنة المصرية، بالرغم من انخفاض سعر الجنية بهذه الصورة، حيث قدرت الحكومة عجز الموازنة بنسبة ٨،٩ % من الناتج القومي المحلي للعام المالي ٢٠١٦/٢٠١٥، وظلت النسبة على ما هي عليه حتى الآن بالرغم من قيام البنك المركزي المصري بتخفيض قيمة سعر صرف الجنيه المصري بمقدار ثلاثين قرشًا أمام الدولار الأمريكي.
كل هذه الأخبار لن تجدها متداولة في الصحافة المصرية ولن تجد المسئولين في الحكومة يتحدثون عنها باستفاضة بالرغم من كونها موجودة على المواقع الرسمية للمؤسسات المالية المصرية كالبنك المركزي ووزارة المالية، ولن تجد من الحلول سوى البحث عن كبش فداء لهذه الأزمة المزمنة مثل هشام رامز الرئيس السابق للبنك المركزي، رغم الإعلانات المتكررة من جانب الحكومة المصرية عن مشاريع اقتصادية وانفراجات قريبة في الاقتصاد المصري، فوجئ المصريون بانهيار تام لعملتهم المحلية أمام الدولار الأمريكي، آخرها كان بالأمس، حيث وصل سعر الدولار رسمياً أما الجنيه إلى 8.03 وفي السوق السوداء 8.40 جنيهاً. ويعد هذا الانخفاض الثاني في أقل من أسبوع، بعدما خفض البنك المركزي المصري سعر الجنيه عشرة قروش، أمام الدولار، الخميس الماضي، ليصل إلى 7.83 جنيهات للدولار، بعد أن كان 7.73 جنيهات.
لان نمط الاقتصاد الريعي القائم علي الخدمات والسياحة والتجارة والاستيراد فقط، سبب الأزمة، وللخروج منها، فإن الأمر يستوجب خطتين، واحدة علي الأجل القصير يتم بموجبها كبح جماح الاستيراد مرحليا، بوقف استيراد السلع التي لها بديل محلي بشكل كامل وبأسرع وقت ممكن؛ لأن الاحتياطي النقدي للدولار في الحقيقة لم يعد يكفينا لاستيراد شهر واحد لا أكثر؛ خاصة أن رقم الاحتياطي المعلن يتضمن نحو ٦ أو ٥ مليارات دولار في شكل ذهب وحقوق سحب خاصة لا يمكن تسيلها، أي أن النقد الحقيقي المتاح للاستخدام ١٠ مليارات دولار فقط، وهو ما يكفي استيراد شهر واحد لا غير لو استمر الاستيراد بنفس الوتيرة.
تأثرت ماليات دول الخليج بعد خفض سعر النفط، وبالتالي لن تقدم أي معونات دولاريه، وهو أمر حذرنا منه من قبل، ورفضنا الاعتماد عليه، بالإضافة لانخفاض مواردنا من السياحة إلي مستويات متدنية للغاية”.
أن الخطة الأخرى متوسطة إلي طويلة الأجل، وتقتضي البدء فورا في وضع خطط لعمليات تصنيع حقيقية تحتكرها الدولة ولا تسمح للقطاع الخاص بالدخول فيها وتعتمد علي موارد ذاتية من خلال ضم الصناديق الخاصة للموازنة واستعادة حقول الغاز في شرق المتوسط التي سرقتها منا قبرص ودولة الكيان الصهيوني، بالإضافة إلي وقف الهدر في الموازنة المصرية الذي يصل إلي عشرات المليارات، وكذلك وضع خطط عاجلة لتطوير الزراعة لأجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وفتح المجال الديمقراطي وإطلاق الحريات السياسية.
إن ارتفاع سعر الدولار نتيجة لعملية الشد والجذب التي تحدث بين الدولة ورجال الأعمال، والتي دائمًا تنتهي لصالح رجال الأعمال، ويحققون مصالحهم – على حد وصفه، لان اعتماد الدولة على المساعدات الخارجية وافتقارها المشاريع الإنتاجية التي تعتبر نمو الاقتصاد، وانخفاض حجم الصادرات السلعية يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة قيمة الدولار مقارنة بالجنيه، مع اعتماد الحكومة على خطط غير فعالة للخروج من الأزمة الاقتصادية.
أن تحويلات المصريين بالخارج سبب رئيسي في انخفاض الجنيه، و أن هناك رجال أعمال يحتكرون العملات الأجنبية من المصريين بالخارج قبل أن تدخل مصر ويتم تحويلها إلى بلدان أخرى، بجانب توقف المساعدات الخارجية.