متابعة السيمر / الأربعاء 31 . 08 . 2016 — شكل مقتل المتحدث الرسمي باسم داعش، أبو محمد العدناني، الذي تم استهدافه بغارة للتحالف الدولي في حي الباب بحلب، ضربة قاصمة للتنظيم الإرهابي.
فالعدناني يعتبر أحد أهم قادة التنظيم، وهو آخر من تبقى على قيد الحياة من الأعضاء المؤسسين لداعش إلى جانب أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم. وكان العدناني المسؤول عن الهجمات في الخارج، كونه رئيس العمليات الخارجية في التنظيم.
وبمقتله يكون التنظيم قد خسر خلال أشهر قليلة 3 من كبار رؤوسه، في وتيرة متصاعدة لاستهداف قادته. وتزامنت تلك الوتيرة المتصاعدة مع خسارة التنظيم لأراضٍ واسعة في سوريا والعراق كان قد سيطر عليها منذ العام 2014، وهذا ما يوحي بوجود عمل استخباراتي مكثف ضد التنظيم واحتمال اختراقه على أعلى المستويات.
ففي الـ٢٠ من أغسطس، أعلنت قيادة العمليات المشتركة في العراق مقتل 19 من قادة تنظيم “داعش” الإرهابي بغارة لسلاح الجو العراقي على مدينة الموصل شمالي العراق. وقالت خلية الإعلام الحربي في بيان: “استنادا لمعلومات مديرية الاستخبارات العسكرية فقد استهدف سلاح الجو أحد مقرات “داعش” في حي الميثاق بالساحل الأيسر من مدينة الموصل أثناء اجتماع لكبار قادة التنظيم”.
وفي يوليو الماضي، أعلن داعش مقتل أحد قادته البارزين المدعو أبو عمر الشيشاني، الذي تصفه وزارة الدفاع الأميركية بـ”وزير الحرب” في التنظيم في منطقة شرقاط جنوب الموصل.
وفي نفس الشهر، ذكر بيان لقيادة العمليات العراقية أن القوات المشتركة تمكنت، خلال عمليات تحرير الكرمة والفلوجة، من قتل حجي حمزة، أحد نواب أبوبكر البغدادي زعيم داعش، الذي يسمى والي الفلوجة، وعدد من مساعديه.
هذه بعض الأعداد التي تضاف إلى قادة داعش المستهدفين في العام الماضي. فكيف يتم استهداف هؤلاء القادة بهذه الدقة؟
جمع الوثائق
لعل أحد الأساليب المهمة التي یتبعها قادة التحالف الدولي ضد التنظيم المتطرف يتمثل في جمع الوثائق من خلال عمليات إنزال، أو بعد تحرير بعض المناطق من قبضة داعش. وهذه الوثائق تكشف الكثير من أسرار التنظيم وتحركاته.
فعلى سبيل المثال في مايو 2015، قامت قوات أميركية خاصة بعملية إنزال في ريف دير الزور في سوريا، أسفرت عن مقتل “أبو سياف” الذي وصف بـ”مسؤول النفط في داعش”، واعتقال زوجته التي كانت تحمل الكثير من المعلومات عن التنظيم، كما تم العثور أيضاً على مجموعة من الوثائق التي تسلط الضوء على الإدارة الاقتصادية للتنظيم.
وقبل أسابيع، أعلن المتحدث العسكري الأميركي في العراق الكولونيل كريس غارفر، أن القوات التي تحارب تنظيم “داعش” شمال سوريا بقيادة التحالف الدولي، جمعت كنزاً ضخماً من وثائق وبيانات معلومات تخص التنظيم.
وقال غارفر في إفادة صحافية، إن المواد التي جمعت خلال انتقال المقاتلين من قرية إلى أخرى حول بلدة منبج، تشمل دفاتر وأجهزة كمبيوتر محمولة وأجهزة تخزين معلومات (يو إس بي)، وكتبا في الرياضيات والعلوم أعيدت كتابتها مع إضافة مسائل مكتوبة بلغة تنظيم داعش.
وأضاف غارفر أن التحالف يعكف على تحليل المواد التي تجاوزت أربعة تيرا بايت من المعلومات الرقمية، معظمها باللغة العربية لمحاولة تقرير “من أين نبدأ في تفكيك تنظيم داعش”.
يضاف هذا إلى وثائق حصل عليها التحالف الدولي أو المعارضة السورية أو القوات العراقية في عمليات أخرى.
منشقون عن داعش
إلى ذلك، انشق في الأشهر الأخيرة خاصة مع تشديد الضغط على داعش، عدد كبير من مقاتليه، وقد أعطى بعضهم معلومات ثمينة للأجهزة الأمنية التي تحارب التنظيم.
فعلى سبيل المثال نشرت مجلة “دايلي بيست” الأميركية وثائق سرية خاصة بتنظيم “داعش”، سربّها الناطق الإعلامي باسم “قوات أحمد عبدو”، ماهر الحمدان، لافتةً إلى أنها تؤكد معلومات سابقة كشف عنها منشقون وفارون منه. والوثائق عبارة عن مراسلات بين مسؤولين في التنظيم، وهي تظهر الرواتب التي كان يتقاضاها عناصره بالدولار، إضافة إلى مخصصاتهم قبل سنة على الأقل. كما أنها تؤكد على نظام البيروقراطية المعتمد في دواوينه، إذ تتراوح مهام قيادييه بين إصدار طلبات السلاح والذخيرة، وتصل إلى تحديد أوقات عطل عناصره.
وفي أبريل الماضي، سلم منشق عن داعش وثائق تتضمن بيانات شخصية لـ 22 ألفاً من أفراد التنظيم، تشمل أسماءهم الحقيقية والحركية وعناوينهم.
وتشكل تلك الوثائق المسربة منجماً من المعلومات المهمة والأساسية، فهي تكشف تفاصيل مهمة تتعلق بأفراد التنظيم وتبياناتهم الشخصية والعائلية وعنوان سكنهم، وإلى أي بلدان ينتمون.
كما كشف ملف عثر عليه ضمن الوثائق عن هويات المنضمين إلى التنظيم الذين يرغبون في تنفيذ هجمات انتحارية، دربوا على هذه المهمة.
اختراق استخباراتي
من جهة أخرى، تعمل استخبارات دولية تحارب داعش على اختراق التنظيم عبر زرع جواسيس. فعلى سبيل المثال إحدى الوثائق المسربة التي نشرتها صحيفة “ديلي بيست” تشير إلى رسالة موجهة إلى “والي” (أو حاكم) ولاية دمشق – كما يسميها التنظيم المتطرف – وتعلمه بفشل واضح لمكافحة عمليات تجسس في مدينة ضمير، الواقعة على بعد 40 كيلومتراً تقريباً شمال شرق العاصمة السورية.
ولعل الاستهداف الدقيق لقادة وعناصر كبار وبارزين في التنظيم المتطرف يثبت مدى دقة تلك المعلومات الاستخباراتية، لا سيما لجهة تحديد مكان تواجدهم.
وإضافة إلى الجهد الذي تبذله الاستخبارات الأميركية، تتعاون أيضا مع استخبارات دول متحالفة معها، كالاستخبارات التركية والعراقية.
وكان العضو في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، موفق الربيعي، كشف في تصريح له أن “جهاز الاستخبارات العراقي تمكن من اختراق أجهزة داعش الإجرامي المعلوماتية داخل مدينة الموصل والحصول على معلومات مهمة”.
وأعلن داعش مراراً إعدام متهمین بالتجسس لـ”جهات أجنبية”. ففي بحث سریع على الإنترنت، يمكن العثور على العشرات من تلك الحالات، ما يؤكد أن التنظيم بات مخترقاً وهشاً من الداخل، وخسر قوته التي كان يدعيها، ولم يعد حلقة مغلقة، بل بات ساحة ضعيفة مخترقة.