المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الأربعاء 13 . 04 . 2016 — جماهير واسعة من ابناء شعبنا، ومعهم كل الحريصين على تعزيز المسار الديمقراطي في بلدنا وتخليص العملية السياسية من ثغراتها ونواقصها، كانوا يتطلعون الى ان يجري التعامل بايجابية مع مطامحهم وارادتهم في الاصلاح السياسي والقضائي الشامل، ومحاربة الفساد والمفسدين، وعبرت الناس عن ذلك في حراك جماهيري واسع، اخذ مسارات ومقاربات عدة ومنها التظاهر والاعتصام والوقفات الاحتجاجية التي تعكس وتجسد عمق الازمة الشاملة التي ينوء تحت ثقلها الوطن والشعب.
الا ان اتفاق القوى المتنفذة وتوقيعها امس الاول على “وثيقة الاصلاح الوطني” جاء مكرسا للمنهج المحاصصي المقيت، ومكتفيا باجراءات شكلية تحاول اخفاء جوهر البلاء وادامته تحت وابل من كلمات “الحرص” على الاصلاح و”الاستجابة” لما طالب به المتظاهرون والمعتصمون.
ان هذه الوثيقة لا تتعدى في محتواها الحديث عن “اصلاحات” هي في الواقع ترقيعية، لا تمس جوهر نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، وانما تمثل مسعى اضطراريا لامتصاص واحتواء ضغط الرأي العام والحراك الجماهيري، والاستجابة للضغط الدولي – الاقليمي على مسار الاحداث الجارية في بلادنا وانعكاسها على خارجه من البلدان الاخرى، كذلك هي اقرار بالفشل الواضح في ادارة دفة الدولة وشؤون الحكم، كما انها تشكل مسعى الى تلطيف المشهد وتقليص العيوب والحد من بعض السلبيات وليس التخلص منها.
ان هذه الوثيقة المعبرة عن رأي المشاركين في اجتماع امس الاول انما تستهدف التنفيس عن الاحتقان فقط، وليس المعالجة الجادة والضرورية لنزع فتيل التوتر والازمة، وهي تخلو من الضمانات بأن تأخذ هي نفسها طريقها للتنفيذ، كما لا ضمان فيها لعدم العودة الى ما سلكته الكتل المتنفذة وما دأبت عليه في حماية الفاسدين، والاستئثار بمواقع الحكم، واحتكار السلطة بيد من يملك الاصوات الاكثر وتهميش غيرهم وتجاهل حقوقهم.
والاغرب في هذه الوثيقة انها دفعت قضية الفساد والتصدي لها الى الفقرات الاخيرة (الفقرة رقم 10) وتركتها لجهاز القضاء المعروف بادائه خلال الـ 13 سنة المنصرمة، وكأن الموقعين عليها ارادوا ان يقولوا ان “ما مضى مضى، وعلينا بالجديد وفقا للتساهيل”، فيما يتواصل التستر على ملفات الفساد الرئيسة، وعلى “ابطالها”.
ومن جانب آخر تحرص الوثيقة على دعوة المتحاصصين لتعزيز تكاتفهم وتآزرهم عبر تسويات تؤمن اعادة توزيع الغنائم، والتحذير من ان ما يعاكس ذلك سيكون وبالا عليهم جميعا، وأن السفينة ستغرق بالجميع !
إن مثل هذا التوجه المعبر عنه في الوثيقة، وفي سلوك ومواقف انصار المحاصصة، لن يحرك عملية الاصلاح ويقود الى التغيير المرتجى، ولن يحقق الاصلاح الوزاري المطلوب بدايةً، ولن يفضي الى اختيار الاكفأ والانزه، بل انه سيبقي الامر رهن ارادة المتحاصصين، وتسمية من يتماشى مع رغباتهم.
والمثال الصارخ على مسعى المتحاصصين المتنفذين للابقاء على اشراف وهيمنة نظام المحاصصة، هو تشكيلهم المجلس السياسي الاستشاري، واللجنة المسؤولة عن اعادة النظر في مسؤولية الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة، وفقا للمنهج المحاصصي ذاته.
ان ما حصل ويحصل يضع على عاتق كل القوى الرافضة لنهج المحاصصة وتكريسه على مختلف الصعد، وكذلك في اطار الحراك الشعبي، تنسيق جهودها وتوحيد مواقفها، للتصدي لمهمة تخليص البلد من هذا النهج الخطير، وفتح الطريق نحو التغيير عبر الاصلاح، والتوجه لبناء بلدنا على اساس المواطنة والمساواة بين ابنائه، واستثمار كل الكفاءات المتيسرة، وهي كثيرة سواء لدى الحزبيين والسياسيين، أم في صفوف المستقلين، لبناء عراق مدني ديمقراطي تعددي برلماني اتحادي، مستقل وذي سيادة.
ان ما حصل ويحصل من التفاف وتسويف وتلكؤ في رسم استراتيجية متكاملة للاصلاح الشامل بسقوف زمنية محددة، وادوات فاعلة للتنفيذ، بما فيها تشكيل حكومة كفوءة وفاعلة، سيحفز جماهير شعبنا على مواصلة نضالها لاستعادة كرامتها وحقوقها المشروعة، ورفع وتيرة ضغطها لتحقيق مطالبها، عبر كل اشكال التحرك والنضال السلمي المشروع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
افتتاحية “طريق الشعب”
الاربعاء 13/ 4/ 2016