السيمر / الثلاثاء 14 . 06 . 2016
نـــــــــزار حيدر
لقد كان العراقُ في مثل هذا اليوم قبل عامين بأشدّ الحاجةِ لإعلان التّعبئة الشعبيّة العامّة من أَجل مواجهة الارهاب الذي تمدّدت (فقاعتهُ) لتحتلّ نِصف العراق!.
وفي كلّ دول العالم، قديمها وحديثها، عندما تتعرّض البلاد الى خطرِ الوجود لأيِّ سببٍ كان، تُبادر الدّولة لإعلان النّفير العام والتّعبئة الشَّعْبِيَّةِ العامّة ليهبَّ الشّعب، كلّ الشّعب، الى حمل السّلاح والتصدّي للخطر المحدق ببلاده.
ولم يشذّ العراق عن هذه القاعدة عندما تعرّض لخطرٍ يهدّد وجوده وكيانه، فالحربُ على الارْهابِ هي حرب وجودٍ وليست حرب حدود!.
ولقد كان من الطّبيعي بمثل هذه الحالات ان تُعلن الدّولة النفير العام لمواجهة الارهاب الذي وقفَ وقتها على أسوارِ العاصمة بغداد مُهدِّداً ومتوعِّداً.
ولكن، وللاسف الشّديد، لم يكن وقتها قد بقي من الدّولة الا إسمها ومن مؤسّستها الامنيّة والعسكريّة الا رسمها! فيما كان السياسيّون مشغولين بالصّراع على السّلطة وامتيازاتها، الامر الذي أفقدهم ثقة المجتمع، وهي الشّرط الذي يجب ان يتميّز به من يُعلن التّعبئة العامة، ولذلك لم يبق وقتها الا المرجعية الدّينية العليا القادرة والمؤهّلة لإعلان التعبئة العامّة، لِما تتمتّع به من ثقةٍ عاليةٍ من قبل كلّ العراقيين، الّا الّلمَم، الذين يَرَوْن فيها صمّام الأمان لبلادهِم في مواجهة كلّ المخاطر المُحدقة.
فضلاً عن ذلك فانّ تمتّعها بالحسّ الوطني العالي جداً أَهّلها لان تكون موضع ثقة العراقيّين على إِختلاف مشاربهِم ومآربهِم، على العكس من السياسيّين الذين تخندقوا وقتها خلفَ سواترهِم الحزبيّة والمذهبيّة والمناطقيّة والعشائريّة بعد ان غابَ عنهم الحسّ الوطني بكلّ معنى الكلمة، ولهذا السّبب لم يكن ليجرؤ احدٌ منهم، او حتّى مجتمعين، على إعلان التعبئة العامة لمواجهة الارهاب، لانّها، مع غياب الحسّ الوطني وانعدام الثّقة، ستكون بمثابة القفزة التي في الهواء او كصرخةٍ في وادٍ!.
انّ ثقة العراقيين بالمرجعيّة العليا التي اثبتت حَصافةً وحكمةً في إطار رؤية ثاقبة، بالاضافة الى الحسّ الوطني العالي، هو الذي ساهم في ان تَخلقَ فتوى الجهاد الكفائي الارضيّة المناسبة والّلازمة لإعلان التّعبئة العامة التي كان يحتاجها العراق وقتها، ولقد رأَينا كيف تحوّل هدير الفتوى الى حشدٍ كاسح وشُجاع يُرعبُ اسمهُ الارهابيّين ومَن خلفَهُم، نجح في ان يسطّر أَرقى دروس التّضحية والفِداء من أَجل الوطن ودفاعاً عن الدّين والأرض والعِرض، فلولا الفتوى لما تشكّل هذا الحشد العظيم، ولولاه لما صمدَ العراق بوجهِ الهجمة الارهابيّة البربريّة الشّرسة المدعومة من دول وأنظمة وأجهزة مخابرات وعلى رأسها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية الذي أنفق، ولا يزال، مليارات البترودولار، لتمكينهِ من السّيطرة على نصفِ العراق، بهدف تدمير العمليّة السّياسية الجديدة برمّتها!.
لقد جاءت الفتوى في وقتِها المحدّد، ولذلك نجحت في قلب الطّاولة على رؤوس الكثيرين عندما شرعنت الحرب على الارهاب بعد كانت أطراف عدّة تحاول التّعامل معها كاداةٍ في الصّراعات السّياسية.
انّهُ كذلك دليلٌ على اطّلاع المرجعيّة الدّينية العليا على كلّ تفاصيل الواقع السّياسي والامني، السريّة منها والعلنيّة، وهذا ما اعترف به القاصي والدّاني، فلقد وجّهت الفتوى ضربة قاضية للاهداف السريّة التي كان يخطّط لها أَكثر من طرف دولي وإقليمي ومحلّي، ولهذا السّبب يمكن القول بانّها غيّرت المعادلة وقلبت الحسابات رأساً على عقِب.
لقد كان العراق وقتها يعاني من إنهيار المنظومة الامنيّة والعسكريّة التي كان يُمسك بتلابيبها القائد العام السابق للقوّات المسلّحة، ويعود السّبب في ذلك الى انّهُ كان مشغولاً بالقتال لضمان (الولاية الثّالثة) تحت شعار (بعد ما ننطيها) فضلاً عن ذلك تورّطهُ، ولو بالتستّر، على الفساد المالي والاداري الذي دمّر المنظومة الامنيّة والعسكريّة، الى جانب صفقات السّلاح الفاسدة والفاسد على حدٍّ سواء، ولهذا السّبب كان العراق وقتها بحاجةٍ لخلق الارضيّة الوطنيّة المناسبة لتشكيل قوّة ضاربة تقف امام الانهيار ولا تكون البديل عن الدّولة ومؤسّساتها الامنيّة والعسكريّة، ولهذا السّبب حرصَ الخطاب المرجعي منذ اللّحظة الاولى على ان يكون التطوّع تلبيةً لنداء فتوى المرجع الاعلى بالجهاد الكفائي في إطار المؤسّسات الامنيّة والعسكريّة الدستوريّة والقانونيّة وليست رديفاً متقاطعاً او بديلاً عنها، كما حرصَ على ان يكون القتال في الحرب على الارهاب تحت رايةٍ وَاحِدَةٍ فقط الا وهي العلم العراقي حصراً.
انّ اصرار الخطاب المرجعي على حماية الدّولة ومؤسّساتها ونجاح الاخيرة في استيعاب التّعبئة الشعبيّة، نجحا في تحقيق الغاية عندما تحوّل الحشد الشّعبي الى مؤسّسة داعمة للمؤسّسة العسكرية والأمنيّة الدستورية، ومكمّلة لها، تحت قيادة القائد العام للقوّات المسلّحة رئيس مجلس الوزراء، قوّة عسكريّة عقائديّة قادرة على تحقيق الانتصارات الباهرة، يفرح ويستبشر بدورها في سوح القتال الصديق، ويغتاض مِنْهُ الطائفيّون الذين فقدوا الغيرة والشّرف فلم يعودوا يتحمّسون لِتَحْريرِ مناطقهِم التي اغتصبها الارهابيّون! فجلسوا في عواصم البترودولار يتفرّجون على اعراضِهم المُغتصبة ويُشيعون الاكاذيب والدّعايات المُغرضة ضدّ القوّات المسلّحة وعلى رأسها الحشد الشَعبي البطل والمقدام!.