الرئيسية / مقالات / في ميانمار جرائمٌ موصوفةٌ ومجازرٌ مهولةٌ (2)

في ميانمار جرائمٌ موصوفةٌ ومجازرٌ مهولةٌ (2)

السيمر / الخميس 07 . 09 . 2017

د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين

بصوتٍ خافتٍ ضعيفٍ لا يكاد يُسمع، ولا تبين كلماته الواهنة الضائعة بين أنات الألم وآهات الوجع، ومن تحت الأنقاض، ومن داخل المسالخ والمذابح، ومن بين الأزقة المهدمة، وبقايا البيوت المخربة، ومن بين أصوات الرصاص، ووقع الفؤوس، وضربات السكاكين والسيوف، ومن أخاديد النار وخنادق الموت، وتحت أمواج البحار وفوق لججها الثائرة، وفي جوف مياه الأنهار العميقة الجارفة، ومن على أعواد المشانق والحبال المدلاة من الأشجار العالية والسقوف المرتفعة، يستغيث مسلمو ميانمار، ويجأرون إلى الله بالدعاء، وقد اشتدت عليهم المحنة، وضاقت عليهم الفتنة، أن يرحمهم من جحيم البوذيين، ومن نار إخوانهم البورميين، الذين يشاركونهم الأرض والتاريخ والوطن.
المسلمون المستضعفون الروهينغيا في ميانمار الذين يتسربلون بالدم، ويواجهون الموت، وتقطع أطرافهم بالفؤوس والسيوف، وتمزق الآلات الحادة أجسادهم، ويلقون في النار الملتهبة كالحطب، يسألون إخوانهم المسلمين النصرة، ويطلبون من المجتمع الدولي النجدة، ومن كل أصحاب الضمائر الحية الوقوف معهم، ورفع العنت عنهم، فقد ساءت أحوالهم، وقتل رجالهم ونساؤهم وأطفالهم، وحرقت بيوتهم، وسرقت ممتلكاتهم وحاجياتهم البسيطة، ودمرت مساجدهم وهدمت مدارسهم، فلا شئ من آثارهم قد سلم، ولا بيت من بيوتهم قد بقي، كل شئ قد نُسف ودُمر، بحقدٍ ولؤمٍ لا يعرفه الإنسان، وكرهٍ وعنفٍ لا يملكه الحيوان.
في أحياء ميانمار يُشنق الأطفال، ويعلقون على الأعمدة والنوافذ، وتتدلى أجسادهم من السقوف، تلتفُ على أعناقهم الصغيرة اللدنة، حبالٌ خشنة، مفتولةٌ بالحقد، ومجدولةٌ بالشر، يخنقون أنفاسهم، يحرمونهم من الحياة، يحرقونهم وهم أحياء، يقطعون أوصالهم، يستأصلون أعضاءهم، يعبثون بأجسامهم تمزيقاً وبقراً وتقطيعاً، ويتأرجحون بأوزانهم الثقيلة على أجسادهم النحيلة حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولا تأخذهم بهم رأفةٌ ولا رحمة، رغم أنهم أطفالٌ صغار، أولادٌ وبنات، لا يعرفون من الحياة شيئاً، ولم يذوقوا من نعيمها شيئاً، حتى براءة الأطفال التي كانت لهم، قد نزعوها منهم، وحرموهم من طفولتهم الطاهرة البريئة، التي لا تحمل الحقد ولا الكره، ولا تعرف الشر ولا الضرر، فوأدوا طفولتهم، وقتلوا براءتهم، وتعمدوا نشر صورهم وهم يعضون على ألسنتهم نتيجة الخنق، أو تسيل الدماء من أطرافهم وهم يحاولون رفض الشنق، ومقاومة الموت.
بناتنا في ميانمار تنتهك أعراضهن، ونساؤنا يصرخن وهن على فراش الهتك قبل القتل، أيا أيها المسلمون أين أنتم، أنقذونا، أغيثونا، كونوا معنا، امنعوا السيف الذي يقطع أوصالنا، انزعوا من أيديهم الخنجر المغروس في أجسادنا، أطفئوا النار التي تخرج من بطونهم كاللهب، وترمي بنارها كالشرر، تحرق وتدمر، أوقفوا أقدامهم التي تدوس كالفيلة، وتخرب كالعير، فأقدامهم قد ساخت في بطوننا، وأرجلهم قد لونتها دماؤنا، وبقايا أجسادنا قد علقت بأجسامهم وحملتها أقدامهم، وهم يفرحون بما يرتكبون، ويطربون لما يسمعون، ولا يأبهون لأحدٍ، ولا يخافون من منتقم، ولا يتوقعون أن يهب لنجدة المسلمين معتصم، فقد أيقنوا أن معتصم هذا الزمان، قد أصابه النعاس، أو نال منه التعب، فخلد إلى النوم، أو أصابه هو الآخر الموت، فأوغلوا في القتل، وبالغوا في التعذيب والطرد والتطهير.
في ميانمار ترتكب اليوم جريمةٌ كبيرة، لم يعرف العالم مثلها من قبل، ترتكبها الحكومة البورمية، ويقوم بها الجيش، وينفذها مواطنون بوذيون حاقدون، يكرهون الإنسان، ويحقدون على المسلم، ويحاربون شهادة التوحيد، ويريدون أن يطفئوا كلمة الله، وأن يقتلوا حفظة كتاب الله، وأن يخرسوا الأصوات التي تنطق بـــ”لا إله إلا الله”، فلا تصدقوا أن الحكومة هناك تمنع أو تصد، إنها تفتك وتقتل، ولا تصدقوا أنها تحمي وتدافع، إنها تعتدي وتقاتل، فلا تقبلوا منها تبريراً أو تفسيراً، ولا تقدروا لها حجة أو تسمعوا منها قصة، فلا يبرئُها من الجريمة اعتذار، ولا يطهرها من إفكها محاولة استدراك، فقد قتلوا وطردوا مئات آلاف المسلمين، وما زالوا على دمويتهم يمضون، ينفذون بخطةٍ ومنهج، ويقتلون برغبةٍ ونهم، تزيدهم الدماء المسفوكة وحشية، وتعمق أصوات الاستغاثة لديهم الحقد والكره الدفين.
العالم كله يشهد هذه الجرائم ويرصدها، ولكنه يقف أمامها عاجزاً ولا يحرك ساكناً، وقد كان بإمكان المجتمع الدولي أن يتحرك نصرةً لهم، وأن يوقف المجازر التي ترتكب بحقهم، فهو لا يحتاج إلى دليل، ولا تعوزه قرينة، فكل الجرائم ترتكب في ميانمار في وضح النهار، وبعلم واعتراف السلطة الحاكمة، فإلام الصمتُ وحتى متى، فلا بد من تحركٍ فاعل، وإرادةٍ صادقة، ترغم الحكومة وتجبرها على التراجع والكف عن هذه الممارسات الدموية، علماً أن ما قد لحق بالمسلمين كثير، وأكثر بشاعةً وفظاعةً من الخيال، فلا يعوضهم عنه اعتذار، أو توقفٌ عن أعمال القتل، فالخسارة أكبر من أن تعوض، وأعظم من أن تستدرك، فقد طالت المسلم ودينه، ودمرت بيته ومدرسته ومسجده، وحرقت قرآنه ومزقت كتبه هتكت عرضه، وهدمت مقابره واعتدت على هويته وحضارته.
أيها المسلمون لا تنسيكم همومكم الخاصة محنة إخوانكم المستضعفين في ميانمار، ولا تنشغلوا عنهم بمشاكلكم، فهم لم يتخلوا يوماً عنكم، ولم يتأخروا عن تأييدكم ونصرتكم، فرغم فقرهم فقد كانوا لمقاومتنا يتبرعون وإليها ينظمون، ورغم جوعهم فقد كانوا تضامناً معنا يضربون ويصومون، ورغم القهر فقد كانوا نصرةً لقضايانا يتظاهرون ويعتصمون، وهم عنا بعيد، لا يصيبهم من عدونا سوء، ولا يلحق بهم منه شرٌ ولا ضرر، وهم يتطلعون إلى اليوم الذي يدخلون فيه المسجد الأقصى، مقاتلين من أجله، وعاملين على تحريره، ليكونوا يوماً ممن أكرمهم الله سبحانه وتعالى بالصلاة فيه، فثورا لأجلهم، وانتفضوا نصرةً لهم، وكونوا لهم سنداً يقويهم، وعوناً يرفع عنهم الظلم، ويوقف فيهم القتل، ولا تهملوهم فتخسروا، أو تتخلوا عنهم فتندموا.

يتبع ….

اترك تعليقاً