السيمر / الاثنين 02 . 05 . 2016
وداد عبد الزهرة فاخر
الوضع الاقتصادي والمعاشي للعراقيين
كثرة البضائع الملقاة على قارعة الطريق أمام المحال التجارية، والحركة الدائبة للسوق التجاري، والعدد الهائل من موديلات السيارات الجديدة التي تتزاحم في شوارع ضيقة وبدون تنظيم مروري، تدل بلا شك على انتعاش اقتصادي، وارتفاع ملحوظ للقدرة الشرائية للمواطنين بسبب من ارتفاع رواتب الموظفين، والمتقاعدين، وضخ أموال جديدة نتيجة لمشاريع تتعلق بإعادة أعمار العراق، وهي النقطة الحساسة التي تثير ذيول النظام السابق وتقلق مضاجعهم، لأن تواصل عملية الأعمار وتصاعد وتيرتها يفتح أبوابا جديدة وواسعة لفرص العمل للعراقيين ويعيد دورة الحياة الطبيعية للاقتصاد الوطني، ويزج بأعداد كبيرة من العاطلين في بوتقة عملية إعادة الأعمار. وبذلك يحرم الجهات المعادية للعراق من استغلال العاطلين وتوريطهم في أعمال تخريبية أو معادية للتوجه الديمقراطي. لذلك تسعى كل الجهات المعادية للتوجة الديمقراطي إلى تعطيل عملية إعادة الأعمار بطرق إرهابية وتخريبية عديدة، مثل خطف العاملين الأجانب وإجبار الشركات العاملة في العراق على ترك العمل فيه، أو تخريب المنشآت الرسمية ” حرق آبار النفط، وتخريب المنشآت النفطية، وأنابيب النفط، وغيرها من أعمال التخريب “، لأن سير عملية الأعمار بشكلها الطبيعي معناه القضاء على كل مصادر الإرهاب الخارجي المنظم الذي يقوده ( فرسان البعث ) الساقط من خلف الحدود بحجة ( المقاومة ).
كذلك عودة رأس المال الهارب للخارج سابقا بسبب الأوضاع الاستثنائية والحروب المستمرة للنظام قي الداخل والخارج، للاستثمار في العراق الجديد، مضافا له الكم الهائل من تحويلات العراقيين المقيمين في الخارج لأهلهم وذويهم، واستثمار البعض منهم أمواله في بناء مشاريع صغيرة، أو لشراء البيوت والأراضي. وتأتي معها حركة الزوار العراقيين من خارج الوطن ممن حرموا من رؤية وطنهم طوال عمر الدكتاتورية البغيض.
وقد أضافت حركة زوار العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف والكاظمية وسامراء من قبل الزوار الإيرانيين ودول الخليج المجاورة موارد مالية
جديدة، وحركت السوق التجاري والعقاري لمدن العتبات المقدسة، لكن ما قامت به ميليشيات الصدر من تصرفات تدخل ضمن المخطط المرسوم لإيقاف عملية التطور الديمقراطي، والضغط لإيقاف عملية أعمار العراق أدى لتوقف تام في حركة الزائرين، وترك الفنادق والدور التي تستقبل الزائرين خالية من روادها وحرم تلك المدن من مصدر رزق سياحي ديني.
وانعكس هذا التصرف اللآحضاري حتى على مدينة البصرة التي تعتبر المدينة السياحية الأقرب لدول الخليج، حينما منعت القوى الظلامية المتخلفة الممثلة ببعض الطارئين على الدين الإسلامي، الحاملين لفيروسات أجنبية مستوردة، والذين أغلقوا أماكن الترفيه البريئة مثل المنتزهات ودور السينما، وشكلوا مع العصابات الإجرامية تحالف معلن لتخريب الاقتصاد العراقي، والعبث في الأمن. واستطاعت عصابات من بقايا البعث الساقط وبالتحالف مع المخابرات الإيرانية العمل من خلال مسمي ( التيار الصدري ) الذي اضر كثيرا بعملية التحول الديمقراطي
الحضارية، وشل الاقتصاد العراقي، ونمى قوى إرهابية جديدة بديلا عن فدائيي صدام وجيش القدس المقبورين.
ويلاحظ بوضوح تحسن الوضع المعاشي للمواطنين الذين بدت أمارات الصحة على وجوه أطفالهم الذين حرموا نعمة الغذاء أيام الحكم الدكتاتوري بحجة الحصار الاقتصادي، بينما كان النظام وأركانه ينعمون بخيرات العراق ويغدقون الأموال على الأجانب ممن يوفر الدعاية الزائفة لنظامهم، ولا زال المواطنون العراقيون يتحدثون عن رغيف الخبز الذي يطفو على سطح صحن التشريب لخفة المواد المكونة له المؤلفة من الذرة وكوز الذرة نفسه الذي يخلط حتى مع نشارة الخشب ومواد أخرى. والحديث عن طلاب المدارس في العهد الدكتاتوري يثير الشجون، وقصة المعلمة التي شاهدت طالبا ميسورا يتناول السندويج ورجته برقة أن يترك لها الجزء المتبقي من السندويج تثير أكثر من ألم.
بينما قصة حزينة مؤلمة لطالب آخر تجبرك على ذرف الدموع عندما استفسرت المعلمة منه عن شدة شحوب وجهه وصفرته، فاخبرها بصوت واهن اليوم الدور لتناول الفطور لأخي الآخر.
ولأجل هذا الذي كان يحصل من مهانة وجوع وذل مقصود ومتعمد للعراقيين من سكان أخصب وادي حضاري، هو وادي الرافدين تحاول البقية الباقية من ازلام النظام المنهار إرجاع عجلة الزمن للوراء، وعودة البعث بكل جرائمه السابقة للسلطة لكي ينفذ ما تبقى من خططه للقضاء على حضارة وادي الرافدين، ويعيد المرض والشحوب لوجوه أطفال العراق، وليسير الجنائز الدعائية ليبرر نهبه لثروات العراق .
ولان لا عودة للماضي إلا في كتب التاريخ فان تاريخ عصابة من الغجر والغرباء تسلطت على رقاب العراقيين سيذكرها التاريخ بكل ما معنى الكلمة من استهجان واحتقار.
والصورة المأساوية لما حصل في العراق بعد التغيير تثير أكثر من تساؤل وتدل على تخريب متعمد لتربية عدة أجيال عراقية وتخريب للذمم، فسرقة المال العام وتخريب المباني الحكومية، واقتلاع حتى مباني ومؤسسات من جذورها يدل على فساد تربوي تام. وشارع الكورنيش في البصرة / وهو معلم سياحي عملت به يد التخريب الصدامي قبل التغيير وزادته قوى الجهل والتخريب واللصوص خرابا على خراب. فبدا (
شط العرب ) الوجه الجميل للبصرة الفيحاء صامتا كئيبا يقف بحزن ظاهر في مقدمته تمثال السياب الذي لم تطله يد التخريب، بينما تؤشر على الدمار بعض أشجار نخيله الميتة من الجهة الأخرى للشط في جانب ( التنومه )، ويثير الشجن اقتلاع البلوكات الكونكريتية المربعة التي رصف بها الشارع، بينما عم الخراب كل المقاهي
والكازينوات المطلة على النهر من جهة شارع الكورنيش. وطال الخراب التام الجانب الآخر من شارع الكورنيش إبتداءا من معلم بصري جميل كان مضرب المثل هو بناية ( لجنة التمور ) التي أصبحت خرابه تامة يسكنها الفقراء مرورا بفندق الشيراتون الذي أصبح هيكلا فقط بلا شبابيك ولا أبواب، وخربت كل الحدائق والمنتزهات التي تمتد حتى ( الخوره ).
وكل هذا الخراب يحتاج لجهد وعقل نير، بعيد كل البعد عن الذهنيات الظلامية التي تتحكم بعض شخوصها في بعض مفاصل الدولة الإدارية، ولها تماس تام بتطور السياحة، وليس غلق السينمات ودور اللهو البريئة، وتحريم كل أشكال اللهو البريء، وفرض الوصاية على الناس بدون وجه حق.
وحتى يرجع الوجه الحضاري لشارع الرشيد الذي يثير الأسى منظره تتقدمه بناية الاتصالات المحترقة، ويعود لشط العرب ماءه الرقراق، وللعتبات المقدسة مكانتها الحقيقية يجب أن تقع عملية أعمار العراق على أكتاف العراقيين، ويجري اعتماد تام على الشركات الإنشائية العراقية، واليد العراقية الماهرة، وتصفية جميع الميليشيات المسلحة بدون تمييز، وعدم التهاون معها عن طريق التفاوض ورفض وساطة أية جهة وكائن من كان لأن التفاوض مع الجهات الإرهابية معناه الاعتراف الضمني بها، وهو الخطأ الذي حصل في حالة الفلوجة عندما ترك الإرهابيون بدون عقاب وكذلك في حالة النجف الاشرف. فهل تفعلها الحكومة العراقية المؤقتة وتضغط على الزناد بوجه كل المجرمين والقتلة وقطاع الطرق من فلول البعث ومجرمي القاعدة، والجماعات الإرهابية المتأسلمة، وما يسمى بالصدريين ؟؟!!.
* فيينا – النمسا
الجمعة 27 أغسطس 2004