السيمر / السبت 02 . 07 . 2016
رواء الجصاني
.. في “لمـة” حميمة ببراغ قبل نحو عامين، مثل هذه التي نتمسى بها اليوم، اخترتُ لمقدمتي عن البروفيسور عبد الرضا على، عنوان ” ثمة ينابيع في صحارى الغربة” .. وها هي الايام تترى ليفيض نبع اخر في براغ، واعني به شاعرنا: عواد ناصر …
… تعارفنا – غيابيا اول الامر!- في بغداد مطلع السبعينات الماضية، حين كان كلانا ناشطين في صفوف اتحاد الطلبة العام.. ثم ليكلف بعدها- عواد- جندياً “أجباريا” بضعة اعوام …وقرأت له وعنه، وهو يدخل “حلبة الادب” والشعر في تلكم السنين، ولأعلم بعدها انه ولج بيروت في اواخر ذلك العقد، بعد تفاقم المحن العراقية في عهد البعث الثاني، ولينشط هناك محررا وكاتبا في صحافة واعلام المقاومة الفلسطينية، وليروح بعدها “جندياً” ولكن مناضلا متطوعاً هذه المرة في صفوف الانصار الشيوعيين، مع نخبة مثقفين امتازوا عنا نحن “مناضلي” اوربا، بمواقفهم ومواقعهم وجغرافيتهم..
… وفي اواسط الثمانينات، او حواليها، التقينا مرات ومرات في رياض وأفياء دمشق الشام- وتباً لجاحديها اليوم- وقد كانت حينها تحتضن المهاجرين والمهجرين، لا ان تصدرهم كما هي حالها الان، وهي صبورا على البلوى… ونشط “عواد” في تلك الفترة في الاعلام والثقافة الوطنية العراقية، وغيرها، شاعرا وكاتبا ومثقفا.. دعوا عنكم انساناً وجليسا أنيساً بشهادات متابعين واحباء ومعارف، كما حساد و”اعد- قاء” وما بينهم ..
ولم يكتفِ الرجل بحيويته، ثقافة وشعرا وعلاقات، بل اختار، وتقصد، ان يكون في البؤرة الاجتماعية ايضا، ولعله في سبيل ذلك، تقصد فسكن ليس في قلب دمشق، بل في قلب قلبها.. واتذكر هنا شقيقته، في الصالحية، على بعد امتار من”شربت ابو شاكر” الدمشقي، شبيه “جبار ابو الشربت” في نؤاسية بغداد.. كما كانت تلك الشقةُ، المزدهاةُ مَربعاً، على بعد لا اكثر من خمس دقائق مشياً عن “مقهى الروضة” الدمشقي الذي احتله العراقيون، مثقفين وغيرهم، ولربما بديلاً عن مقهى “المعقدين” البغدادي الشهير…
…وهكذا جمعتنا فضاءات اخرى، كان فيها عواد ناصر، ناشطا ثقافيا ووطنيا مثابرا، ومنها في موسكو صيف 1985 حين شاركنا سوية في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي، برفقة وصحبة نخبة مثقفين عراقيين مميزين، اذكر منهم، بحسب حروف الهجاء : جبر علوان، زهير الجزائري،كوكب حمزة.. وسامي كمال… وعذرا لمن سهت الذاكرة عن الاتيان باسمائهم في هذه العجالة ..
وفي النصف الثاني من الثمانينات الماضية، يحل عواد ناصر في براغ، ضيفا / سائحا، لينظم له فرع رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين العراقيين، لقاء ثقافياً جميلاً في اجوائه وحضوره، ومادار فيه … واضيف هنا- وانا المغرم بالتوثيق والتأرخة كما ازعم- ان عواداً انضم بعد تلك الفعالية لسجل اقران من الشعراء العراقيين الذين أموا براغ- جنة الخلد- عبر عقود، وما فتئوا: امسياتٍ وكتاباتٍ ومشاركات في فعاليات ثقافية، ومن بينهم – وما علينا بالسياح والزوار– وبحسب التسلسل الزمني، لكي لا نزعل احدا : صادق الصايغ، عبد الوهاب البياتي، زاهد محمد، مظفر النواب، الفريد سمعان، هاشم شفيق، عبد الكريم كاصد، محمد حسين الاعرجي، حميد الخاقاني، فاضل العزاوي، شمعون صومائيل، جابر الجابري، سعدي يوسف … دعوا عنكم الجواهري الذي تعرفون.. وبمناسبة طفوح اسم الشاعر العظيم، ها انا احرضكم لان يحدثكم/ يحدثنا، ضيفنا المبدع، ولو بلمحات من علاقة سادت بينهما- واعني الشيخ الثمانيني، ومريده الثلاثيني- في دمشق الشام، وعلى الاقل عن لقائهما الاول، وعن مشاعره- عواد- عشية ذلك اللقاء …
…. اخيراً، وعذراً ان اطلت، لنستمع سوية الى عواد ناصر الذي يحل بيننا “يحمل منقاراً واجنحة، اخف ما لمّ من زاد اخو سفر” كما اي شاعر – شاعر، فكيف وهو الشرقي من العمارة ، البغدادي – العراقي الانتماء والعطاء، البعيد عن الطائفية والمناطقية، وفرسانها المسفرين، والملثمين… وهو، واعني – عوادنا- شآمي الهوى، بيروتياً ودمشقيا… لندني- اوربي الاغتراب… وكم اعلن- ويعلن- مواقف ومبادئ ومشاعر: مرة عن “كآبته من اجل الفرح” وثانية مؤرخاً لـما ” حدث ذات وطن” وثالثة داعية للرقص “ما زالت الوردة هنا” … واخرى صداحاً بـ ” احاديث المارة” وهكذا، ولعل القادم احلى …
اقول لعل القادم احلى، وأزيد، بل وافيّض، لأن شاعرنا، مثقف حيوي، لا يركد: “سبوحاً بلا حدود، يعانق الموجة تلو الاخرى، لا يخشى ساحلاً منها ولا يخافَ قرارها”.. رقيق آناً، وغاضب متمرد في اخر، وبحسب الزمان والمكان، وهواجس الروح وحناياها… واظنه سيبقى يمتشق الكلمات من مشجب لغته التي تعمر يوماً بعد ثانٍ، ثابتاً على مساره … وسيبقى يحب، ويتغرم، ويحزن حد النشيج، ويتظاهر ” حتى ضده” كما يعترف ويوثق ذلك علنا، مع سبق الاصرار والترصد.. وتبقى شجونه وشؤونه الاولى والاخيرة، كما ادعي من جديد: الوطن والانسانية، والاهل، والناس..” كل الناس، من اظلم منهم كالفحم، ومن أشرق كالماس”…..
مرحبا بعواد ناصر في براغ !!! .
——————————————————————–
(*) مساهمة في تقديم عواد ناصر، خلال امسية ثقافية- اجتماعية أتممها له في براغ، بمناسبة مروره فيها: المنتدى العراقي، ومركز الجواهري …