أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة وادب / الشاعر ” مصطفى المهاجر” .. هكذا الكبار يترجلون

الشاعر ” مصطفى المهاجر” .. هكذا الكبار يترجلون

السيمر / السبت 11 . 11 . 2017

عبد الجبار نوري*

الفقيد الشاعر مصطفى المهاجر

لم أفزْ يوماً بلقاء هذا الجبل والقامة الشامخة بيد أني مدمن على قراءة نصوصه الشعرية في وخزات الغربة وجروحات المنافي ولعقدٍ من الزمن وأنا صديق دواوينه السبعة ، والذي أتضح لمحافل الأدب وأسواق الشعر بأن المهاجر حصل على درجة البروف من متلقيه وتلقيت صدمة رحيله وأنا أقرأ على صفحات النت صبيحة يوم الأربعاء 8-11-2017 وفاتهُ في مدينة ( برزبن ) الأسترالية بعد صراع مع مرضٍ عضال ، وأنا غارق في متاهات آلامه وجروحات الغربة العميقة ، وليحط قدماه في درب العراق لا سواه ليجتث في طريق رحلة البحث( الكلكامشية ) عن الحقيقة فوجدها قمامة عفنة ليركلها بكلتا قدميه وهو يقول :

كل الدروب إلى المأساة أعرفها
وليس دربٌ إلى سعدٍ يناديني
أبحرتُ في لجج الآهات متشحاً
بالهم والفقد يجري في شراييني
ناديتُ من سكنوا قلبي فأرعبني
أن النداء نشازٌ في التلاحيني

أنهُ ” صباح الأنصاري ” من أوائل المعتقلين من كوادر حزب الدعوة ، لقد تركنا بصمت وترجل بسكينة وهدوء الكباروهو ثابت الخطوة يمشي ملكاً نحو الملكوت الأعلى ( ليشكي ربهُ جفاء رفاق دربه — مات نقياً لم يتلوّث بالفساد والسرقات ) — مقطع من مرثية صحيفة المثقف بحق الشاعر/أنتهى .
وقد ترجل مبكراً أحد الكبار – ونحن نتجرع غصة هذا الزمن الأغبر – وهكذا ديدن العظماء حين يرحلون بصمت وسكينة يؤثرون على أنفسهم أشغال الآخرين ، طوبى لك أيها الشاعر الصوفي لقد عشقت العراق وتجرعت كأسها المرْ حد الثمالة وأنت تنظربأحتقار إلى خفافيش الليل ركاب القطار الأمريكي كيف ينهشون وطننا كالذئاب المفترسة حين تتكالب على الفريسة ، وقد حولت بوصلتك عن ذلك الكرسي اللعين وكان رهانك الولاء والأنتماء والتسامي الكيمياوي في عشق العراق ، فصدق الشاعر الفلسطيني محمود درويش حين قال : ( أذا أردت أن تكون شاعراً فكن عراقيا ً) .
مصطفى المهاجر شاعر الأحاسيس تشعر بعبق قصائده الثرّة بالأنسنة وحب الآخرين وتتدفق روافد تلك النصوص الشعرية الجميلة لتصب في بركة العمر اللجية المتدفقة هي الأخرى بالعواطف الجياشة المسلفنة بذلك العشق الصوفي للوطن والحرية ومعاناة الغياب وأستلابات المنافي ، وترجم تلك الآهات والجراح العميقة بترنيمة ملائكية عبر أيقونة قصائدهِ الحزينة المعبرة عن عمق جراحات الوطن والسلوكيات السالبة لرفاق الأمس ، فطوبى لك لقد حصلت على أرفع وأرقى وسام من شعبك المغلوب على أمرهِ وهو ( الذكر الحسن ) لآنك أخترت طريق القيم والزهد فتقاربت مع أمام الزهد والعفاف الأمام علي حين قال : الدنيا دار ممر إلى دار قرار ، والناس فيهما رجلان رجلٌ باع نفسهُ فأوبقها ورجلٌ أبتاعها فأعتقها ) محمد بن أحمد الذهبي / سيرة الأمام علي 2017.
لا تعجبوا بفقد الشاعر المبدع ” مصطفى المهاجر صباح الأنصاري” حين تصبح القوافي حزينة والأوزان تفقد بوصلتها نقطة الجذب المغناطيسي ، فأنت ذاكرة أمّة وضمير وطن ، عزفت بأوجاع دواوينك السبعة – الخضر اليانعات- ، أوجاع الوطن العراقي على أوتار سومرية وبابلية ، وأنت يا أبا حوراء العزيز في زمن الجدب ، وحين تكون أشعارك زاداً ثقافياً ومعيناً لا ينضب ، فهي حقاً ذاكرة أدبية في سماء الوطن ، تغزل المهاجر البكائي صوفياً وعذرياً بوطنه العراق ممزوجاً بالدموع وتنفث آهاتاً من خلال أوجاع الغربة والفراق فيضطر المتلقي الأندماج ومشاركته وخزات الضمير وتدافع أرهاصات اللاوعي للشاعر فهو يقول :

فكل الدروب تحيط بنا
وتدفعنا كي نحط لديك
وهذه المزامير تبكي عليك

وشعرهُ غائص في الحنين والعواطف الجياشة وآهات آلام الغربة ، يقول :

في الهزيع الأخير من الليل
أنثر أوراق عمري الحزين
أقلبها —–
أعدد ما مرّ
من خيبة — غربة —عرقٍ —أو دمٍ — وحنين
وأقرأ بين السطور
التي شفّها الوجد
خاتمة لا تبين
هنا
ضاع لي صاحبٌ
عشرةٌ منهُ في السجون

* كاتب عراقي – ستوكهولم
في 11-11-2017

اترك تعليقاً