الرئيسية / ثقافة وادب / من أين أتيت ؟ ..? Where do you come from

من أين أتيت ؟ ..? Where do you come from

السيمر / الاثنين 13 . 03 . 2017

د . سعيد عبد الله الجدوع

سؤال يتردد على كل مغترب في كل أصقاع الدنيا، وأخيرا اعترضتني فتاة انكليزية جميلة وسألتني نفس السؤال، وهذا هو الجواب:

جَلّست جنبيَ زرقاء عيون ْ .. مثل بدرٍ ملأ الدنيا فتــونْ
بعثت فيَّ الهوى بعد الرقادْ ..  ودَعَت قلبي إليها من سكون
مثل عصفورة جنة .. هزّت الغصن الأحنا
فتحلاّ بلقـــــاهــــا .. وبهاهــــــا فتثـــــنّا
بنت عشرين كعوب .. ملئت عطرآ وحسنا
وبهاءً و ســـــــناءً  .. وابتساماتٍ و فـنـــــا
أرسلت أول نظــره.. فتلَفَتُ بِحَــــــــــيره
وتَرَيّثتُ قليـــــــــلا .. علّها تُرسلُ أخــرى
باكَرَت حلوَ حديثٍ .. ومَضَت تكشفُ سرا
سألتني أنت من أين أتيت ْ؟ .. أسمر الوجه أمِن شمسي ارتويتْ؟
قلتُ كلاّ ألفُ كلاّ فلاني ..  من بلاد الشمسِ غابت فمشيتْ
أنا من ارض الطيورْ  .. من جميلات الزهورْ
من مياه الرافديــــــــن .. ومن الشط الطهور
من( أبي النوّاس) يزهو ..  والقناديل تمــــــورْ
من عبير السمك المســـــــــــــــــقوف ..  والوجهِ النظيـــر
من بساتينِ العذارى .. وخـيالاتِ العـصــــور
من ديارِ الوجدِ تزهو ..  بالأمــاني والــرفـــــاه
من ليالٍ في سماها ..  رَسَمَ النجمُ خُطـــاه
ومن الفجرِ العـــــراقيّ الذي نحــــن فـــــداه
أطرقت تستذكرُ الوصفَ عساها .. تهتدي للحلّ كي تلقى هُداهـــــا
واستدارتْ ترتجي مني مزيـــدا .. من صفات الحسنِ كي تُشفي هواها
قلتُ من أرضِ النخيلْ .. ألفِ ليلة وخليـــــــلْ
من كؤوسِ الساهرينْ .. رَشَفوا الحُبَ الأصيلْ
كتبوا الذكرى على ورقِ الكرمِ الجميـــلْ
ومن الرمانِ جـرح ُ .. من لُمى الغيدِ يسيـــل
ومن التينِ تحَــــــلاّ .. كلُ فاهٍ وتمـــــــــــلاّ
ومن المشمشِ أصفى .. من نُضارٍ يتَجـــَـلا
ومن الطلّ تدلّى .. زهرةَ القدّاحِ بلاّ
خبريني أتُرَي أحسنتُ وصفا .. أم تُري لا زال في ظنكِ يخفى
ضَحِكتْ واحمَرّ خَدّاها وقالت .. عجبٌ من جَنّةِ الدنيا وأصفى
قلتُ من جنةِ عــــــدنِ..  أطيبَ الأثمارِ نَجني
وبها الأطيارُ فَرحــى .. تتغنّى حِــــلوَ لحــنِ
عَبَثت فيهـا الذَواري .. فتداعى كلُ أمــــــنِ
وبَكت جنّةُ عــــــدنِ ..فقدَ أهليهــا وإبــــــنِ
حيث طِرنا بجنــــاحْ .. نمتطي هوجَ الريـاحْ
وأقمـــنا دونَ شمــسٍ .. دون فجــــرٍ وانشراحْ
دون نخــــلٍ وفـــراتٍ ..دون زابٍ وأقـــــــاحْ
دون قلبٍ من حديــدٍ .. يرفضُ الدمــعَ الصُراحْ
جئتُ من بغدادَ من ارض الهوى .. غصنُ بانٍ كيفما شئتِ التوى
والنسيمُ العذبُ في تشرينهـــــا .. وبكورُ المُزنِ تسقيهـا الرُوى
سرتُ فيها بخيالي .. دون وصلٍ أو وصالِ
يُطربُ الكرخيَّ لحني ..  والرصافيَّ ابتهـــــالي
وصبايا الأعــظمية .. تتهادى بـــــــدلال
وشذى الوردِ يفوحْ في .. الشواطي والسفـوحْ
يبعثُ الفرحةَ نشـوى .. بلسما يشفي الجــروح
ثم عشنا نتمـــــنّى .. بسمــةَ الفجــرِ الصبوح
قلتُ إن شئتِ أُنبّيك المزيـدْ ..عن بلادي درّةِ المجدِ التليدْ
منبت الفكر وأحضان العلى .. والحضارات على مر العهود
قصة للسندبـــــــــادْ .. رمز دأبٍ وجـــــهادْ
وكذا عن شهرزادْ .. محضُ حبٍ و ودادْ
بابلٌ أطلالُ عــــزٍ .. لم تزلْ فخرَ البلادْ
وحمورابي حمــاها ..بالقوانين الســــــدادْ
ومن السبع ا لعجابْ .. جنّةٌ تعلو الهضــابْ
بابُ عشتارَ تسامى .. مجدهُ فوقَ الســحابْ
وكسى نينوى فخرٌ .. ماثلٌ رغمَ الخرابْ
فارتمتْ بين ذراعيَّ كما تَرتمي بغدادُ في أحضانِ دجلةْ
سألتني أنتَ من عُشّاقِ دجلة؟.. أم تُرى تعشَقُ علياءَ وعبــــلة؟
قلتُ أضناني المسيرْ ..لا منادٍ لا بشيرْ
صوَّحتْ أحلامــُــنا  .. وبَكَتْ عُقمَ المَصير
واشتكت حُبلى الليالي..  مولدا باتَ عَسيرْ
فبقينا نمضغُ الآهاتِ ..لا فجــــــــــرٌ يُنيـــــــرْ
فلماذا لست أدري ..ما دعــــــانا للمسير؟
أخصَبتْ تلك الروابي بهوانا .. فقَطفنا منه أنداءَ مُنــــانا
(وعَدونا مثلَ طفلين) ابتهاجا ..نسبقُ الريحَ ونعطيه الأمـانا
مَلَكتْ قلبي ( منى) .. حين حيّته انثنى (1
بنتُ بغدادَ وبصــــــرة .. شرِبتْ منها المنى
بكؤوسٍ مترعــــــاتٍ .. نخبَ عشقٍ وهنا
فنشِقنا عطر ( دفلـــــه).. ثم نمنا تحت نخلــــه
وحلُمـــــنا بجنـــــــــانٍ ..تحضَنُ الشطّ ودجلهْ
وبخصرٍ من زلالٍ .. لم نجد في الكون مثلهْ
وبراءاتٍ وأمـــــــنٍ ..وصفاءٍ وأخـــــــــلّهْ
فاستفقنا لنسيـــــــــرْ ..في دياجـــير المصيرْ
وتركنا كلّ حلـــــــمٍ ..كل ذكرى وعبيـــرْ
فلماذا لستُ أدري .. ما دعانا للمســـــير؟
فمتى ندعو لسعيٍ ونعودْ ..فلقد طال بُكانا والصدودْ
ولماذا العمر يمضي ونشيبْ.. في بلادٍ بحنانٍ لن تجودْ
بقيَت أوكارُ حبــي ..في بلادي دون ربِّ
ترقب اليومَ السعيدْ ..وتناغي كلَّ صــبِّ
كَفَرَت بالنازحين ..سدروا في كلّ دربِ
وتلومُ الحالمـــــينْ ..بغـــدٍ مبهمَ عـــذبِ
وبقينا نمضغُ الآهـــــــــاتِ ..من فجــــرٍ مُضبِّ
فبكينا حبنا المصلوبَ دمعا.. وأبَحْنا سِرَّنا المكنونَ طبــعا
حَزِنَتْ(جولي) على حالي وجالتْ ..في العيونِ الزُرقِ منها ألفُ دمعةْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ا)منى: زوجتي التي عشقتها في الكلية الطبية ببغداد.

اترك تعليقاً