السيمر / السبت 22 . 07 . 2017
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
غير بعيدٍ عن القدس والمسجد الأقصى، ومن فوق تلة مارون الراس اللبنانية العصية الأبية، المقاومة الصنديدة، البطلة العنيدة، المطلة على تخوم فلسطين الشمالية الشامخة، التي أعيت العدو وأوجعته، وهزمته وآلمته، وكبدته في عدوانه عليها قتلى وجرحى، وأوقعت في صفوفه خسائر مادية ومعنوية كبيرة، ولقنته درساً قاسياً أليماً ما زال حتى اليوم رغم اعترافه به لا يتجرعه لمرارته، ولا يكاد يسيغه لشدته، ولا يقوى على نسيانه لما تركه في صفوفهم على مختلف مستوياتهم من جراحٍ غائرة، ودروسٍ أليمةٍ مفادها أن أصحاب الحق لا يتراجعون، ورجال المقاومة لا ينكسرون، وأبناء البلد دوماً ينتصرون، وأنهم أبداً في وطنهم يبقون وبأرضهم يتمسكون، وهو عن أرضهم يرحل، وأمام رجالهم يخضع، وتحت ضربات المقاومة يُقتل أو يهرب.
إلى تلة مارون الراس بموقعها ورمزيتها، تداعى فلسطينيون ولبنانيون، سنةٌ وشيعةٌ، وعربٌ وعجمٌ، ونساءٌ ورجالٌ، وشيبٌ وشبابٌ وصبيان، بدعوةٍ من الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، لأداء صلاة الجمعة في العراء وتحت شمس الظهيرة اللاهبة، على بعد أميالٍ معدودةٍ من فلسطين الوطن، التي كانت تتراءى أمام عيونهم حزينةً، بينما ارتفع علمها خفاقاً مرفرفاً إلى جانب العلم اللبناني، في تضامنٍ شعبيٍ مقاوم، قويٍ متماسكٍ، واثقٍ عنيدٍ، مؤمنٍ بالنصر وعلى يقينٍ من الوعد، أن العدو عن فلسطين سيندحر، ومن أرضنا الطاهرة سيرحل، ومن بلادنا سيخرج مهما طال الزمن أو تأخر النصر، فلا يظن أنه بقوته باقي، وبتحالفاته آمنٌ، وأنه بأوضاع العرب والمسلمين المزرية الكئيبة مطمئنٌ وغير خائف، وأن أحداً لن يهدد أمنه أو يعرض وجوده للخطر.
رغم صعوبة الوصول وبعد المكان وتعقيد الإجراءات الأمنية، إلا أن المتضامنين مع القدس والمسجد الأقصى قد وصلوا من كل حدبٍ وصوبٍ في لبنان لإعلان تضامنهم، وتأكيد مشاركتهم في هذه المعركة، وإعلان مواقفهم الداعمة والمساندة، وإطلاق رسائلهم القوية والصريحة إلى العدو الذي كان يرقبهم وينظر إليهم، وتقربهم مناظيره وتصورهم عدساته، بأننا هنا جندٌ سنقاتلهم، ومقاومون سنواجههم، وجيوشٌ سنزحف عليهم، وأننا مع الفلسطينيين في معركتهم، نقف معهم ونقاتل إلى جانبهم، ولن نتخلى عنهم ونتركهم وحدهم، فالأقصى قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين مسجدنا الأقدس، ومسرى رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلى، تحريره واجبٌ، وتطهيره من رجس المحتلين فرضٌ لازم، وتخليصه من براثن الصهاينة حلمٌ وأملٌ، سنعمل من أجله، وسنضحي في سبيله.
بيقينٍ يسكنه، وحماسٍ يدفعه، وجرأةٍ تميزه، وبأملٍ يحذوه، وواجبٍ لا ينكره، وشرفٍ يقصده، وخاتمةٍ يتطلع إليها، ومقاومةٍ يأمل فيها، وبصوتٍ واثقٍ لا يتهدج، ونبرةٍ صادقةٍ لا تتلجلج، ولسانٍ ذلقٍ وبيانٍ بليغٍ، صدح الشيخ ماهر حمود رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة وإمام مسجد القدس في عاصمة المقاومة اللبنانية صيدا، بأن داوود الأمة الإسلامية يتحضر ويتهيأ في فلسطين ولبنان وفي كل مكانٍ، وسيطلع اليوم أو غداً داوودنا بمقلاعه وسلاحه، وبمفاجئاته وإبداعاته، وسيضرب العدو في عمقه، وسيصيبه في قلبه، وسيرغمه وإن ظن نفسه قوياً، وسيمرغ أنفه في التراب وإن اعتقد أنه عزيزاً، وسينتزع النصر منه عنوةً ولو خال ذلك مستحيلاً.
وبلسان الأمة كلها حيا الشيخ ماهر حمود خطيب جمعة التضامن في مارون الراس، جبابرة الأمة الإسلامية الذين يتهيأون اليوم في كل مكانٍ لمعركة الوعد الصادق، ويستعدون ليوم الفصل مع العدو الهالك، ويعدون العدة إلى اليوم الذي سيحققون فيه وعد الله الخالد، والذي فيه سيدخلون المسجد كما دخله أسلافهم أول مرة، ورأى أن جبابرة الأمة اليوم مسلمون أصلاء، ورجالٌ أشداء ومقاومون شجعان، لا يخافون ولا يترددون، ولا يجبنون ولا ينسحبون، طليعتهم الجبارين الثلاثة، الذين جاؤوا من قلب الوطن فلسطين لينتقموا لأهلهم في القدس، وليهاجموا جنود العدو في باحات المسجد الأقصى، ليكون لهم شرف الدفاع عنه، وينالهم فخر الاستشهاد في رحابه، وأجر التضحية في سبيله، وبشر بأن أمثالهم في الأمة كثير، والمتسابقين والمتنافسين على المجد مثلهم أكثر، وسيفاجئ العدو بهم، وسيصيبه الفزع من أفعالهم.
من مارون الراس أبرق المتضامنون بلسان خطيبهم رسائلهم إلى أهلهم في القدس الشريف وفي الأرض المقدسة، حيوهم فيها على صمودهم وثباتهم، وقدروا لهم تحديهم ومواجهتهم، وشكروا لهم قيامهم بواجب الدفاع عن المسجد الأقصى نيابةً عن الأمة، فهذا قدرهم الذي اختاره الله لهم، إذ انتقاهم من بين عباده لينالهم هذا الشرف، وليكونوا رأس رمح الأمة في معركتها، وطليعتها المجاهدة في أشرف قضاياها، وأبدى بلسان المصلين أمنياتهم الصادقة أنهم لو كانوا معهم فوق الأرض المباركة وعلى مقربةٍ من المسجد الأسير، إذ أنهم يتوقون لأن يشاركوهم المقاومة، ويشاطروهم الرباط، ويضحوا مثلهم بدمائهم وأرواحهم، لينالهم فضل الرباط في الأقصى وفي أكناف بيت المقدس، فهذا حلمٌ يراودهم، وأملٌ يعملون عليه ويسعون إليه.
يخطئ العدو إن ظن أنه سينتصر في معركته ضدنا، وأنه سينجح في مخططاته وسيحقق مآربه، وسيصل إلى الغايات التي خطط لها ويحلم بها، وسيمنعنا من الصلاة في مسجدنا والرباط في حرمنا، معتمداً على حاضر قوته وواقع عدته، ونسي أننا أمة قد تعاهدت على المقاومة، وتواعدت مع النصر، وعزمت على وصل المجد الذي انقطع، وربط التاريخ الذي انفصل، واستعادة النور الذي انطفأ، ولديها اليقين بوعد الله الخالد أنها ستستعيد فلسطين، وستحرر الأرض، وسيرجع إليها الأهل، وستطهر المسجد الأقصى، وستعيد إليه بهاء القدس الذي كان، وبريق الحق الذي ساد.