الرئيسية / مقالاتي / العراق محررا من سلطة البعث / 2 – 5

العراق محررا من سلطة البعث / 2 – 5

السيمر / الاثنين 02 . 05 . 2016

وداد عبد الزهرة فاخر

عندما يكون كل شيء مباحا يومها يستباح الوطن

ضخامة عملية التغيير التي حدثت في 9 نيسان 2003، وما رافقها من مسح نظام دموي قمعي شرس من على خارطة العراق والمنطقة لم يكن بالأمر الهين بتاتا. وقد كانت كل الكتابات والدراسات السياسية والعلمية والاجتماعية لطبيعة وتركيبة الشعب العراقي قبل التحرير تأخذ في حسبانها ضخامة وقوة عملية التغيير المقبلة والخطوات الضرورية المقترحة التي يجب أن تتزامن مع تلك العملية. لكن هيمنة وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) على الملف العراقي ترك وراءه كل تلك الدراسات والمقترحات التي خطت من قبل كتاب ومتخصصين عراقيين وضعوا كل رؤاهم صوب لحظة عملية التغيير وما يعقبها ن وتصرفوا بحماقة لا حدود لها أو بصورة متعمدة ضمن مخططات سياسية بحتة وبالضد من المحور الأوربي المعارض للحرب.
وكان ضمن تلكم الاقتراحات أن تكون عملية التغيير متزامنة مع انطلاقة إعلامية تأخذ في حسبانها سير العملية بصورة متوازية مع الحدث الضخم، وتبرز بشكل حقيقي مشاعر الناس وآرائهم وطموحاتهم، وتظهر للعالم مدى شراسة وبشاعة الدكتاتورية ووجهها القبيح. لكن ما حصل هو العكس فقد أخذت دوائر إعلامية معادية دورا آخر زيف الحقائق وقلب عاليها سافلها، وشوه المعنى الحقيقي لسقوط النظام وسوق لثقافة العنف والقتل العشوائي، والخطف والسرقة بحجة حرية الإعلام. لذلك صحا المواطن العادي البسيط على فضائيات تختار بطريقة الانتقاء الكيفي محلليها السياسيين، من بقايا مدرسة البعث الساقط وتلاميذ مدرسة الإعلام الصداميين، وصبيان المقبور عدي وتلفزيون الشباب العائد له، وموظفي وزير الكذب الصدامي محمد سعيد الصحاف. وبدا المواطن الخارج من ظلمة الدكتاتورية حبيس الهوس ألأمني الذي لم توفره له قوات الاحتلال ولا حكومته المؤقتة الحالية، ولا شرطته التي لا تعرف ماذا تفعل وسط العدد الهائل من القتلة والمجرمين طليقي السراح قبل سقوط النظام أو من القتلة المتاسلمين الذين اجتازوا الحدود بدون خوف أو وجل ولا زالوا يجتازونها، لأن من دخل العراق كان يقصد أساسا البحث عن أرض بديلة لمحاربة الإرهاب عوضا عن واشنطن أو نيويورك.
فلا غرابة أن يواكب دخول القوات البريطانية للبصرة مسير ( بيت رويمي ) معهم جنبا إلى جنب وهدفهم مصرف الرافدين، وهم يحملون العدد الخاصة بالقطع والخلع والنهب بغية سرقة المصرف الذي كان هدفهم الأول، حيث عملوا ب( إصرار وعناد ) ولمدة أسبوع كامل في سبيل فتح الأبواب والخزائن والتصدي للسراق واللصوص الآخرين، وتصفيتهم جسديا لكي ينعموا بالغنيمة لوحدهم دون منازع. بينما بدء لصوص آخرين من عشيرة اخرى هي ( الكرامشة )عملهم ( الوطني ) بنهب مخازن السلاح، وثنوه بتهريب النفط، وعمليات الاختطاف والسلب ولا زالوا يمارسون نشاطهم للآن. ناهيك عن الجماعات والعشائر الأخرى التي لا تعرف دينا ولا حلالا او حراما البتة. لذا فعملية اندسس عناصر الإرهاب وانتشارها على الساحة العراقية أخذ طريقه بصورة سهلة وسلسة للأسباب السالفة التي ذكرناها، ولانشغالات المواطنين بتوفير أمنهم الشخصي متخلين عن الأمن العام.
وتحولت عملية استباحة الوطن من الداخل وبواسطة قلة قليلة من حثالات الناس من سقط المتاع، أو ممن يسميهم ماركس ( حثالات البروليتاريا ) أو (البروليتاريا الرثة)، وهم فئة العمال الذين لا حرف أو مهن لديهم، كماسحي الأحذية وخدم المنازل والمنقبين في المزابل. وكانوا السبب الرئيسي في أخفاق وفشل الكثير من الثورات على مجرى التاريخ البشري ( ثورة الفلاحين في ألمانيا ) مثلا على ذلك، وجزء من إخفاق الانتفاضة الشعبية الشعبانية في العراق عام 1991 بعد هزيمة النظام العفلقي من الكويت أمام قوات التحالف الدولي. حيث ينشغل هؤلاء بالنهب والسرقات والتخريب، وقد حصل ذلك في الحالة العراقية بعد سقوط نظام العفالقة يوم 9 نيسان وجعلوا كل شيء مباحا، مما أفسح المجال لعناصر النظام المدربة على تخريب وحرق الكثير من المؤسسات والدوائر الرسمية وإتلاف الوثائق الرسمية وطمس الكثير من الحقائق. وهم بذلك فتحوا الباب على مصراعيه للغرباء القادمين من خارج الحدود لاستباحة الوطن باسم الدين أو القومية، وأسسوا بذلك لمجتمع مضطرب غير آمن، أصبح فيه شخصية جاهلة غير متعلمة ومنحرفة أخلاقيا واجتماعيا ودينيا ك ( أبو مصعب الزرقاوي ) وخليط من القتلة والمجرمين وقطاع الطرق، ومنحرفي السلوك والأخلاق اللاعب الرئيسي على الأرض العراقية بدعم وحماية جماعات من معتنقي الدين الإسلامي من الجماعات السياسية المتاسلمة. وقد ميز الدين الإسلامي بين المسلمين الحقيقيين وآخرين ممن اعتنقوا الدين لغرض ما وتمثلها الآية القرآنية التالية( قالت الأعراب أمنا، قل لن تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )، وما يدعيه القتلة من المتاسلمين ينفيه الحديث الشريف ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه )، والله جل وعلا نهى عن القتل العمد بقوله ( من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ).
لكن ما العمل؟، وهو سؤال صعب الإجابة عليه على ضوء التحدي الأمني الراهن في الحالة العراقية حيث تتجمع فئات عديدة من القتلة والمجرمين وقوى الظلام المتلبسة بالدين. مضافا لكل ذلك ما حصل من اصطفاف جديد خلال السنة والنصف المنصرمة بين أعداء الأمس من بقايا البعث والمتأسلمين ومخابرات دول عملت بشكل منظم لتخريب الاقتصاد العراقي، وتشويه عملية التغيير.
لكن تجربة رائعة لمحافظة كربلاء جعلتني أقف بإعجاب أمام حرص أهالي المدينة وإصرارهم على الحفاظ على معالمها الدينية المقدسة، وإشاعة الأمن بصورة ذاتية نالت إعجاب الكثيرين وأشاعت الأمن والاستقرار بين المواطنين، بفضل التآزر بين الأهالي والقيادات الدينية في المدينة، وهي بحق تجربة رائعة يجب تعميمها والاستفادة منها في إشاعة الأمن والسلام في ربوع العراق مستقبلا. كذلك تدل هذه المسألة على عدم فسح المجال من قبل الكربلائيين لأي عناصر مشبوهة غريبة بالتسلل وإيجاد ملجأ ومأوى آمن فيها، لأسباب عديدة منها صغر حجم المدينة مما يترك المجال ضيقا للغرباء في الاندساس بين أبناءها الذين يعرف بعضهم البعض الآخر، والوعي الجمعي لسكانها في الحفاظ على أمنها الذي هو أمنهم الشخصي. لذا فمن السهولة تعميم هذه التجربة الشعبية في مدن صغيرة أخرى غير المدن الموالية للبعث سابقا والتي تحتضن قوى الإرهاب حاليا.
وقطع دابر الجريمة والإرهاب يجب أن يصاحبه بشدة لجم لقوى ضمن السلطة الحالية والتي ولج صفوفها الكثير من الانتهازيين ومنتهزي الفرص، خاصة أولئك الذين لفوا العمائم مؤخرا وسرى عليهم المثل الشعبي الجديد الذي نبع أصلا من المثل القديم الذي كان يضرب على رجال البعث وأزلامه (زيتوني وقلمين ) الذي تبدل إلى ( عمامة ومحبسين )، الذين يستغلون مواقعهم الرسمية أو الحزبية للإفتاء الخاطئ وتكفير هذا وذاك ممن لا يسير ضمن خطهم الحزبي، فهم وجموع الانتهازيين من يساعد على الإخلال بالأمن بواسطة عمليات التهريب المبرمج للنفط، وتبديل المواد التموينية وخاصة الطحين بطحين رديء ” هناك طحين مستورد من الإمارات يستبدل بالطحين العراقي السيئ الذي يجد المواطن صعوبة في خبزه “، لكي يباع الطحين الجيد في الأسواق.
أو أن ينصب لص سابق أدين في زمن سلطة الجريمة بسرقة الحبوب من المخازن ليكون معاونا للمحافظ في البصرة، ليسرق علانية النفط ويبيعه في السوق السوداء ب ( اسم الشعب )، ويدعو من على منبر الحكومة باسم ( تيار الصدر ) بفصل البصرة والعمارة والناصرية عن العراق.
أذن ما المطلوب، وما العمل؟، وهل يحتاج العراق لحرب جديدة؟ !. أنا أقف مع هذا الرأي وأدعو لحرب جديدة على الجريمة والإرهاب، بتضامن وتآزر قوى الخير في العالم مع قوات عراقية مدربة ومزودة بأحدث المعدات والأجهزة الالكترونية الحديثة، ولكن بعد غلق الحدود العراقية حتى أمام العراقيين ولفترة من الزمن عندها سنرى عراقا آمنا وخاليا من الجريمة والعدوان. أما إذا استمرت الحالة العراقية على ما هي عليه من حدود مفتوحة لكل من هب ودب ن وبدون تمييز ولا مراقبة فستزداد الأمور عن سابقها سوءاً.

إيلاف

الجمعة 27 أغسطس 2004

اترك تعليقاً