الرئيسية / مقالات / أطفئوا فتنة البرزاني بعجالة إستعداداً لإندلاع حرب محتملة في المنطقة / 9
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

أطفئوا فتنة البرزاني بعجالة إستعداداً لإندلاع حرب محتملة في المنطقة / 9

السيمر / الجمعة 10 . 11 . 2017

محمد ضياء عيسى العقابي

مدى صلابة الموقف التركي حيال الإستفتاء؟:
ربما صدّق كثيرون مسعود برزاني حين قال إن موقف تركيا، كغيرها من الدول، المعارض للإستفتاء سيتبدل بمضي الأيام وهو يقصد، بالنسبة لمعظم السامعين، سيتبدل بفعل المصالح النفطية والسياسية مع كردستان العراق (“شمال العراق” كما صار الرئيس أردوغان يسمي الإقليم). وبرزاني في الحقيقة يقصد سيكون التبديل بفعل التأثيرين الإسرائيلي والأمريكي.
أعتقد أنه ما عاد هذا الرأي لبرزاني يحمل وزناً ذا أهمية بعد جملة عوامل نوعية دخلت على المشهد التركي جعلت موقف تركيا ينقلب جذرياً.
في عام 2014 بعد تسليم الموصل الى داعش وتمثيلية إعتقال أكثر من (40) موظفاً يعملون في القنصلية التركية في الموصل، قلتُ إن لدى أردوغان مشروعاً أسميته بـ “مشروع إحياء الإمبراطورية العثمانية الجديدة”. كان هذا التشخيص صحيحاً عندما أراد أردوغان تنفيذ مشروعه الإسلامي ذاك بالإستناد الى دعم حلف الناتو بزعامة أمريكا الإمبريالية. ولا يمكن أن تعطي هكذا طبخة ناتجاً يخدم الإسلام والجماهير والسلام العالمي.
يبدو أن هذا المشروع قد إصطدم بمعارضة أمريكا وحلفائها لتضارب مصالح بينية إمبريالية حيث لا ترغب أمريكا الإسلام التركي السني المعتدل عموماً كآلة تخريب لأنها مكتفية بالإسلام الوهابي السعودي الأضمن الذي لعب ويلعب على مدار أكثر من ستين عاماً دوراً تخريبياً لصالح الإمبريالية فنشر التطرف بإسم الإسلام على النطاق العالمي لمحاربة الإشتراكية وحركات التحرر الوطني وأخيراً حارب الحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية أثناء ما يسمى بالربيع العربي.
من مظاهر ذلك الإصطدام منعُ أمريكا أردوغان من التدخل العسكري التركي في سوريا لإقامة “منطقة آمنة” وكانت حلب كما الموصل حاضرة في ذهن أردوغان؛ وعدم تشجيع أمريكا التوسعَ التركي في العراق سواءً في تمثيلية إختطاف دبلوماسيي القنصلية التركية في الموصل لحجز مقعد لأردوغان على طاولة تقسيم العراق بعد نجاح مؤامرة داعش حسب التخطيط ووصولها حتى الفاو “مطهِّرة” أثناء زحفها “المقدس” العراقَ من أهله الشيعة؛ ولم تشجع أمريكا أردوغان على تطوير إحتلاله لبعشيقة بمساعدة مسعود برزاني “المهمش المظلوم” من جانب “الحكم الشيعي الديني الطائفي في بغداد” فأعلنت أمريكا أن القوات التركية في العراق لا تقع تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا؛ ومن ثم الشك الكبير الذي إنتاب أردوغان من أن أمريكا كانت وراء محاولة فتح الله غولن الإنقلابية ، أو بالأقل محبذة له، وربما إنتاب أردوغان شعور أو توفرت لديه معلومات بأن أمريكا، التي إعتمدت إستراتيجية المحافظين الجدد، والناتو يريدون تقسيم تركيا والسعودية في الوقت المناسب وربما دفع هذا أردوغان مؤخراً الى التصريح بأنه ليس بحاجة الى أوربا خاصة بعد أن يئس من إمكانية قبوله عضواً في الإتحاد الأوربي. تبعَ ذلك رميُ أمريكا بثقلها وراء “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في “محاربة” داعش، وهي قوات كردية قريبة من حزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه تركيا وأمريكا وأوربا كجماعة إرهابية وتركيا منغمسة ضده في حالة صراع دموي ظالم.
لقد تصرفت أمريكا مع (قسد) مثلما سبق وأن تصرفت مع قوات بيشمركة البرزاني أي دعمها عسكرياً حسب المعلومات التي كشف عنها الخبير العسكري والأمني اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف قبل عدة سنوات وقد تناولت ذلك في الحلقة8 عند الحديث عن ميزان القوى العسكرية داخل العراق.
أخيراً جاء الخلاف الخليجي بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى حيث إحتضنت تركيا قطر وأقامت فيها قاعدة عسكرية. أعتقد أن أردوغان قد شوّش تخطيط ترامب الذي أراد إبتزاز قطر، عن طريق السعودية والإمارات والبحرين، وأراد حلبَها، كما حلب السعودية كالناقة؛ ومن ثم أراد دفْعَها، أي قطر، الى إتخاذ مواقف لصالح إسرائيل بتوريط حماس بكيفية ما كعقد صفقة تخاذلية تسمى بـ”صفقة القرن” حيث أن ترامب يريد تثبيت كرسيّه المهتز عبر جني الأموال لأمريكا وعبر تقديم خدمات مميزة لإسرائيل واللوبي الصهيوني عسى أن تنضج ظروف مؤاتية لضرب حزب الله وإيران والمقاومة الفلسطينية ليستقر الشرق الأوسط بيده، ترامب، ليسلمه بدوره الى إسرائيل لإدارته بقفاز سعودي لتتفرغ أمريكا لبحر الصين الجنوبي وشرق آسيا عموماً ودول البريكس حيث التحدي الأكبر.
أعتقد أنه مما زاد من شكوك وإمتعاض أردوغان هي إستهانة الإمبريالية عموماً منذ عقود ولحد الآن خاصة في عهد ترامب إستهانةً يندى لها الجبين بالمسلمين في حالتي “الصداقة والتحالف” كما فعل بأبقار النظام السعودي؛ أو في حالة العداء والنفور كما هو الحال مع جمهورية إيران الإسلامية التي شيطنها ترامب بقدر لا يصدق؛ وكل ذلك من أجل المصالح الإمبريالية التي تقضي بإحتضان النظام الصهيوني الذي لم يمتثل لأي قرار من قرارات الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية عمومأ ويستمر في زيادة وتوسيع المستوطنات ويتجاوز على القدس والمسجد الأقصى، بينما تقف إيران الى جانب الحق الفلسطيني وتزود المقاومة بالسلاح.
والأنكى أن إستراتيجية المحافظين الجدد التي إستقرت في مفاصل المؤسسات الأمريكية تقضي بتشتيت الدول العربية والإسلامية بضمنها تركيا والسعودية وإيران وتمكين إسرائيل من التحكم فيها.
دفع كل هذا أردوغان، كما يبدو، الى إعادة النظر بمشروعه وأسلوب تحقيقه وتحالفاته.
بناءً على ذلك، بدى واضحاً إنفتاح أردوغان وإقترابه من روسيا وإيران في سوريا ومن دول معاهدة شنغهاي. تطورت علاقاته مع روسيا لدرجة أنه إشترى منها منظومة صواريخ أس – 400 المضادة للجو والمتطورة جداً وهو ما أزعج أمريكا وحلف الناتو لأن ذلك مؤشر على نوايا أردوغان بإتجاه محاولة التخفيف من الإعتماد على أمريكا تسليحياً وسياسياً تحسباً لأيام قد تكون صعبة بين الطرفين.
يُلاحظ أن أردوغان وإيران، بعد التشاور، قد أشارا الى البعد الإسرائيلي في مسألة الإستفتاء الذي نظمه البرزاني بهدف الإستقلال وفق حسابات خاطئة وغير واقعية. لقد أبرزا هذا العامل قبل التخوف من المسألة القومية لديهما وأعتقد أن طرح الأولوية بهذه الكيفية تعكس قلقاً حقيقياً وليس تكتيكياً.
إنحطت العلاقات التركية – الأمريكية لدرجة أن سفارتي البلدين أوقفتا بتأريخ 8/10/2017 منح تأشيرات دخول مواطني أحداهما للأخرى على خلفية خلافات في الساحة السورية حيث تحاول أمريكا عرقلة وتأخير دحر داعش لديمومة التناحرات والتوترات في المنطقة ريثما تنضج الشروط الموائمة لنتنياهو لشن حربه على حزب الله والمقاومة الفلسطينية وإيران. وساءت العلاقات أكثر بعد يومين فأصدرت السلطات القضائية التركية مذكرة قبض على موظفَين في السفارة الأمريكية بأنقرة. وأخيراً أعلن ألرئيس أردوغان رفضه إستقبال السفير الأمريكي في أنقرة وطلب من جميع المسؤولين الأتراك عدم إستقباله.
إن كل هذا يعكس تغيراً إستراتيجياً في موقف تركيا من أمريكا. وقد أقر بذلك الكاتب التركي يوسف كتاب أوغلو في فضائية “الميادين” بتأريخ 7/10/2017.
عليه فإن موقف تركيا من إستفتاء برزاني هو موقف ثابت لا أمل للبرزاني فيه رغم تزيين بعض الكتاب الميّالين للبرزاني الصورةً أمامه كما فعل العراقي هافال زاخوي في فضائية (الحرة – عراق / برنامج “بالعراقي”) بتأريخ 8/10/2017 وهيوا عثمان وهيثم هادي الهيتي في فضائية (الحرة العامة / برنامج “ساعة حرة”) بنفس التاريخ السابق.
(أتوقع بل آمل أن يتطور توافق تركي إيراني عراقي ليشمل لاحقاً سوريا ثم مصر والجزائر وتونس ليمتد الى باكستان وإندونيسيا وقد ينتج عنه تحالف دولي إسلامي ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وجميع المكونات العرقية والدينية ويكون مثالاً في التعاون الطوعي والإحترام المتبادل ويسعى الى تحقيق التنمية الإقتصادية وتحقيق العدالة الإجتماعية وتعميق السلام العالمي والتعايش السلمي بين جميع شعوب الأرض ويشد أزر منظمة الأمم المتحدة ويفتح الجسور مع الفاتيكان ودول البريكس والإتحاد الإفريقي ورابطة دول أمريكا اللاتينية ولا يهدف الى محاصرة أية دولة أو مجموعة دول إذا ما إحترمت حقوق الآخرين حسب ميثاق الأمم المتحدة. قد تكون لي عودة على هذا المشروع في مقال مفصل.)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) : للإطلاع على تفاصيل “الطغموية والطغمويون وجذور وواقع المسألة العراقية”، برجاء مراجعة هامش الحلقة الأولى من هذا المقال المنشورة على أحد الروابط التالية:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=575611

http://www.qanon302.net/?p=97120
http://www.akhbaar.org/home/2017/10/235247.html
http://saymar.org/2017/10/39773.html
http://www.alnoor.se/article.asp?id=328403

اترك تعليقاً