الرئيسية / مقالات / استفتاء من اجل الاستقلال؟، ام تعزيز وتكريس الدكتاتورية والفساد في اقليم كردستان العراق؟

استفتاء من اجل الاستقلال؟، ام تعزيز وتكريس الدكتاتورية والفساد في اقليم كردستان العراق؟

السيمر / الثلاثاء 05 . 09 . 2017

رزكار عقراوي

في موضوعي الأخير حول الاستفتاء – غير الملزم! – المزمع إجراءه في إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر – أيلول القادم، استقبلت الكثير من التعليقات القيمة وطرحت العديد من الأسئلة حوله، إضافة إلى الكثير من التعليقات الحادة والمتشنجة. انتهز الفرصة لأقدم جزيل الشكر والامتنان لكل من شارك في الحوار حول الموضوع بمن فيهم من اختلف معي، وأود هنا ان أناقش تلك التعليقات القيمة بشكل جماعي وان أوضح وجهة نظري بشكل أوسع وأدق حول هذا الموضوع الحيوي الذي لا يهم فقط ساكني إقليم كردستان وإنما عموم سكان العراق لأهميته وتأثيراته الواسعة على مختلف الأصعدة، ومن الطبيعي جدا أن تكون هناك اجتهادات ووجهات نظر مختلفة ومن المهم جدا الحوار حولها.

الاضطهاد القومي!
احد مبررات الدعوة للاستفتاء هو إنهاء الاضطهاد القومي الموجود على الاكراد في العراق. نعم كان الاضطهاد والتمييز القومي والديني موجودا في العراق منذ عشرات السنين وتجسد في اشكال مختلفة وفي معظمها كانت عنيفة وقمعية. بعد سقوط النظام البعثي الدكتاتوري في 2003 منحت الكثير من الحقوق للقومية الكردية على وفق صفقات بين القوى القومية الكردية وقوى الإسلام السياسي الرجعية الحاكمة في بغداد، على وفق مفهوم الدولة الفيدرالية، وتم تقسيم الدولة ومفاصل الحكم على أساس نظام المحاصصة القومية والطائفية السيئ الصيت، وأصبح إقليم كردستان دولة قومية بحد ذاتها وان كانت التسمية مازالت إقليماً، واعتقد ان واقع الاقليم تجاوز حتى حالة الكونفدرالية وليس الفيدرالية فقط، وكانت دولة – اقليم كردستان – دولة فوق دولة – المركز في بغداد – مع كل تحفظي على القوى الرجعية الحاكمة في بغداد، الحكومة الاتحادية على فسادها وقمعها لا تستطيع أن تتخذ قرارا ملزما لإقليم كردستان، بل حتى في المناطق “المتنازع عليها” التي هي تحت سيطرته. وحاليا ليس هناك اضطهاداً قومياً ضد الكرد، بل إن ما يجري هو اضطهاد القوميات والأقليات القومية والدينية الاخرى في الاقليم وبشكل واضح وتم ادانته مرات عدة من قبل منظمات حقوق الانسان الدولية. إذاً، فأن مبرر الدعوة للاستفتاء من اجل انهاء الظلم القومي على – الكرد – ليس له أي أساس الان ولن يغير من الواقع الموجود في الإقليم من ناحية الحقوق القومية.

كردستان قبل وما بعد الاستفتاء!
منذ 1991 يتم حكم اقليم كردستان من قبل الحزبين الحاكمين – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني- وبمشاركة احزاب ذيلية اخرى لإضفاء الطابع الديمقراطي للحكم. وفي الآونة الأخيرة، وبسبب صراعات داخلية وأسباباً أخرى، ضعف الاتحاد الوطني الكردستاني بشكل كبير، وأصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الحاكم الفعلي في الكثير من مناطق اقليم كردستان وخاصة في محافظتي اربيل ودهوك، كما أن هناك مؤسسات دولة قومية كاملة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وإداريا ودوليا موجودة في كردستان العراق. الشيء الوحيد الغائب هو عدم وجود عملة رسمية وبعض الامور الشكلية الأخرى. إذاً دولة – كردستان القومية – موجودة فعليا في الإقليم وهي امر واقع، واجراء الاستفتاء بشكله المطروح الان او عدمه لن يغير الكثير من طابع الدولة الموجودة في الإقليم، بل بالعكس من الممكن ان يؤثر سلبا بشكل كبير على الاستقرار الامني النسبي الموجود في الاقليم مقارنة بوسط وجنوب العراق، وسيؤدي إلى إدخال الإقليم وعموم العراق في المزيد من الاحتقان والصراعات. وكذلك الرفض الدولي والإقليمي للاستفتاء الحالي سيدخل الجماهير في أزمات اقتصادية أكبر في الإقليم وإذا كان – الرئيس – مسعود البرزاني مستعداً لتجويع شعبه فقط من اجل تنفيذ قراره! فأكيد ان هو وعائلته ورموز حزبه لن يجوعوا وسوف لن تقلص أو تقطع رواتبهم، أو سيعيدون عشرات المليارات التي نهبت من قبلهم و عوائلهم و أحزابهم إلى الدولة لمواجهة الأزمات الحالية والقادمة. الجماهير الكادحة ستدفع ضريبة كبيرة إضافية إلى وضعهم المرزي الحالي نتيجة أي رد سلبي من المركز او الدول الإقليمية.
لدي بعض الأسئلة إلى مؤيدي الاستفتاء الحالي: ماذا سيتغير في إقليم كردستان بعد الاستفتاء؟ هل سيغير من الواقع الطبقي للدولة الموجودة حاليا؟ هل ستتخلى الطغمة الحاكمة في الإقليم عن فسادها ونهبها المفرط للمال العام ولإيرادات النفط؟ هل ستتعزز الديمقراطية والتداولية واحترام حقوق الانسان في الإقليم؟ هل ستحظى الأقليات والمرأة بحقوقهم المشروعة والعادلة؟ هل سيتحسن الوضع الاقتصادي والسياسي؟ برأيي أن الجواب سيكون بـ “كلا”، بل بالعكس سيسوء الوضع أكثر، ومن الممكن ان تتحول – الدولة القومية الموجودة – حاليا في الإقليم إلى -مملكة عائلية وراثية- مستبدة وبنظام حكم الحزب الواحد، واكيد ستكون هناك مقاومة كبيرة لذلك، ومن الممكن ان تندلع حرب أهلية دموية جديدة في الإقليم، تماماً كما حصل في تسعينات القرن المنصرم، وكذلك صراعات مع المركز.

لماذا قرار الاستفتاء الان؟
الطغمة الحاكمة في إقليم كردستان العراق في ازمة اقتصادية وسياسية عميقة جدا، والاستياء الجماهيري من الوضع المرزي وصل الى حدود خطرة تهدد بانفجار اجتماعي كبير تغير بنية الحكم بأكمله، وهي بحاجة الى إعادة تنظيم سلطتها لمرحلة ما بعد – داعش – محليا وإقليميا، حيث لا يمكنهم الاستمرار الان بنفس الأساليب السابقة في تبرير نظام حكمهم المستند على الفساد الفاحش والدكتاتورية، لذلك يحاولون قدر الامكان الهاء الجماهير الكادحة عن مشاكلها اليومية او المطالبة بحقوقهم، الخدمات، الرواتب، العدالة، الكهرباء والماء، العمل، الغلاء….. الخ وجرها الى صراعات قومية تحت مسميات مختلفة، والاستفتاء المطروح حاليا هو محاولة للهروب من أمام المشكلات المتفاقمة التي لن يجد الحكام الحاليون حلولاً لها، وقد نجحوا إلى حد كبير، إضافة إلى ان الحزب الديمقراطي الكردستاني يحاول بكل السبل غير المشروعة تعزيز سلطته الكاملة في الإقليم وفرض دكتاتورية – الرئيس المنتهية ولايته منذ سنوات – مسعود برزاني وعائلته, ويتجلى ذلك في اصدار قرارات بائسة ومنها غلق البرلمان رغم دوره المحدود جدا وأحيانا الشكلي! وطرد الوزراء… وتقليص الرواتب… الخ، حتى إن الحزب الديمقراطي ورئيسه وحلفائهم ضربا عرض الحائط كل المفاهيم الشكلية للحياة البرلمانية من خلال تجاوزهم على البرلمان -المنتخب- والمعطل وإصدار قرار بالدعوة إلى الاستفتاء، وهو الإجراء ذاته الذي مارسه الكثير من الحكام الدكتاتورين القوميين في العالم العربي، مع اختلاف واحد، هو أنهم في مواضيع حساسة كانوا يستخدمون البرلمانات الكارتونية، التي كانت لها مسميات مختلفة مثل مجلس الشعب او المجلس الوطني……الخ، لإصدار تلك القرارات والطلب من الرئيس المعظم تنفيذها! وفي حالة استفتاء الإقليم القادم لم يقم الحكام حتى بإعادة – فتح دكان البرلمان! – من اجل إصدار قرار الدعوة للاستفتاء.

ديمقراطية الاستفتاء وتخوين المعارضين!
الاستفتاء عملية ديمقراطية، وفي العادة يكون هناك من يدعو إلى مقاطعته أو المشاركة ب “نعم” أو “لا” او بخيارات أخرى حسب طبيعة موضوع الاستفتاء، ولا بد للسلطات الحاكمة توفير وتهيئة الأجواء السلمية المناسبة لكل الإطراف للعمل وترويج آرائها حول الاستفتاء. أما في الاستفتاء المزمع إجراءه حول استقلال كردستان، فقد فرضت أجواء هستيرية قمعية من قبل الحزبين الحاكمين الذين لهم تأريخ وسجل اسود في قمع حرية التعبير والرأي والاغتيالات السياسية، ولاسيما في مناطق سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد أي رأي يطالب بتأجيل او مقاطعة الاستفتاء او التصويت بـ “لا”. وصدرت الكثير من التصريحات من رموز الحزبين الحاكمين بضرورة محاسبة كل من يختلف معهم في قضية الاستفتاء واعتبارهم خونة للشعب واتهامهم بالعمالة والارتزاق ويجب محاسبتهم وسجنهم ومعاملتهم كجواسيس وطردهم من الإقليم، وحصلت العشرات من حالات المضايقة والاعتداء بحق المعارضين، ويتم الآن بشكل كبير التضييق على المؤسسات الإعلامية المستقلة التي تسمح بالآراء المناهضة للاستفتاء او تدعو للتصويت ب “لا”. وأكيد فأنهم بهذه الأجواء الاستبدادية سيخلقون خوفا كبيرا لدي سكان الإقليم من الانتقام في حالة عدم المشاركة أو التصويت بـ “لا” ، وهو تعارض صارخ مع ابسط مفاهيم الاستفتاء والقيم الديمقراطية التي يتشدق بها حكام الإقليم، وتذكرني هذه الأجواء القمعية بانتخابات وتجديد البيعة! للحكام الدكتاتورين في العالم العربي والشرق الأوسط، أي لك “الحرية والحق الديمقراطي! ” في – الاستفتاء – ولكن يجب ان تشترك و أن تقول “نعم” فقط لاغير وإلا فأنت خائن وعميل وفي معسكر أعداء الشعب!.

انا مع الاستفتاء من اجل تقرير مصير إقليم كردستان، ولكن كيف ومتى؟
لان الاستفتاء المطروح الان يفتقر الى ابسط مقومات الاستفتاءات الديمقراطية الشرعية حتى بمعايير العالم الثالث، إضافة انه غير ملزم وليس له أي تأييد دولي او إقليمي فأدعو الى الغاءه وتأجيله الان، والتحضير لإجراء استفتاء حقيقي ملزم لكل الاطراف لتقرير مصير إقليم كردستان وفك الارتباط مع العراق ويكون تحت إشراف دولي وهذا يتطلب:
• اجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية في الإقليم.
• انتخاب رئيس جديد للإقليم مع تحديد كبير لصلاحياته ولا يسمح بأكثر من دورتين، وتوزيع الصلاحيات بين الحكومة والبرلمان.
• انهاء سيطرة الحزبين الحاكمين على القوى العسكرية والأمنية ووضعها تحت سلطة الحكومة والبرلمان في الإقليم، حيث هي الان ميليشيات حزبية وأجهزة قمعية ما زالت تخضع لمصالح قيادة الأحزاب الحاكمة وللدفاع عن حكمها.
• بدء المفاوضات والحوار مع المركز – الحكومة الاتحادية تحت اشراف وضغط دولي من اجل حل المشكلات العالقة، ولا بد من مناهضة الفكر القومي العروبي الشوفيني المتعصب ذو النزعة الاقصائية ضد القوميات والأقليات الأخرى والنضال ضده، والذي ما زال يسيطر على الحكومة الاتحادية ومعظم النخب السياسية في وسط وجنوب العراق.
• يتم تحديد فترة زمنية للاستفتاء وتهيئة المناخ الملائم محليا واقليما ودوليا، ولا بد ان يصدر قرار الدعوة للاستفتاء من قبل البرلمان في الإقليم.
• توفير أجواء ديمقراطية مناسبة للترويج والدعاية للآراء المختلفة لساكني الإقليم حول البقاء مع العراق او الانفصال عنه.
• اجراء الاستفتاء تحت اشراف دولي وبشكل خاص الأمم المتحدة وتكون نتائجه ملزمة لكل الاطراف.
• بعدها يتم اجراء استفتاءات اخرى محلية في مناطق “المتنازع” عليها حسب وضعها، وتحت اشراف دولي لكي يقرر سكانها اما ان يكونوا جزءا من الاقليم او المركز او حتى ان يشكلوا اقليما خاصا بهم مثل مدينة كركوك ذات التنوع القومي والديني الكبير.
• العراق بسبب تنوعه القومي والديني يجب ان يعلن كدولة بدون قومية او دين رسمي، ويشمل ذلك إقليم كردستان ايضا.

الدولة القومية ام دولة المواطنة؟
اعتقد ان التطور الفكري والمعرفي والحقوقي للبشرية وسيادة ثقافة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية التي تستند الى الحقوق المتساوية والمواطنة وليس الى الولاءات الاثنية والدينية، تتعارض الان بشكل كبير مع مفاهيم الدولة القومية وما سمي بـ- التحرر الوطني والقومي- التي كانت جزءا من مفاهيم القرن المنصرم، ومن معظم تجارب الدولة القومية في المنطقة نرى انها تحولت في الأخير الى دكتاتوريات وراثية مستبدة تدير دولاً فاشلة عن طريق القمع والفساد، وتفتقد الى ابسط مقومات الحكم الديمقراطي الرشيد، وأنظمة دكتاتورية كالنظام البعثي المقبور في العراق ونظام القذافي الليبي، هما على سبيل المثال لا الحصر، كانوا خير مثال للدول القومية! اعتقد ان العمل من اجل دولة المواطنة الدستورية والخدمات والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون وفصل السلطات لا بد ان يكون أساس ومحور نضالنا الان، وليس حشد الجماهير الكادحة وإدخالهم في حروب وصراعات وأزمات عميقة وتأجيج التعصب القومي من اجل بناء دول على اساس قومي لن تكون في الاخير غير ممثل لمصالح البرجوازيات القومية ولخدمة أهدافها، ولن يكون هناك غير المزيد من الفقر والحرمان والحروب والاستبداد للجماهير الكادحة، التغيير فقط سيكون في قومية – الحكام – وليس في أي امر اخر!
الاستفتاء المطروح ليس له أي علاقة بمشاكل الجماهير الكادحة ومعاناتها ومطالبها، وهو فقط أسلوب جديد لإدامة حكمٍ فاسدٍ ومستبدٍ في إقليم كردستان عبر استخدام الأحاسيس القومية وتعزيزها. ولن يؤدي ذلك الى أي تغيير إيجابي في حياتهم بل سيكون له الدور الكبير في تكريس الدكتاتورية في إقليم كردستان العراق، إذ أن المستبدين والفاسدين لا يبنون دولاً عصرية تضمن المواطنة وحقوق الإنسان بصورة مناسبة.

اترك تعليقاً